د. خالد أبو عصبة
د. خالد أبو عصبة
ميسون أسدي
شبابنا في متاهة ونواقيس الخطر تدق!!
***ازدياد في استخدام المخدرات، المشروبات الكحولية والعنف***عدم وجود فعاليات لا منهجية في المدن والقرى العربية***لا يوجد رعاية للشباب من قبل السلطات المركزية المتمثلة بوزارة المعارف والثقافة أو الرفاه الاجتماعي أو السلطات المحلية***مجتمعنا يهيئ فقط 10% من الشباب للدخول إلى الجامعات***يجب تعميق التربية للقيم من خلال المدارس والأسرة***الأب يتحدث مع ابنه بمعدل (7) دقائق في الأسبوع***56% من البنات لا يتحدثن مع أمهاتهن***لا نريد لمجتمعنا أطباء ومهندسين بلا أخلاق وقيم***
تقرير: ميسون أسدي- "تفانين"
*عقد مشروع "كونرد ادناور" للتعاون اليهودي- العربي في مركز موشيه ديان- جامعة تل أبيب مؤتمراً، تحت عنوان: "الشبيبة العربية في البلاد- بين الآمال والمخاطر"، وقد تبين من خلال الدراسات التي قدمت في المؤتمر من قبل باحثين في مجال الشباب، نتائج مقلقة حول شبيبتنا العربية.. وكان من بين المشاركين، د. خالد أبو عصبة- مدير معهد مسار للأبحاث الاجتماعية، وأجرينا معه هذا الحوار، الذي بين لنا فيه الواقع المرير الذي يعيشه مجتمعنا وأثره على تربية شبيبتنا..
**واقع مأساوي!!
يقول د. أبو عصبة: واقع الشبيبة العربية هو واقع مأساوي في ظل الواقع الاجتماعي الثقافي والاقتصادي والسياسي الذي يمر به المجتمع العربي، مأساوي بسب عدم وجود اطر راعية لتنشئة الأجيال من الشبيبة، فطبيعتهم ديناميكية وفعالة ونشيطة ومبادرة، فإذا لن تجد الأطر الاجتماعية الثقافية، الرياضية والسياسية لاستيعاب هذه الطاقات، الكامنة، سوف تنعكس سلبيا على الشباب أنفسهم وعلى المجتمع برمته، مثلا عدم وجود فعاليات لا منهجية شبه مطلقة في المدن والقرى العربية، ومن الإحصائيات المعروفة لدينا فقط (5%) من الشبان يمارسون فعاليات لا منهجية في ساعات ما بعد الدراسة المنهجية، وغالباً ما تكون هذه النشاطات رياضة وليس في المجال التثقيفي الاجتماعي والسياسي. إذا هناك نقص كبير جدا بالأطر الشبابية الراعية والمثقفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حركات الشبيبة حتى ولو كانت سياسية غير موجودة وان وجدت فهي غير فعالة. ففي ظل واقع من هذا النوع وظل الواقع الاقتصادي للأهل، لا يوجد عندهم الوقت الكافي لرعاية الشباب، فليس بالغريب أن تكون هناك سلوكيات خطيرة لدى جزء كبير أو نسبة كبيرة من الشباب، الدراسات الأخيرة تشير إلى ازدياد في استخدام المخدرات على أشكالها، وازدياد في تناول المشروبات الكحولية، وارتفاع في السلوكيات العنيفة على أشكاله المختلفة. المسؤولية تقع في الدرجة الأولى السلطات المركزية المتمثلة بوزارة المعارف والثقافة أو الرفاه الاجتماعي وكذلك على السلطات المحلية العربية في وضع شؤون الشبيبة في سلم الأولويات في العمل التربوي..
**ما نحتاجه هو أطر داعمة وراعية للشبيبة
ويضيف: إن طريق استغلال أوقات الفراغ وبالذات للفتيان، يجب أن تكون موجهة من الأهل والمدرسة والمؤسسات الخدماتية في القرية والمدينة، لإفراغ الطاقات الشبابية بها وليكون مردودها ايجابي.. إن سلوكيات الشبيبة في السنوات الأخيرة بسبب العلاقة المتوترة مع الجيران في المدن اليهودية تدور في نطاق المدن والقرى العربية، وفي حالة عدم وجود اطر راعية لهم، إذا لماذا نستغرب الارتفاع في السلوكيات الخطيرة؟.
ما نحتاجه هو أطر داعمة، واهتمام في هذه الفئة الجيلية. ما نحتاجه هو تعميق التربية للقيم من خلال المدارس والتعاون ما بين الأسرة والمدرسة، كل ذلك بغرض حفظ هذه الفئة الجيلية بقدر الإمكان من الانزلاق إلى متاهات أو إلى سلوكيات لا تحمد عقباها من مخالفات سير، حوادث الطرق، الاعتداءات الجنسية، المخدرات، الكحول، العنف. كما أن الزواج المبكر (خاصة لدى الفتيات) في غالبيه حسب اعتقادي هو نوع من الفراغ. إن فترة الشباب خلال المرحلة الثانوية (جيل المراهقة لدى الجنسين) وما بعد المرحلة الثانوية وحتى منتصف سنوات الـ 20 هي فترة صعبة جدا للشباب خاصة في ظل عدم توفر الأطر لإشغالهم وتلبية حاجاتهم الشبابية.
نحن نهيئ الشباب للدخول إلى الجامعات ونسبتهم (10%) و (10%) في الدراسة في الكليات، و 30% يخرجون إلى العمل (مع أو بدون تهيئة مهنية) فماذا مع الـ (50%) المتبقون؟ والسؤال الأكبر ماذا مع الفتيات؟
يمكن أن نلخص الأمر ونقول: في واقع عدم وجود اطر راعية للشباب، وفي واقع تدني التحصيل لتكملة الدراسة العليا، وفي واقع النقص الحاد في التأهيل المهني للدخول إلى سوق العمل، إذا السلوكيات الخطيرة في ارتفاع ونتيجة الزواج المبكر كمخرج لازمة الشباب يؤدي إلى ما نحن علية من حالات طلاق تصل اليوم الى (25%) من الزواج.
**أين السلطات المحلية من شبابنا؟
-شبابنا في متاهة، يجب أن تكون هناك اطر معاصرة وتكنولوجية لتشغيلهم وتوعيتهم وتثقيفهم، وعدم وجود مثل هذه الأطر، تكشفهم للأمور السلبية، والتي يجب أن تدق نواقيس الخطر عند المسؤولين والبدء بإعداد برامج معدة خصيصا لهم تأهلهم وتثقفهم بمرافقة اطر تربوية للتنشئة الاجتماعية بشكل سليم، ورصد الموارد اللازمة لهذه الأطر، وهذه من مهام السلطة المركزية والسلطة المحلية.
**وماذا عن الثقافة المدرسية؟
-المؤسسات التربوية لها دور في إكساب الطلبة المعرفة من اجل تحقيق الذات وإيجاد العمل مستقبلا، كما ولها دور مركزي ومهم في تثقيف الأجيال. يجب العمل داخل المدرسة، على بناء ثقافة وذلك بالتوافق والتنسيق مع البيت. يجب خلق ثقافة معتمدة على القيم الراسخة من حضارتنا وثقافتنا العربية، وهي ثقافة مختلفة كل الاختلاف عن ثقافة التلفاز. وفي النهاية على المدرسة بمركباتها المختلفة العمل على تحرير الشباب من الضغوطات المفروضة عليهم والتعامل معهم بالحسنى والتفهم.
**حدثنا عن العنف في أوساط الشبيبة؟
-العنف هو كل سلوك يرافقه استخدام قوة وإلحاق الأذى بالآخر ويسبب ضررا نفسيا أو جسديا للمعتدى عليه، وفي السياق النفسي هو سلوك مشبوه بالقوة والإكراه وبعيد عن الحضارة وتستثمر به الطاقات العدوانية بالضرب والتكسير والتنكيل وتدمير الممتلكات وقهر الخصم.
كما أن العنف هو التهديد باستخدام العنف، إن اهدد العامل بالفصل، تهديد الزوجة بالضرب أو الطلاق، تهديد الطالب. إن التلويح باستخدام العنف هو العنف بحد ذاته. كما أن هنالك العنف النفسي والمعنوي، كما أن هنالك العنف الفكري وهو عنف يمارس من فئة تتبنى فكراًَ عقائدياً وسياسياً على فئة أخرى.
**البحث عن الأمان!
ويعلق د. أبو عصبة: الإنسان يبحث عن الأمان بحياته الطبيعية وعندما لا يشعر به لا يمكن أن يرتقي إلى درجة الإبداع، يعاني الفلسطينيون من عدم الشعور بالإيمان، خاصة لدى الأطفال وعدم قدرة الأهل على حمايتهم وهنا وتبدأ ردة فعل الأبناء على شكل تمرد اتجاه الأهل مستقبلاً ورد فعل سلبي. الأمان هو حاجة الطالب في المدرسة، المواطن في الشارع، العامل في المصنع، والموظف في المكتب وأفراد الأسرة في حياتهم الأسرية.
**(44.3%) من الطلاب العرب صرحوا بأنهم يمارسوا أعمال عنيفة!!
وعن الحقائق المريبة عن العنف، يقول د. أبو عصبة: منذ عام 1998 وأنا شريك في طاقم دولي لدراسة السلوكيات الصحية (بحث HBSC ) لدى أبناء الشبيبة وهذا البحث يشمل (36) دولة في العالم، شخصياً ومن خلال معهد "مسار" وجامعة "بار إيلان" أقوم بتركز هذا البحث الدولي في كل ما يتعلق بأبناء الشبيبة العربية. بحيث نقوم كل أربع سنوات بمسح شامل لما يقارب 4000 شاب وشابة من الصفوف السادسة وحتى العاشرة في جميع المناطق الجغرافية في البلاد. الإجابات التي حصلنا عليها من خلال الدراسة التي قمنا بها سنة 2006 بما يخص العنف كانت: بان 44.3% من الطلاب صرحوا بأنهم يمارسوا أعمال عنيفة على الأقل خلال السنة الدراسية (3) مرات على الأقل، كما أن 24% من الطلبة اعترفوا أنهم ضايقوا طلاب آخرون في المدرسة- 32.5% شاركوا في عراك بحيث احتاج والمصاب إلى علاج طبي- خلال الـ 30 يوم الأخير، كم مرة حملت معك سلاح (سكين، عصا، موس قبضة حديدية) للدفاع عن النفس؟ وكان الجواب: البنون 42%، والبنات 7.4%،..
**ماذا نريد من أبناءنا، أين لغة الحوار؟
-نحن كباحثين، لا نكتفي بمعاينة التكرارية حول السلوكيات إنما نقوم بتحليل هذه المعطيات وفق متغيرات عديدة، مثل: مستوى التحصيل العلمي للطلبة والوضع الاجتماعي الاقتصادي للأهل والمستوى العلمي والثقافي لدى الأهل. على سبيل المثال، المعطيات تشير إلى واقع الاغتراب ما بين الأهل والأبناء،. فالدراسات تشير إلى أن الأب يتحدث مع ابنه بالأسبوع في معدل (7) دقائق، أي دقيقة في اليوم، وهناك آباء لا يتكلمون مع أولادهم بتاتا، ربما نجدهم يجلسون معا في البيت أمام المرناة أو الحاسوب ولكن لا حديث يدور بينهم. كما وهنالك معطيات تشير إلى الاغتراب القائم ما بين الفتيات وما بين الأمهات. فعندما نطرح السؤال الموجه للفتيات: بأي درجة تستطيعين أن تحدثي والدتك عن أمور شخصية متعلقة بك؟ وكانت الإجابة بان 56% من الفتيات صرحن على الصعوبة في طرح مواضيع شخصية مع الأمهات. وهنا نطرح السؤال: إذا كانت صعوبة في التحدث مع الأمهات، إذا من أين سوف يحصلن الفتيات على إجابات لأمورهن الشخصية؟ هل من الانترنيت؟ من المجلات؟ من الصديقات؟
ما هو مطلوب منا هو لغة الحوار مع أبناءنا، نحن بحاجة إلى الإصغاء إلى أبناءنا، الأمر ليس سهل، ولكن الأمر يستحق أن تتعب وتتدرب من اجل ولدك، اشعروا مع أولادكم وأصغوا لهم. نحن نعلم جيداً أن هذا الجيل يتميز بطبيعته بالتمرد، ويجب إتاحة الفرصة لمثل هذا النوع من التمرد وذلك بغرض التنشئة الاجتماعية السليمة في الانضباط للقيم وفق رسم الحدود.
للعنف ثقافة وللحوار ثقافة، يجب أن يدرك الأهل حاجيات أبناءهم، وليس مراقبتهم بغرض المراقبة، بل فتح النقاش معهم، والإصغاء لهم ولمشاكلهم.
**يجب فتح مراكز للشبيبة
وعن الحلول لبعض المشاكل الشبابية، يقول د. أبو عصبة: يجب على كل بلدية ومجلس محلي العمل على فتح مراكز للشبيبة ومراكز جماهيرية، لماذا لا توجد عندنا هذه الأطر وإذا وجدت فهي لا تعمل بالشكل المطلوب. الجمعيات تقوم بعمل مبارك، ولكنها لا تستطيع تغطية هذا الموضوع، هذه مسؤولية السلطة المركزية والسلطة المحلية بالدرجة الأولى، أما بما يتعلق بالمجتمع المدني فانه يقوم بدوره وفق موارده الشحيحة، لذا فهو لا تستطيع استيعاب كل هذه الطاقات الشبابية.
**ما هي البوصلة القيمية التي توجهنا؟
-يجب أن تكون عملية تخطيط استراتيجي لواقع كل بلد في مجال التنشئة الاجتماعية والتربية اللامنهجية في البلاد وهذا لا يقل أهمية عن التربية المنهجية، لا نريد لمجتمعنا أطباء ومهندسين بدون مهارات مجتمعية ومشاركة جماهيرية وبدون قيم ذات حس وطني ومجتمعي.
المجتمع العربي في إسرائيل وضعه صعب جدا، (60%) من الأطفال تحت خط الفقر، مجتمع يمر في مراحل تغيير اجتماعي ثقافي، مجتمع يتخبط في المسار الثقافي المستقبلي. كل هذا قد يؤدنا بنا إلى فقدان البوصلة القيمية التي توجهنا؟ قد لا نتفق من حيث التيارات الفكرية والسياسية على مجموعة قيمية موحدة، ولكن لا بد من إيجاد الحد الأدنى والقاسم المشترك ما بين جميع هذه التيارات الفكرية والسياسية.