مع القاص والناقد المغربي عماد الورداني
القاص والناقد المغربي عماد الورداني:
الناشر المشرقي لا يثق في إبداعنا!
منى وفيق
يعد القاصّ والباحث عماد الورداني أحد الأصوات الإبداعية المغربية التي أكدت حضورها في المشهد الأدبي العربي من خلال منجزه المتنوع بين النقد الروائي والكتابة القصصية. ويستعد الآن لإطلاق مجموعته القصصية الأولى بعدما نشر نصوصا قصصية وكتابات نقدية كثيرة في أهم المطبوعات العربية.
يشتغل عماد الورداني على مشروعه النقدي والإبداعي في صمت دونما ضجيج. حين تحاوره تحس أنه يضع روح أهل شمال المغرب المشهورين بخفة الظل والنكتة جانبا قبل أن يبدأ في الرد على الأسئلة وكأنه أمام نص متسائل يحتاج فأسا نقديّة حادة.
عماد الورداني، تكتب القصة والنقد. هل أنت قاص جيد وناقد أقل جودة أم أنك ناقد جيد وقاص أقل جودة؟
الزمن الذي أعيشه هو الإبداع، بغض النظر عن سؤال القيمة، فالقصة والنقد صديقان حميمان، يتجادلان، ويتبادلان المواقف والمواقع، لكنهما أبدا لا يفترقان، لكل منهما نكهته وبريقه، التوفيق بينهما عملية صعبة ولا تستقيم في غالب الأحيان، ولكن هما معا يدخلان في نسق شمولي هو الكتابة، فالنقد استمرار للإبداع والإبداع هو شكل من أشكال النقد، وحينما نعيش سؤال الكتابة نقصي مبدئيا الأحكام لنعيش السؤال من داخل كينونته وتحولاته، أنا كاتب يتعلم من الحياة، وسأظل كذلك تلميذا مشاغبا غير عابئ بالعلامات.
تعرف القصة انتشارا مهما وهناك نزوح للأدباء الشباب نحو هذا الجنس الأدبي. هل هو انتشار زائف ونزوح لحظي؟ أم أننا نتحدث عن تجربة جديدة ومهمة ورائدة في العالم العربي؟
لا يمكن الحكم على انتشار القصة المغربية سوى بدراسات علمية ملموسة تنبني في البداية على استجماع المادة ودراستها وفق رؤية واضحة، ومن ثمة يمكننا الخلوص إلى نتائج ملموسة تمكننا من الحكم على هذا النزوح كما سميته، غير أنني أرى أنه بنفس الشكل الذي ينزح الإبداع نحو القصة ينزح نحو أشكال تعبيرية أخرى كالشعر والتشكيل والمسرح، ولكل مكون من هذه المكونات دوره في إحداث حوار جمالي بين الأجناس الأدبية. وهو الحوار الذي يمكنه أن ينتج أدبا جيدا، إن كل تجربة تحتاج إلى وقت لكي تختمر وتعيش السؤال من الداخل، والقصة الجديدة تحتاج إلى هذا التأمل العميق لتفرز لنا في خاتمة المطاف ما يمكن تسميته حصيلة لمرحلة ممتدة، تكون بمثابة الأساس الذي تنطلق منه أية تجربة مقبلة، وهنا تأتي وظيفة النقد الذي ينبغي أن يواكب تطور القصة دون التحجج بغياب الأدوات.
في انتظار أن يصير قاص وزيرا للثقافة المغربية، كيف استقبلت ككاتب مغربي شابّ ٍ تولي الروائي والمفكر بنسالم حميش لوزارة الثقافة خلفا للوزيرة السابقة ثريا جبران؟
إن مسألة وجود مثقف ومبدع من طراز بنسالم حميش هي مسألة إيجابية، ولكن الإشكال أعمق من الشخص، وذلك لأن وزارة الثقافة في المغرب لا تمتلك الآليات الكافية لكي تقوم بمهامها على أحسن وجه، وربما هي الوزارة التي
يزهد فيها السياسي والتقني لأن ليس لها تأثير في الشأن العام، وإنما
تأثيرها يشمل فئة محدودة: تلك الفئة المسكونة بحرقة الأدب. وفي غياب
ميزانيات قارة تعنى بتشجيع الحراك الأدبي، وتنبني على ترسيخ قيم الثقافة
والحوار والتحديث وتغليبها داخل المجتمع، عوض ثقافات المهرجانات
الموسمية.لا يمكن أن نطالب وزارة ليس لها ثقل سياسي القيام بأعمال تتجاوز
إمكاناتها المادية والبشرية لهذا على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه
ذلك، وفي انتظار أن يعاد النظر في مفهوم الثقافة وأشكال دعمها، نتمنى
للوزير الجديد أن يحقق ولو جزءا صغيرا مما كان يعبر عنه حينما كان خارج
سلك الوزارة.
تنشط أدبيا وثقافيا بشكل ملحوظ في إطار محلي سواء جهة الشمال أو جنوبه.
هل هي اتحادات كتاب صغيرة تؤسس لها مع زملائك الكتاب. وماذا تقول عمّا
يعيشه اتحاد كتاب المغرب حاليا من صراعات وأزمات؟
إن الأدب بمثابة حديقة فسيحة، تضم فسيفساء من الزهور متباينة الرائحة،
ومن ثمة تبحث كل رائحة عن روائح أخرى لتختلط معها وتشكل عطرا موحدا، لهذا
يبقى المشترك الذي يمكنه أن يوحد هذه الصداقات هو الوفاء للأدب بكل ما
يحمله من إشكالات معرفية وتاريخية وجمالية، بغض النظر عن طبيعة الإطار
الذي يوحد هذه الصداقات، فعندما يكون الرابط قويا بين هذه الجماعات بغض
النظر عن اتفاقها واختلافها تبدو مسألة تأسيس إطارات غير مهمة، والكاتب
يبحث دائما عما يمكنه أن يعمق وجوده وتجربته، لهذا يلجأ إلى من يمكنهم أن
يفتحوا معه نقاشا حول عوالم الأدب.
إن البحث المستمر هو الذي دفع بالكثيرين إلى تأسيس إطارات ثقافية تشتغل
في ظروف جد صعبة، والإخلاص للأدب يجعل هذه الإطارات الفتية وغير المدعمة
تسعى نحو الاحتفاء بأشكال جمالية مختلفة، ونحن نرى ونسمع كيف أن إطارات
تعيش في الهامش، لكنها بأنشطتها المنتظمة تحرج المؤسسات ' التاريخية'
التي انتهت من الأدب بمفهومه الجمالي وأخذت تخوض فيه كإشكال أخلاقي ضيق.
أما بالنسبة لأزمة اتحاد كتاب المغرب، فلا يمكن فهمها بمعزل عن سياقها
العام، وأقصد السياق المغربي والسياق العربي والسياق العالمي، وعلاقتها
بوظيفة المثقف داخل المجتمع، ففي خضم التحولات التي عاشتها الأجيال
السابقة، وتحول نمط العيش، وتدخل السياسة في بناء فعل ثقافي موجه، وفي ظل
العزوف عن القراءة، وتحجيم موقع الكاتب.. وأسباب أخرى، يمكن فهم هذه
الأزمة التي أعاقت مسيرة مؤسسة ثقافية ارتبطت بالتنوير والتحديث، وتحولها
وأزمتها هو نتاج للتحولات التي مر منها المثقف ولا يزال يعيشها، تابعت
بكثير من الأمل ما كتب وصرح به بخصوص الأزمة، وأغلب ما قيل إما يدافع أو
يهاجم، وكأن الثقافة أصبحت حلبة مصارعة تصفى فيها الحسابات، قليلة هي
الأصوات التي طرحت ورقة تراجع فيها دور المثقف والتي بإمكانها أن ترمم ما
انكسر من زجاج البيت.
لك اسم مشرقي والكثيرون يخالونك مصريا هذا أمر طريف يحيلنا إلى سؤال مهم.
لماذا يدعون في المشرق والخليج النقاد المغاربة إلى ملتقيات القصة
ومؤتمراتها أكثر مما يدعون القصاصين المغاربيين رغم أن التجربة القصصية
في المغرب العربي جديرة بالالتفاف حولها بحكم جدتها واختلافها؟
أنا لست خبيرا بثقافة المهرجانات، ربما يعود السبب إلى ربط المغرب العربي
بالنقد، وربط المشرق العربي بالإبداع، المهم أن خريطة الإبداع والنقد هي
غير معلومة وتأبى على التحديد. وربما هناك أسباب أخرى لا أعرفها.
ماذا عن صراعات المبدعين الشباب في المغرب؟ هل تستطيع أن تحدد أسبابها
الحقيقية، علما بأن ربيع الأدب يوفر نزهة للجميع دون استثناء؟
الصراع طبيعي، لكنه عندما يتجاوز الإبداع إلى ما هو شخصي يفرغ من معناه،
ولا يمكن اعتبار الصراع سمة مميزة للشباب، هناك شريحة كبيرة تبني خطابها
على الحوار والاختلاف، أما الأسباب الحقة للصراع فتحتاج إلى متخصص
اجتماعي، لأن الكاتب في النهاية هو نتاج اجتماعي نفسي تاريخي معقد، ومن
ثمة لا يمكن فصله عن المحيط الذي أنتجه، وهو محيط يعاني من تصدعات كثيرة
شأنه في ذلك شأن المجتمعات الشرقية ككل.
لماذا تتأخر مجموعتك القصصية كل هذا بالرغم من أنك نشرت وتنشر في أرقى
وأهم الجرائد والمجلات العربية؟
النشر يعيش إكراهات كثيرة منها ما هو مادي، فدار النشر في المحصلة هي
مقاولة تراهن على الربح، لهذا لا يمكنها أن تغامر برأسمالها في عملية قد
تبدو خاسرة بالنسبة إليها، وهذا يحيلنا مباشرة إلى إشكال القراءة داخل
المجتمعات العربية، وهو السبب الذي يجعل دور النشر تراهن على الأسماء
اللامعة، أو على موضوعات معينة ظرفية قد تثير جدلا في الشارع العربي
كموضوعات الجنس والدين والسياسة، ومن الإكراهات الأخرى عامل التوزيع، ففي
ظل رؤية ثقافية عربية تحد من انتشار الكتاب، نظرا للحواجز التي يواجهها
الناشر بدءا من وسائل النقل انتهاء بالضرائب المرتفعة مما يجعل تكلفة
الكتاب عالية، لهذا يلجأ الناشر إلى المحيط القريب منه لتوزيع الكتاب مما
يجعل نسبة انتشاره ضعيفة.
كما لا ننسى عامل الدعم، فوزارات الثقافة في العالم العربي لا تدعم
الكتاب دعما كافيا. لهذا فإن الناشر العربي قبل أن ينشر العمل يضع أمامك
جملة من الشروط هي بمثابة انعكاس لهذه الإكراهات، وشخصيا كما قلت لك أنا
مازلت أتعلم، ولا أتوانى عن إعادة النظر في مجموعتي ومشاريعي ككل، ربما
إذا اختمرت هذه المجموعة بما يكفي سترى النور هذه السنة، أو السنة
المقبلة، لندع ذلك للزمن.
حدثني عن الشاعرات في المغرب، عن الرواية المغربية، وعن الجماعات القصصية؟
كل واحد يسبح في فلكه، ويصلي داخل محرابه الخاص، يبحث عن ذاك الوهم
الجميل، وهم الكتابة الذي يمنحنا الطاقة لنستمر، ونتطور، الشاعرات خضن في
كل المواضيع، ولا يزال ينظر إليهن كأدوات للتفريخ، وأحيانا أخرى كتحف
مزينة للمشهد، قلما يتعامل معهن النقد بجدية، جربنا جميع الأشكال
الشعرية، قليلات أقمن داخل القصيدة.
الرواية المغربية ليست بخير لأن أغلبها لا يخرج عما هو سير ذاتي، وقلما
تنفتح على التخييل، الجماعات القصصية انتهت صلاحيتها، وحتى الذي لا يزال
يقاوم، يشتغل بإمكانات مادية ضعيفة، ولولا حب الأدب لانتهت منذ زمن.
ماذا عن عوالم روايتك التي تكتبها حاليا؟
أخشى الحديث عن شيء هو مجرد حلم أعيشه، سأقول لك إنني في هذه اللحظة عاجز
تمام العجز عن فتح ملف ' وورد' وتسطير هذا الحلم، أحتاج إلى مزيد من
النضج، وإلى مزيد من الشغب، وسأتركها للمستقبل البعيد، وعموما هي تجربة
غربة تحكي عن شاب خانته الدروب، وأتلف مفتاح المستقبل والحاضر، وظل حبيس
الذكرى، التي لم تسعفه كي يستمر بشكل طبيعي، سافر وفي السفر اكتشف
إعاقاته الكثيرة، عمل على ترميمها، لكن الحنين إلى التربة الأصلية لم يدع
له الفرصة لكي يرمم هذه الأعطاب، فقرر العودة إلى تربته التي ولد فيها،
وهي العودة التي جعلته يولد ولادة جديدة.
ما مشكلات دور النشر المغربية كما تراها أنت؟
دور النشر المغربية على قلتها غير حاضرة بشكل قوي في المشهد الثقافي
العربي، وأغلب هذه الدور ينشط في المركز ولا يغطي جميع ربوع المغرب،
وبالنسبة لمنشورات هذه الدور تبقى غير منتظمة لأن رأسمال المقاولة يكون
في غالب الأحيان محدودا لهذا تلجأ إلى الكاتب كي يغطي مصاريف كتابه،
تحتاج هذه الدور إلى صندوق لدعمها، كما تحتاج إلى لجانٍ للقراءة تعمل على
تقييم الأعمال بعيدا عن منطق الصداقات والعلاقات، وتحتاج إلى لجان
إعلامية تروج للعمل وتقوم بتسويقه.
ماذا عن مشاريعك الكتابية المستقبلية؟
أنا إنسان مسكون بحاضره، ومن خلال هذا الحاضر أنتقل إلى أي زمن أشاء سواء
استرجاعا أو استباقا، وتبقى اللحظة هي المهيمنة، وفي مختبري الصغير،
وأمام ركام غير منســجم من الأوراق والكتب المكدسة والفروض المنزلية التي
تكلفني بها الحياة، والتي لا أنجز أغلبها، أعتكف على كتاب نقدي يعالج
إشكال الأنثوي في الرواية العربية، وقد قطعت فيه أشواطا كثيرة، لا رجعة
لي منها، وأغلب هذه القراءات الموجودة في الكتاب هي قراءات عاشقة لأعمال
تأثرت بها في فترات زمنية متباينة.
وملفات كثيرة تحتاج إلى غربلة، ونصوص قصصية مفتوحة كتبت منذ سنوات تحتاج
إلى تأمل وإعادة نظر، وبحوث غير منتهية، إضافة إلى انشغالي الأكاديمي
بمشروع الدكتوراه.
ما رأيك في التجارب الإبداعية الجديدة في العالم العربي؟ وهل ترى أن نفاد
الطبعات الأولى من الكتب تعني جودتها بالضرورة؟
مفهوم التجربة الجديدة، هو مفهوم ملغوم لأنه فسيح، والمفهوم في العرف
الأكاديمي يحتاج إلى ضبط وتحديد بناء على آليات ووسائل محددة، فنحن في
عصر المفاهيم على حد تعبير الراحل جيل دولوز، وأحيانا يتم استغلال هذا
المفهوم باعتباره أداة يتدثر بها المبدع عندما يفشل جماليا، ثم إن الجدة
نسبة إلى ماذا هل هي جدة جمالية رهينة بتطور التجربة من حيث رؤاها
وأدواتها الجمالية، أم هي جدة زمنية، وفي غياب حركة نقدية قوية تواكب
التجربة الجديدة لا يمكن أن نتحدث عن منجزها بشكل علمي، وحتى عندما يتحدث
المبدع، فإن كلامه غير مقنع لأنه ناتج عن الذات الممارسة.
أما قضية نفاد الطبعات الأولى فقد تعني جودة العمل، وقد لا تعنيه، عندما
تعنيه فإن العمل يكون قد أثار إشكالات داخل الوسط العربي دفعت القراء إلى
تلمس عمق هذه الإشكالات، وقد تكون إشكالات ظرفية عابرة سرعان ما تنتهي
إلى حال سبيلها، وكأنها لم تكن، وهناك من الأعمال التي يحتفظ بها
التاريخ، ليطلع عليها الأجيال المقبلة، وأحيانا لا يعني نفاد الطبعات
الأولى معيارا للحكم على جودة العمل، فكم من الأعمال أستغرب كيف أنها
طبعت طبعات عديدة، وهي لا تحتوي على أدب جيد، أو رؤية مختلفة للحياة،
ليجعلنا نتساءل ما السر في طباعة أعمال رديئة طبعات كثيرة؟
لماذا لا تحضر ولا رواية مغاربية واحدة في تصفيات البوكر العربية؟
أظن أن إشكال غياب الرواية المغاربية عن جائزة البوكر، هو إشكال كبير،
يتعلق بمسألة إعداد الملف، وهو سؤال أعمق بذلك، لماذا في نظرك لا يحصل
المبدع العربي على جائزة نوبل؟ لماذا لم يتمكن وزير الثقافة المصري من
الحصول على المقعد؟ المشكل مرتبط بإعداد ملف مقنع، تقوم المؤسسة بالدعاية
له وتمويله. كذلك الحال بالنسبة للرواية المغاربية، فهي لا تصل بشكل جيد
للقارئ العربي، ومن ثمة يتم تغييب هذا الصوت الذي له خصوصياته الجمالية
والمتقاطعة مع تجربة المبدع في المشرق.
نتساءل كم عدد الروايات التي طبعت خارج المغرب العربي هذه السنة؟ ربما هي
محسوبة على رؤوس الأصابع، وأغلب دور النشر المشرقية لا تثق في الإبداعات
المغاربية، وتفضل الأسماء المشرقية لأن لها بريقا خاصا بها. وهذا لم يمنع
من وصول بعض الأعمال المغاربية في اللائحة الطويلة في حين تغيب أقطار
بكاملها من أية لائحة، فهل تستطيع مؤسساتنا الثقافية أن تنتبه إلى ضرورة
القطيعة مع المسلكيات الكلاسيكية في تدبير الشأن الثقافي قطريا وعربيا،
وتسن استراتيجيات ثقافية تراهن على المثقف بوصفه رأسمالا رمزيا ودعامة
لقاطرة النمو المجتمعي؟