حوار مع المفكر الدكتور جابر قميحة
حوار مع المفكر والناقد الأدبي الكبير
الدكتور جابر قميحة
أجرى الحوار: عبد الرحمن هاشم (صحفي بالقاهرة) |
أ.د/ جابر قميحة |
الالتزام في السينما يثري الجانب الفني الإبداعي ويحميه من السقوط والابتذال :
حذر المفكر والناقد الأدبي الكبير الدكتور جابر قميحة من ثأثير النموذج السينمائي الغربي على السينما العربية والذي تجلت مظاهره في العديد من الأفلام "المتمردة على القيم" ، على حد وصفه، الأمر الذي تسبب فى نقل أسوأ ما فى المجتمعات الغربية إلى المجتمع المصرى مثل ما يسمى صديق الفتاة ، وصديق الأسرة ، وتبادل الزوجات ، وزواج المثليين ، وعبدة الشيطان وغيرها من السلوكيات الغريبة على مجتمعاتنا العربية .
وطالب قميحة خلال حوارنا معه بإحياء الفن " الرسالي الملتزم " ، البريء من الإسفااف والسقوط والابتذال .
كما تناولنا معه صورة "السينما الملتزمة" التي يدعو إليها وموقع المرأة فيها ودعاوى عدم نجاحها وسقوطها جماهيريا ، فإلى نص الحوار ..
بداية إذا رجعنا معك إلى الوراء كيف تجد السينما في الماضي وفي الحاضر ؟
جـ ــ معروف أن السينما في الوطن العربي فن مستجد ، وربما كان للشوام فضل السبق والتوجيه لهذا الفن إنتاجا وتقديما .
ثم تقدم هذا الفن بصورة مطردة من البسيط إلى المعقد ، ومن الأفلام العاطفية إلى الأفلام الاجتماعية ، ثم الأفلام السياسية أو التي تحمل إسقاطات سياسية تختلف درجاتها في النقد وفي الحدة .
وأصبح للأفلام السياسية حتى الآن الحظ الأوفى من الفن السينمائي في عصرنا الذي كثرت فيه المشكلات السياسية محليا وعالميا .
وهناك نوع من الأفلام اعتمد على المعطيات الأدبية التي يقدمها كبار الأدباء كفيلم " السمان والخريف " وفيلم " الكرنك " اعتمادا على روايات لنجيب محفوظ ، وهى تعتبر أفلاما قيمية تفضح الحكم الديكتاتوري الظالم .
ومن الأفلام التي اعتمدت على معطيات الأدب لكنها اتجهت لتصوير البيئة الشعبية فيلم " الحرافيش " وفيلم " فتوات الحسينية " .
وكان للاستعمار الإنجليزي في مصر، والفرنسي في بلاد الشام، واليهودي في فلسطين ،انعكاسات على الإنتاج السينمائي : فرأينا في الأربعينيات فيلم " فتاة من فلسطين " وهو فيلم واكب نكبة نشوء إسرائيل وهجرة اللاجئين والجرائم التي ارتكبتها عصابات اليهود في فلسطين مثل مذابح دير ياسين ودير سنيد وغيرها .
ومن الناحية العلمية التقنية ظهرت الأفلام الملونة بعد أن كانت كلها أفلام الأبيض والأسود ، واستخدم ما يسمى بالحيل السينمائية والمؤثرات الصوتية والتوجيه بالكاميرات الحديثة .
وحاليا اتسعت دائرة الأفلام السينمائية وتنوعت وخرجت من المحلية إلى العالمية، وذلك بنشوء القنوات الفضائية التلفازية ، وهذا أثر إلى حد كبير على مكاسب الأفلام والعاملين في فن وصناعة السينما ؛ فأصبح الممثل يتقاضى في الفيلم الواحد عدة ملايين ، بعد أن كان البطل في نشأة السينما يتقاضى ما لا يزيد على مائة جنيه . كذلك انتشرت مساحات عرض الأفلام عبر القنوات الفضائية حتى دخلت السينما كل بيت وكل حارة .
وهناك أفلام دخلت التاريخ ؛ لأنها قدمت " مخدومة " بإمكانات فنية عالية مضمونا وشكلا ، مثل الفيلم الأمريكي " ذهب مع الريح " وفيلم " عمر المختار " .
**********
ما مدى تأثير النموذج السينمائي الغربي في السينما العربية ؟ وما مخاطره ؟
جــ ــ لا شك أن السينما العربية متأثرة إلى حد كبير بالسينما الغربية والأمريكية منها بصفة خاصة ، وخطورة النموذج الغربي في هذا المجال وغيره يتلخص فيما يأتي :
أولا : التركيز على كثير من القيم اللاأخلاقية مثل العلاقات العاطفية الآثمة والشذوذ الجنسي.
ثانيا : هز ثقة المواطن العربي بتراثه الديني ، ومعطيات تاريخه المجيد ، وذلك باسم الواقعية والتحضر والتمدن .
ثالثا : إهدار كثير من الوقت بلا حساب ، وفي ذلك ضياع للواجبات ، وتكريس للتخلف ، والتراخي عن متطلبات الحياة ، والسعي على الرزق .
رابعا : دفع المشاهدين وخصوصا الشباب إلى الانخداع بالقيم المادية الغربية والسلوك الغربي ، وازدراء النموذج الإسلامي العربي الذي لم يجد من يحسن عرضه بصورة جذابة .
خامسا : إيمان المنتجين وصناع السينما العربية أن من أسرار نجاح الأعمال السينمائية الإثارة الجنسية ومشاهد العنف وخطط العصابات .
سادسا : المساعدة على التفكك الأسري ، وانعدام الولاء وعلائق المودة والحب بين أفراد الأسرة الواحدة تقليدا للتربية الغربية التي تعتمد على مبدأ " انفصالية الأبناء " باسم الحرية .
**********
ذكرت أن معظم المنتجين السينمائيين والمخرجين كذلك يخشون إخفاق أعمالهم الفنية في حالة ابتعادهم عن الإثارة الجنسية .. !
جــ ــ نعم ؛ فدعوى أن الأفلام والأعمال الدرامية يكتب لها الإخفاق إذا حرمت من المشاهد الساخنة مقولة غالطة وادعاء يحطمه الواقع الحاضر في دولة غير مسلمة هي الهند ، فنجد الأفلام الهندية ناجحة على مستوى العالم كله ، ولا يوجد بها منظر خليع واحد ، كما أن القبلة محرمة هناك قانونيا ، ويستعينون على الترويج الفني بحسن الصنعة والعرض والأغاني الاستعراضية الجذابة . وفي مصر ــ بصفة خاصة ــ كانت السينما " المتمردة على القيم " والمتأثرة بالثقافة الغربية ذات أثر سيء على سلوكيات الشباب والرجال كذلك ، فظهر في المجتمع المصري ما يسمى صديق الفتاة وصديق الأسرة ، وتبادل الزوجات، وزواج المثليين ، وعبدة الشيطان وغيرها من الجرائم الغريبة على مجتمعاتنا .
**********
وماذا تقول فيمن يدعي أن الالتزام في السينما يجني علي الجانب الفني الجمالي للإبداع بفكره الوعظي المباشر ؟
جــ ــ الحياة لا تستقر ولا تنهض في كل مظاهرها إلا إذا كانت محكومة بقوانين وضوابط ، وبدونها لا يكون إلا الإخفاق والسقوط . وهي قاعدة ممتدة شاملة في نطاق الفرد والجماعة، والتعامل، والسياسة، والاجتماع ، والحرب، والسلم، والفنون، والعلوم، ومن البدهي كذلك أن الفن يمثل نبض الفنان ، ونبض المجتمع والأمة التي التي يعيش فيها.
وشعورالفنان المبدع بأنه ذو رسالة إنسانية يرفع من قيمة فنه من ناحية، ويرفع من «قيمته الذاتية» من ناحية أخري، فهو في هذه الحال مبدع سويّ، يعبر عن قيم الحق والحرية والجمال والإنسان، بريئاً من الإسفاف والسقوط والابتذال.
وهذا يعني أن الفنان يأخذ نفسه «بالتزام ذاتي» استجابة لفطرة سوية، حتي ليصبح هذا الالتزام جزءًا لا يتجزأ من عملية الإلهام الفني ، وهو ليس التزاماً «أيديولوجيا» كالالتزام الشيوعي أو الوجودي. ولكنه كما أشرت التزام نابع من ذات فنان سوي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالقيم الإنسانية بمفهومها الواسع الجليل.
والفنان وهو ينطلق في إبداعه من الشعور القوي بهذه الالتزامية، أو هذه الرسالية، وحرصا منه علي إيصال إبداعه إلي المتلقي يحرص علي أن يستوفي عمله الإبداعي كل العناصر الموضوعية والفنية الجمالية تصويراً وتعبيراً. والقاعدة هنا يبرزها قول رسول الله صلي الله عليه وسلم «إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة»: فالسحر يعني التأثير الجمالي العاطفي، والحكمة تعني المضمون الجليل الرفيع.
فمن السذاجة إذن القول بأن الفنان المبدع «الرسالي الملتزم» يجني بهذا الالتزام علي الجانب الفني الجمالي للإبداع بفكره الوعظي الجاف .
**********
هل من سبيل لإيجاد سينما ملتزمة ووسط فني ملتزم ؟
جــ ــ السؤال يعد تفريعا على أصل ، فلا يمكن أن يتحقق ما تريد إلا " بنظافة الجذور والأصول " ، بمعنى أن يأخذ النظام الحاكم نفسه بالقيم الإسلامية عدلا وسلوكا وحرصا على مصلحة الناس ، مع نشر التوعية الدينية الحقيقية، مستعينا بوسائل التقنية الحديثة .
هنا يظهر الفنان الملتزم والوسط الفني الملتزم "إنتاجا وإخراجا وتصويرا وتمثيلا" ، ومن ثم تنشأ السينما النظيفة والفن النظيف ، وتجد في المقابل الجمهور النظيف الذي يقدر فنها ويدعمه .
**********
وأين موقع المرأة في الفن الملتزم ؟
جــ ــ تجربة أفلام مثل " عمر المختار " و " الناصر صلاح الدين " و"الرسالة " وغيرها ، من الأفلام الناجحة التي حققت نسبة مشاهدة عالية ، ظهرت فيها المرأة بصورة عفيفة محتشمة، وهذا يتيح تكرار مزيد من الأعمال المثيلة والمشابهة.
**********
وأخيرا أوجه شكري للمفكر العالم والشاعر الكبير والناقد الحصيف الأستاذ الدكتور جابر قميحة على ما قدمه لنا من كلمات طيبة . آملين أن نلتقي في محاورات قادمة إن شاء الله .