مع أحمد الحسني البغدادي
المقابلة الخامسة والخمسون*
مع سماحة الأخ المرجع القائد
أحمد الحسني البغدادي
حاوره : أبو طالب البوحية
هو أول من دعا الأمة للتصدي ضد الغزوة التوراتية الأميركية الغاشمة .. وهو أول من دعا الى تجذير الحس الوطني والإسلامي بين العراقيين ، والابتعاد عن الصرعات المذهبية والعرقية والاثنية ، وهو الحفيد الأكبر للإمام المجاهد محمد الحسني البغدادي المتوفى 1973م ، حيث ينتمي الى عائلة لها وزنها ونفوذها السياسي تتميز بتاريخ علمي وأدبي عريق وحضور سياسي في بلاد الهلال الخصيب حيث تُعد من قبيلة شرفاء مكة التي ينحدر منها الشريف ابو نمي أمير مكة ( ت 721 هـ ) و الشريف الحسين بن علي زعيم الثورة العربية الكبرى إبان الحرب الكونية الأولى العام 1914م.
سماحة الأخ المرجع القائد آية الله العظمى احمد الحسني البغدادي مؤثر في بلورة خطاباته الثورية، وصياغة أطروحاته الرسالية التي لا تؤمن بالواقعية السياسية والتوفيقية ، والعملية السياسية الجارية في العراق بل تؤمن بالجهاد السياسي والفكري والمسلح التي تركت بصمات عميقة الأثر في بياناته وأحاديثه وفتاواه ولكن يبقى أهم ما يلفت في شخصيته الإسلامية هو تلك الكاريزما المتميزة التي يمتلكها واليقين في محياه ، والإيمان الراسخ في روحه انه الشخصية الوطنية البارزة في الساحة العربية والإسلامية ، رجل الفقاهة والمقاومة والوحدة ، الذي التقيته وأجريت معه الحوار في مكتبه بدمشق وقد سلط فيه الضوء على رويته حول قضايا الساعة مؤكداً : ان الجمهورية الإسلامية في إيران تقترب من السياسة البراغماتية منها الى القناعات والثوابت ، ولكن لا تخجل القيادة السياسية من نفسها وهي اول من بارك بتأسيس مجلس الحكم الانتقالي بقيادة بول بريمر المندوب السامي للولايات المتحدة واعترفت بشرعيته ، وتعتبر هذا امرا مقبولا وطنيا ومقدمة لخروج المحتل الأميركي البريطاني الغاشم ، وهذا هو نص الحوار الذي اجري بتاريخ 6 آب 2010م :
س: سماحة السيد قبل ان نبدأ الحوار أجدك حزينا لما آل إليه الوضع في العراق بعد سبع سنوات من الاحتلال؟
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
من الطبيعي ان أكون حزينا لسببين :
السبب الاول : إني أرى بأم عيني العراق محترقاً على كل الصعد ، فالى متى لا تحل معاناة أبنائه في الداخل, ومن المهجرين في البراري والدول الصديقة والدول الاستكبارية في الخارج, والى متى لا يعاد النظر بكل المقررات والتوصيات والقوانين ، التي صدرت في هذه السنين السبع العجاف ، والى متى يبقى ملف ضباط الجيش العراقي معلقا من دون اتخاذ أي إجراء كرد اعتبار وطني لهم بل وحتى لو نسبوا الى دائرة المحاربين كخطوة أولية وبالتالي إحالتهم على التقاعد، والى متى لا يعزز القطاع الزراعي والصناعي العام ، وإيقاف الاستثمار والخصخصة وسلع العولمة ، هذه كلها تشكل المساس بالأمن الوطني ، والتلاعب بالاستقرار الاجتماعي ، لان القطاع الخاص لا يسعى إلا لتحقيق الربح والمنفعة الشخصية لأصحاب هذه الشركات الاحتكارية الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار حاجة المجتمع وتنميته ، مما جعل هؤلاء يتخذون قراراتهم الثأرية الاستثمارية حينما جاءتهم الفرصة السانحة لإظهار حقدهم ، والأخذ بثأرهم التوراتي الإنجيلي ، بسبب الانفتاح والاحتلال وبسببه سنسمح بديمومة المياه الملوثة ، والأوبئة المرعبة كالسرطان ، والايدز ، تفتك بأهلنا ، بل وسنسمح بموت أطفالنا من امراض قابلة للعلاج ، بسبب شحة الادوية في المراكز والمستشفيات , والى متى يبقى الاضطراب الكبير بين الناس ، وهيمنة الميليشيات المسلحة المتحالفة مع قوات الاحتلال ، والتي تساهم هي الأخرى بإرباك السلم الأهلي ، والإرباك الاقتصادي من خلال تصفية حسابات سياسية لصالحها ولصالح قوى إقليمية ودولية، الى متى سنستمر بالتستر على اللصوص والمفسدين والملوثين والمتسللين الغرباء ، وسفاكي الدماء من خلال الأحزمة الناسفة ، والسيارات المفخخة ، بهدف خلط الأوراق والاستيلاء على السلطة من قبل أحزاب وتيارات متنفذة في سبيل تركيعنا لنقبل بالنظام الديمقراطي ، الذي يرتئيه العدو المحتل المجرم ، بل ومنذ الاحتلال جعلوا حياتنا أسوء من ذي قبل ، فقد برزت ظاهرة الاغتيالات والاختطافات والسرقات والتزويرات ، وبالتالي بلغ عدد ضحايانا ما يقارب الخمسة ملايين يتيم ، وأربعة ملايين مشرد ، ومليون معاق ، وخمسة وعشرين ألف طفل مهجرين الى دول الجوار الجغرافي ، وبالتالي تزعم حكومة الاحتلال الفتنوية أنها دولة القانون والمؤسسات على النمط الأوروبي والأميركي الليبرالي المعاصر.
السبب الثاني : تركت الثقافة الموروثة تئن تحت عبء «الفرقة الناجية» ، وهي فرقة «السلطة الحاكمة»، و «الفرقة الهالكة» ، وهي فرقة القوى المعارضة ، فغابت التعددية السياسية الحقيقية ، وتجذرة الأزمة الشعبوية ، ووقع رفاق الوطن الواحد في صراعات سياسية ، ومعارك جانبية بين المولاة والمعارضة ، وبين السلطة والأمة ، وبين الشرعية والصورية ، وبين الإرهاب والمقاومة ، وبين الاستقلال والتبعية ، وبين الوطنيين والخونة ، وبين الواقعية والاستسلام ، وبين النصر والهزيمة ... وهذا الحزب يفسق تياراً إسلاميا ، وذاك التيار يخون حزباً وطنيا ، وهذه الطائفة تكفر تلك الطائفة . يظل الحاكم المتسلط المستبد في السلطة دون تداولها ، ويبقى رئيس مدى الحياة ، لأنه باق الى الأبد ، لأنه ملهم من الله ، أو تابع لاملاءات القوى الكبرى ، أو خاضع لجماعات الضغط ورجال الأعمال ، التي بيدهم السلطة والثروة ، وبالتالي لايتنحى عن قيادة تسيير دفة الحكم ، الا باغتيال سياسي ، او انقلاب عسكري ، أو وفاة طبيعية كأجل محتوم لا مفر منه ، وعرف اليهود والاميركان اللذان هما مصنع مفهوم : «الفوضى المنظمة» لكونهما يستهدفان تفجير التناقضات الأزموية المرعبة ، وتحويل الأمة الى ملل وأعراق ومذاهب متناحرة ومتقاتلة فيما بينها في سبيل تفتيت الأوطان بداية بالعراق المغدور ، ثم السودان الممانعة ، ثم الخليج ثم المغرب العربي ، وتلك نتائج غياب مفهوم المواطن والمواطنة ، والهوية الواحدة للوطن الواحد ، وتلك نتائج وجود الحاكم الشمولي المطلق الذي يقوم على الفرد الواحد ، والذي تتركز السلطة بقبضته الحديدية ، وينفرد بالقرارات المصيرية للوطن في السلم والحرب واللاحرب ، وفي العزلة والاحتجاب داخل الحدود الجغرافي ، وبالتالي هل هذه نهاية التاريخ وخراب الدنيا وما فيها ، والآخرة في الانتظار بين الجنة والنار .
من هنا برزت تطفؤ على السطح تناقضات عرقية واثنيه ومذهبية وطائفية في لبنان شيعة وسنة وموارنة وإقليميون وعروبيون .. وفي سوريا سنة ودروز وأكراد وعرب .. وفي العراق عرب وأكراد وتركمان ومسيحيون ومسلمون شيعة وسنة .. وفي السعودية سلفييون 0وحجازييون ونجدييون ، وفي الكويت إسلامييون وقومييون ، ومجددون ، وتقلدييون ، وليبرالييون ومحافظون .. وفي الصومال واريتريا قبائل متنافسة ومتناحرة ومتقاتلة فيما بينها بلا شفقة آدمية على رغيف الخبز .. وفي الجزائر عرب وبربر .. وفي مصر مسلمون وأقباط .. وفي السودان شمالييون وجنوبيون .. وفي اليمن شوافع وزيديون (شيعة) وشمالييون وجنوبييون .. وفي فلسطين حمساوييون وفتحاوييون .
* إذن سماحة السيد كيف السبيل للخلاص من مفهوم «الفوضى الخلاقة» ونتاقضاتها المرعبة ؟..
تقويض هذه المؤامرة التوراتية الإنجيلية الا في تحقيق وحدة الأوطان العربية والإسلامية ، وإزالة الحدود المصطنعة ، التي هي من مخالفات بقايا الاستعمار القديم ، واتفاقية سايكس ــ بيكو هي الحل الوحيد الفريد ، وهذا هو المثل الاعلى بصرف النظر عن تعدديتها المذهبية والاثنية والعرقية ، وإذا لم يتحقق المثل الاعلى سوف تبتلع القوى الطامعة في التوسع والهيمنة والاغتصاب والاستئثار كمثل : «إسرائيل» الطامعة «وجوباً عينيا» من الفرات الى النيل ومن مصر الى العراق ، بل وشبه الجزيرة العربية بعضاً منها الى غير رجعة ، كما ابتلعت القوى الاستكبارية المتنفذة الكبرى أقاليم الدولة العثمانية الإسلامية بعد هزيمتها في الحرب الكونية الأولى العام 1914م ، لذلك يطالب تيار المرجعية الاسلامية (أٌمة) العودة الى القران ــ كتاب الاسلام الاخير المحفوظ ــ كدستور ، لانه لايظلم بتطبيق الشريعة الإسلامية الخاتمة ، لانها تقوم على العدل الإلهي المطلق .
س: من خلال قربكم من الخط المقاوم والرافض للاحتلال، كيف وجدتم هذا الخط وهل لكم رؤية نقدية على مسيرته في العراق خلال الفترة الماضية؟
** قبل الغزوة (الأميركية – البريطانية ) لبلاد وادي الرافدين الأشم كان يتصور الغزاة ان أبناء الأمة في العراق سوف ينثرون الورود والرياحين والدموع تنهمر من عيون المستقبلين على دباباتهم بسبب هيمنة الدكتاتورية والاستبداد ، التي مرت عليهم ثلاثة عقود ونصف من الزمن وإذا فوجئ هؤلاء الغزاة بمواجهة عنيفة بطولية بعد احتلال بغداد مباشرة من قبل المقاومة الوطنية والإسلامية في العراق ، فكانت صدمة موجعة لم تكن بالحسبان ، وبادرت قوى الاحتلال مباشرة بالتصريح بأن المثلث السني هو الذي يقاوم حيث حاولوا ان يدخلوا في ذهنية الرأي العام العالمي بأن الشيعة مع المشروع الأميركي ، ونسوا وتناسوا ، بل وحاولوا إخفاء الصمود البطولي في أم قصر من قبل ضباط الصف والجيش العراقي كان معظمه من (الشيعة) ، وكذلك اول طلقة حية ثارت من مدينة بعقوبة كانت من أسرة آية الله السيد عبد الكريم المدني يوم التاسع من نيسان 2003 كما حدثني بذلك الأستاذ فوزي الراوي ، يتضح من ذلك كله انه لم يكن هناك مربع شيعي أو مثلث سني ، وإنما كل العراقيين الاماجد يعارضون ويقاومون هذا الاحتلال ، وقد أصبحت هذه المقاومة تتخذ الأسلوب الأمثل ضد هؤلاء الغزاة من خلال التنظيمات المجهرية ، وليس من خلال التنظيمات الخيطية والخلوية التي اخترق جدارها من قبل المخابرات المحلية أو الاقليمية او العالمية ، لذا أفشلت هذه المقاومة المشروع الأميركي في العراق وفي المنطقة ، ونسفت ما سمي بالفوضى الخلاقة ، ولولا المقاومة العراقية وصمودها لتحقق المشروع الصهيوني في سبيل تحويل المنطقة الى دويلات وكانتونات هنا وهناك من اجل ان تتقاتل فيما بينها ، وتغدو المؤسسة الصهيونية العسكرية هي الأقوى في المنطقة ، وذلك كله باسم الإصلاح والحرية والديمقراطية . ان تكتيك المقاومة العراقية قد يتغير من فترة الى أُخرى حسب فهمي واطلاعي ، وان ما تتعرض له ـ اي المقاومة ـ من تهميش متعمد نتيجة الضغوط الكبيرة التي تمارسها الحكومة على الاعلام بشكل عام.
س: نشر عبر وسائل مواقع الانترنت، والصحافة العربية والإسلامية تصريح منسوب لسماحتكم مفاده: إذا خرجت عاهرات العراق في تظاهرة استنكارية لمناهضة الاحتلال الأميركي أنا أول من يشارك معهن في هذه التظاهرة، وإذا كان هذا التصريح حقيقة واقعة، إذَنْ من حقنا أنْ نستفسرَ ـ كمؤمنين ـ أيجوز شرعاً وعرفاً التظاهر مع الساقطات، وما الدليل على ذلك؟!..
** الإجابة عن هذا الاستفسار قد اجبت عنه بالتفصيل في كتابنا : فتاوى في فقه المقاومة و «ثقافة الاستسلام» وهو فيما يلي :
أولاً: حينما دخلت الوطن الأعز بعد الشتات والهجرة رأيت رموز: «المؤسسة الدينية النجفية» لم يكن لها موقفاً ثورياً إسلاميا حول الغزو الأجنبي الكافر، وعندما سمعت البعض منهم ـ وهذه هي المصيبة الكبرى – يؤيد العملية السياسية بكل تفاصيلها التآمرية المنافية لثوابت الأديان والشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدولية، هذا وقد صرحت مرة ثانية أخطر من التصريح الأول ـ على سبيل التشبيه والدلالة ـ على هامش المؤتمر القومي العربي السادس عشر في الجزائر في فندق الأوراسي في 6-9 نيسان 2005م, في صحيفة السفير اللبنانية قائلاً: لو زنى شيخ كبير في أمه بالكعبة المشرفة وهو محدودب الظهر رجله في قبره وهو يتحسس بآلام المستضعفين أفضل من «مرجع ديني» متصد لقيادة المسلمين وهو لم يفت حتى الآن في وجوب طرد المحتلين الكافرين، لان هذا السكوت المطبق من وجهة شرعية من أعظم المنافيات الإسلامية، وفيه المردودات السلبية الخطيرة على مبادئ الأمة ومثلها السامية من خلال تأكيدات القرآن والسنة الصحيحة.
وثانياً: ان هناك دعايات تضليلية، وهجمات مشبوهة تصدر من مؤسسات دينية وخيرية هنا وهناك ضد هذا التصريح أو ذاك، بيد ان هؤلاء نسوا أو تناسوا نحن لا نفعل شيئاً، ولا نقول تصريحاً خلاف الأدلة التشريعية القرآنية منها أو الحديثية الصحيحة.. قال الرسول محمد(ص):«ينصر الله هذا الدين بقوم لا خلاق لهم في الآخرة» ليس معنى قول الرسول(ص) هذا أنَّ هؤلاء الفاسقين, الذين نصروا هذا الدين من المرضيين عند الله سبحانه وتعالى، فتصريحنا الذي صدر منا من هذا القبيل في أفضلية العاهرات على هؤلاء الذين يتظاهرون ظلماً وعدواناً بالقداسة والديانة والفقاهة، ويبعدون الأمة عن جهاد الكافرين والمشركين.
وثالثاً: قال الشيخ مغنية في كتابه (فلسفة الأخلاق في الإسلام): «ولست أشك في أن المومس التي تبيع جسدها، وتعيش على فرجها أشرف من المرائي الذي يتاجر بالدين، وأقرب إلى الله.. إنها تاجرت بقبلها، وتاجر هو باقدس الأقداس الذي تستميت الأنبياء والأولياء في سبيله.. وأيضاًَ هي لا تغش ولا تكذب في مهنتها وتجارتها، وتظهر للناس عارية، ولا تطلب الإجلال والاحترام من أحد، بل تشعر بضعتها واحتقار الناس لها، أما المرائي الذي يتاجر بالدين فقد خدع ونافق في مظهره والستر على عيوبه، ومع هذا يطلب من الناس الاحترام والتقدير».
س: قد قرأت فتواك الشهيرة في مقابلة حوارية في جريدة: «قاسيون» السورية, بتأريخ كانون الثاني 2008م, والتي صرحت بها بعدم ألحاد الشيوعيين المسلمين الذين يؤمنون بالتوحيد والرسالة بـ«القول لا بالتطبيق», ولكن استفسر عن كلمة قالها ماركس بان «الدين أفيون الشعوب» وقد آمن بها كل من انتمى الى الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث, الم يكن من وجهة شرعية ان هذا الاعتقاد هو دليل على «إلحادهم» ما هو رأيك في ذلك؟..
** إنَّ كارل ماركس, قرأ الدين المسيحي المنحرف من خلال أسطورة الخطيئة الموروثة التقليدية ، التي تقوم عليها ركام هائل من الطقوس والتشكيلات فوق ما يقوم فوقها من الأساطير والخرافات, خطيئة أعطاء صكوك الغفران للبسطاء من الناس في سبيل الخلاص الأبدي من العذاب الأخروي والتجرد ، عن الأطروحات الواقعية, وشجب العوالم الخارجية والابتعاد عن أي نمط من أنماط التقدم والحرية والعدالة كقانون واحد مطلق لجميع الشرائح الاجتماعية المختلفة, وان مقولة ماركس الشهيرة:)(الدين أفيون الشعوب)) حقيقة لامناص منها من وجهة نظره بوصفه لم يقرأ الدين المحمدي الأصيل الذي لا يرضى بالخنوع والذل والعبودية واستغلال الإنسان للإنسان ولا يدعو الى التخلف والضياع في متاهات الجهل والشعوذة . وانما قرأ استغلال السياسة للدين المسيحي كتبني الدولة الرومانية للمسيحية او استغلال الأحزاب الاشتراكية الاوربية باسم الدين أو النموذج الصوفي المنعزل عن العالم الخارجي اناني في نزعته الدينية ، لا يرى الا مصلحة تكاملية نفسه وحسب من الوجهة الدينية ، ولا يهتم بكمال غيره ، ولا بالتسيب والضياع والدمار وصراخ الجياع في هذا العالم .
إن الذين تأثروا بالتعاليم الماركسية ـ اللينينية, وآمنوا بها على الصعيد الشمولي الاطلاقي, كفروا بكل الأديان السماوية في معناها, ووسائلها ونظمها وطقوسها, وكل شكل من أشكال هوية الانتماء الديني, بوصفهم لم يعرفوا معالم الشريعة الإسلامية الخاتمة حصراً, من هنا أُستغلت هذه المقولة من قبل الثورة الرجعية المضادة بان الشيوعيين المسلمين بلا استثناء «ملاحدة».
من هنا .. أجبت عن سؤال وجه لي في وقتها, وقلت اذا كان الانتماء سياسياً مع البقاء على عقائدهم الدينية بحيث لم ولن يظهروا منهم جحودها، أو إنكار ضرورة من ضروريات أصول الدين كالتوحيد، والرسالة.. وفروعه كالصلاة، والزكاة وغيرها.. فهم مسلمون لا ملحدون.
س : ان الماركسية ــ اللينينية تؤكد في أدبياتها على عدم «الملكية الخاصة» ، ويجب محوها لكونها مرحلة خاصة من الرأسمالية ، بل هي مصدر الشر في العالم . المعروف أن الإسلام يؤمن بـ «الملكية الفردية» برأيكم هل يمكن أن نتفق مع التعاليم الماركسية ــ اللينينية في هذا الطرح الذي يمكن نقضي على تسلط الملكيات المطلقة والإقطاع ؟..
** يمكن أن نتفق فيما إذا أجمعت الأمة كلها على إلغاء الملكية الخاصة ، ويجوز ذلك ــ عندي ــ لان الملكية من منظور إسلامي من الأمور الاعتبارية ، وهذا هو احد العناصر الرئيسية التي تتفق فيها الماركسية مع «التخطيط الإلهي العام» ، لان الملكية الاحتكارية ليست قدراً أبديا على الجماعات البشرية ، بل هي لا محال صائرة الى الزوال والفناء مع ما تحمل من استغلال واستعمار ودمار وأحزان ومتاهات مرعبة.
س : حاول الليبرالييون والعلمانييون أن يلصقوا بالإسلام «تهمة» تعطيل مواهب المرأة في الساحة الاجتماعية والسياسية .. برأيكم هل يجوز للمرأة المسلمة أن ترشح نفسها في الانتخابات البرلمانية ، أو الإدلاء بصوتها كسائر الرجال ؟..
** نعم .. يسوغ ذلك ، لان المرأة المؤمنة تبقى إنسانة مثل الرجل مطالبة بعبادة الله تعالى ، وأداء فرائضه ، واجتناب محارمه ، والوقوف عند حدوده ، وكل خطابات الشارع الأقدس تشملها إلا ما خرج بالدليل الخاص على حرمته مثل ما يتعلق الأمر بالأحوال الشخصية كازواج والطلاق والإرث .
س : هل يجوز في ظل حكم دكتاتوري شمولي الذهاب الى صناديق الاقتراع ، أو الترشيح في عضوية البرلمان ، وليس لديه صلاحيات معقولة تجعله قادراً على أن يقدم العدل ، ويطارد الظلم في دائرة اختصاصه ومهامه ولو بصورة جزئية ؟
** في مفروض السؤال : أن يقاومه ويغير بما أمكنه من وسيلة بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك اضعف الإيمان ، بل لا يسوغ للإنسان المسلم الملتزم أن يرشح نفسه ، أو ينتخب بالإدلاء بصوته تحت مظلة حكم شمولي متسلط على رقاب الناس ، وإنما تجب المشاركة الفعالة في حكم ينهض على قواعد الشورى والتعددية السياسية بين الفرقاء من الأطياف والمكونات المختلفة شريطة على الأمة ان تعتبر الشريعة الإسلامية هي المرجعية الشرعية في اصدار القوانين والدساتير ، والله العالم .
س: عن مفهوم المقاومة فقد برزت خلال السنوات السبع الماضية أي بعد غزو العراق مظاهر مسلحة كثيرة : منها ما سمي بالإرهاب ، ومنها : ما لم يتفق على تسميته , هذا الخلط كيف يفسره لنا آية الله المرجع البغدادي ؟
** هناك بون شاسع بين مفهوم المقاومة ومفهوم الإرهاب ، المقاومة هي حركة تحرر وطني إسلامي ضد احتلال مباشر أو غير مباشر. وأما مفهوم الإرهاب هو الذي يستهدف التجمعات الشعبوية والمؤسسات الحيوية ، بيد أن كلمة المقاومة باتت ظلماً وعدواناً في العقل الأميركي الصهيوني إرهابا.
ان الحرب على الإرهاب الدولي التي تشنها أميركا الاستكبارية وحلفائها التي تسمى ( تحريراً ) وهي تعني حقيقة استعماراً إمبريالياً ، وهيمنة في امتلاك الموارد السياسية والطبيعية ، وهي التي تعد حاجة تاريخية ملحة لنظامها الكوني الجديد الى قيام الإمبراطورية الأميركية في سبيل تحقيق العوالمة الرأسمالية الربوية الفاشية المتوحشة . ذلك كله بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وهو حدث غير ميزان النظام العالمي على نحو مخيف فالاتحاد السوفيتي رغم كل أخطاء قياداته السياسية ونهب مستضعفي شعوبهم كان مصدرا للأمل والدعم لحركات التحرر في العالم ، من الهيمنة الامبريالية الأميركية بوصفه يشكل عنصر التوازن في النظام العالمي .
س : العراق اليوم ساحة للتدخلات الإقليمية مضافاً الى وجود الاحتلال الأميركي وتدخلاته المباشرة ، ان وصفنا الاحتلال على انه أمر واقع وان العمل على إنهائه غاية الجميع ، كيف تجدون هذه التدخلات وما هي الكيفية لمواجهتها ؟
** بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وهيمنة القطب الاحادي المنفرد في الساحة العالمية ، وتحقيق الحروب الاستباقية في زمن إدارة بوش «الأب» التي وجهت إعلاما تضليلياً لكل الدول الشمولية في تحقيق الحرية والديمقراطية والإصلاح في أوطانهم . من هنا ارتبكت الدول المستضعفة في عالمنا الثالث بهذه التصريحات الخادعة الماكرة ، وبعد كارثة 11 أيلول 2001 بدأت المؤامرة الأميركية باسم مكافحة الإرهاب وتحقيق الحرب الاستباقية ، وبالفعل حققوا ما يبتغونه باحتلال افغانستان والعراق . من هنا بدأت دول الجوار الإقليمي للعراق بمحاولة التدخل الاستخباراتي والاقتصادي والتجاري كي توازن وجودها الاستراتيجي مع الحجم الهائل للوجود العسكري الأميركي ، لذلك فان هذه التدخلات تضر بسيادة العراق ارضا وشعبا وهوية ، وتجعل العداوة والبغضاء بين ابناء الامة المرحومة .
* تقصد ايران مثلا ؟
** نعم ، الجمهورية الإسلامية في إيران تقترب من السياسة البراغماتية منها الى القناعات والثوابت ولكن لا تخجل القيادة السياسية من نفسها وهي اول من بارك بتأسيس مجلس الحكم الانتقالي بقيادة بول بريمر المندوب السامي للولايات المتحدة واعترفت بشرعيته وتعتبر هذا امرا مقبولا وطنيا ومقدمة لخروج المحتل الأميركي البريطاني الغاشم .
* إذن كيف تجدون الحل ؟
** هذا الأمر يحتاج حسب فهمي الى حوار عقلاني وموضوعي بعيد عن التشنج والانفعال والاتهام المتبادل من قبل العراقيين والإيرانيين على حد سواء ، علينا ان نعلم الإيرانيين بان تدخلهم المباشر في العراق يساعد في إطالة أمد الاحتلال وان تدخلها يجعل البعض من إخواننا من القوى المناهضة والمقاومة للاحتلال يصلون الى قناعات ان إيران هي الخطر الاول على العراق قبل امريكا ، وتكاد تكون رؤيتنا اخف منهم إذ نقول ان إيران بلد مجاور مسلم متاخم لحدودنا مع احتمال ان تكون عدوة لنا ولها أطماع في بلادنا ، وحتما ان تكون صديقة تحترم سيادتنا واستقلالنا ، اما الاميركان فهم الأعداء التقليدين التاريخيين ـ الذين يأتمرون بأوامر المؤسسة الصهيونية العسكرية الناقمة على العروبة والإسلام ـ الذين يحاولون بكل ما استطاعوا ان يمزقوا العراق والمنطقة خدمة لكيان (إسرائيل ) القائم على ارض فلسطين ، من هنا أؤكد على ان الحوار وحده الحل أمام التدخل الإيراني وكذلك لن ننسى ضمن هذا المحور ان هناك تدخلات لبعض الدول العربية المجاورة للعراق علينا ان نواجهها بالحوار القائم على قاعدة الاحترام المتبادل الذي يهدف الى بناء المصالح المشتركة بما يخدم التوجهات المستقبلية للعراق وللمنطقة برمتها .
س : وجه اليكم من قبل احد فصائل المقاومة العراقية سؤال وضع له مقدمة واقعية و ( تهكمية ) طويلة على خلفية ما يجري من محاولة تشويه المقاومة الإسلامية ( الشيعية ) في العراق من قبل بعض الأصوات المحسوبة أو الناطقة باسم بعض فصائل المقاومة ( السنية ) الأخرى مرورا بالإعلاميين والمحللين الاستراتيجيين أو بعض الأشخاص الذين ينتحلون أسماء مستعارة في برامج المحادثة الصوتية حيث يتم من خلال كل ذلك إقصاء المقاومة ( الشيعية ) الإسلامية أو محوها من خريطة العمل المقاوم في العراق محاولة لربط الجمهور الشيعي بمشروع الاحتلال وقد أجبت على السؤال بطريقة وحدوية إسلامية ، وقد نشر ضمن كراس خاص وزع أثناء وقائع انعقاد المؤتمر القومي العربي في بيروت 17 نيسان 2010 ، كيف تقرأوا هذا المنع ؟
** عندما وجه لي هذا السؤال من قبل بعض الإخوة ممن يهمهم تحرير العراق والحريصين على وحدة المقاومة وان لا تكون أداة للتفتيت والتقسيم من خلال حسابها على هذه الجهة أو تلك وحسب دون ان تكون الممثل الشرعي لكل مكونات المجتمع العراقي، وقد وزع السؤال مع الإجابة في كراس مستقل على أعضاء المؤتمر ، وعندما دخل الدكتور خير الدين حسيب وجد على طاولته نسخة منه اصدر ـ قبل انعقاد جلسات المؤتمر ـ أمراً للجنة التحضيرية بجمعه ومنعه من التداول وحينما اخبرت بذلك قلت في نفسي كان من المفروض منه ان يقرأ هذا الكراس قبل اصدار أوامره بمنعه من التداول لكان من المبادرين بتوزيعه بل وقراءته على أعضاء المؤتمر، إلا ان الكراس قد وزع بالكامل على هامش المؤتمر وكانت الإجابة محل جدل ونقاش، وفي كل الحالات يلزمني الاعتذار منه اذا تسببت بما يثير لواعج آلمه وهمومه العروبية ومشاغله الكثيرة التي لم تعط له فسحة لقراءة الكراس على اقل تقدير ، ورغم ذلك فأنني لا أتجاهل قدرة صديقي الدكتور حسيب الإدارية الكفوءة .
س : في نهاية حوارنا ، ما هي رؤيتكم المستقبلية ما بعد طرد الاحتلال من الوطن الاعز ؟
** اولا : اكشف لك سراً وهو ان الأمريكان لا يخرجون من العراق إطلاقا ، وإذا خرجوا بالقوة لم يتركوا قواعدهم العسكرية ومساندة التابعين لهم ينفذون سياساتهم وأجندتهم ولكن اذا تحققت أمنيات المقاومة الباسلة بنسف قواعدهم وطرد مستشاريهم وخبراهم وطرد التابعين لهم ، فان الحرب الكونية ستحدث لامحال ، لأن العراق عبر تاريخه الطويل هو مركز الكون والفيض البشري الثاني ، ولان الغزوة الأميركية للعراق لم تكن من اجل صراع سياسي أو اقتصادي وحسب ـ كما يتوهم المتوهمون التمفيهقون ـ انما حدثت الغزوة المتوحشة من اجل هدف ديني توراتي إنجيلي للوصول الى ارض الأجداد والآباء ارض الميعاد ، ولا ننسى حروب الفرنجة (الصليبية) عبر التاريخ شاهد على ذلك .
ثانيا : ان الأمريكيين يشعرون بالدونية إذ حينما اكتشفت القارة الأمريكية كانت الدول الاوربية في القرون الوسطى تمتلئ سجونهم بالمنبوذين واللصوص والملوثين فأبعدوهم الى تلك القارة حيث أبادوا السكان الأصليين (الهنود الحمر) عن بكرة أبيهم، وفي القرون المتأخرة أصبحت لهم حضارة ، بيد أنهم بحاجة ضرورية لإنهاء اول حضارة في التاريخ هو العراق باسم الشرعية الدولية احتلوا وادي الرافدين الأشم ونسفوا بناه التحتية والاجتماعية .
ثالثاً : وبعد حدوث حماقة الحرب الكونية ستنتهي اميركا الاستكبارية من عالم الوجود فلا رجعة الى الدنيا ، ولا توبة في ألاخرة ، وهذه هي الحقيقة الواقعة كمستقبل عاد وثمود وفرعون وهتلر ، وعندئذ تنتصر إرادة طموحات مستضعفي العالم ، ويتجلى الافق على مدى البصر اذ لاشي في هذا الكون الا الله الواحد القهار ، ولا قوة الا قوته ، ولا حول الا حوله ، ولا ملجأ الا اليه تعالى .
بسم الله الرحمن الرحيم ((وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوعَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)) القصص 58 / 59