رياض الترك
رياض الترك:
يقتل الحريري وأباه مَنْ يقتل 30 ألفاً في حماه
شنّ المعارض السوري البارز رياض الترك هجوماً عنيفاً على النظام السوري، موجّهاً إليه اتهاماً سياسياً باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري قائلاً إنه "مقتنع بأنهم قتلوه حتى يثبت العكس". ورأى أن على اللبنانيين "أن يبقوا حذرين ما دام نظام حزب البعث حاكماً في دمشق". وعما إذا كان مستعداً للحوار مع أقطاب في النظام بناءً على مبادرته التي طرح فيها تصوراً لمرحلة انتقالية في سوريا قال: "أنا لا أتحاور مع جلادين".
كلام الترك جاء في الحلقة الأولى من اثنتين بثّتهما قناة "الحرة" في إطار برنامج "الحرة تقدّم" الذي يقدمه حسين جرادي. وننشر هنا النص الكامل للحلقة الأولى، على أن ننشر لاحقاً نصّ الحلقة الثانية التي خُصّصت للحديث عن المعارضة السورية.
حسين جرادي : أستاذ رياض الترك، أهلاً بك عبر قناة "الحرة". اليوم يبدو أن الجميع في سوريا في أزمة: السلطة، النظام في أزمة، وكذلك ربما المعارضة كما يقال إنها في أزمة. قبل أن نغوص في التفاصيل، سوريا إلى أين في ظل الوضع القائم حالياً؟
رياض الترك: أولاً إسمح لي أن اشكر إدارة "الحرة" على استضافتها إياي في هذا البرنامج، وأنا سعيد بهذا اللقاء وأرجو أن يكون حوارنا الآن مفتوحاً وصادراً بصراحة وبحرية تامة...
س: ...هذا ما نأمله ولك كل الحرية في ما قول ما تريد...
ج:
... بشكل أستطيع أن أعبّر عن آرائي الشخصية وإن استطعت عن آراء حزبي أيضاً، ولا
أدّعي أبداً الآن أني أتكلم باسم المعارضة وإنما أنا أتحمل كلامي هذا بصفتي
الشخصية. أقول هذا من أجل أن يسمع الآخرون، وخصوصاً بعد مبادرتي التي قدمتها في
قناة "المستقلة" والتي حاول البعض من المعارضين التشكيك في أقوالي، والادعاء بأنني
تكلمت باسم المعارضة وأنا لم أتكلم أبداً حتى باسم حزبي إذا لم يأذن لي.
هذه المقدمة يجب أن يفهمها الجميع، ويجب أن تفهمها السلطة أيضاً، أني أتكلم باسمي
الشخصي…
س: … نعم، سوريا إلى أين، أستاذ رياض الترك؟
ج: أنا شخصياً اعتقد أن سوريا الآن تعيش أزمة حادة. حادة من مختلف جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأستطيع القول بكل بوضوح أن السلطة السورية الحالية أضحت معزولة من مجتمعها وهذه العزلة عزلة قديمة. لكن الجديد في الأمر عزلتها العربية بسبب سياساتها الرعناء إزاء جوارها وخصوصاً إزاء الشعب اللبناني.
س: عمّ تتكلم تحديداً في مسألة الشعب اللبناني…؟
ج: أتكلم بأنّ إساءات النظام للشعب اللبناني أكثر من أن تحصى. وكان ختامها، وأرجو أن تكون ختامها ولا أظن أنها ستكون الختام… لأنّ هذا النظام الاستبدادي لا يترك أحداً من شرّه… فأعتقد…
س: … ما هو ختامها الذي تتحدث عنه؟
ج: مستقبل لبنان كبلد سيد حرّ ينبغي أن يرتبط بنضال شعبنا أيضاً. فما دام هذا النظام الاستبدادي قائماً، فأشقاؤنا اللبنانيون ينبغي أن يكونوا حذرين منه وأن يميّزوا بين شعبنا السوري الذي اضطهد كما اضطهدوا، وبين حكومتنا التي تتخبط خبطَ عشواء. إسمح لي، أنا لا أريد أن أسترسل، أنا أريد أن أعود إلى سؤالك الأصلي حيث أننا كما قلت نعيش أزمة مركّبة. أزمة داخلية. طالت هذه الأزمة منذ مجيء حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، وحتى الآن. أيضاً أزمة السلطة مع جوارها العربي سواء كان في العراق أو مع إخوتنا الفلسطينيين أو مع أشقائنا اللبنانيين. وهي الآن تعاني أيضاً أزمة سلطة داخلية هي نتاج السياسات الارهابية، سياسات النهب والافساد التي كلها الآن تتراكم تراكماً خطيراً لا يهدد السلطة فقط بالسقوط وإنما يهدد مجتمعنا أيضاً بوضعه في المجهول.
س: هل ترى أن هذه الأزمة تفاقمت تحديداً بعد ما أثير من اتهامات لسوريا بأنها وراء اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، أم أن هناك عوامل سابقة لهذه الأحداث؟
ج: أعتقد وكما أشرت، المسألة ليست فقط مرتبطة بمقتل الحريري، الشهيد الحريري. أعتقد أن أزمة النظام هي أزمة قديمة ناتجة عن سياساته التي مارسها إزاء شعبنا السوري، ومنذ مجيء النظام السياسي. بنية النظام والدولة التي أسسها حافظ الأسد قامت على الحكم الفردي، حكم الفرد. يعني رغم أنه قبل انقلابه كان مع إخوته ورفاقه البعثيين… كان ما يمكن أن تسميه تقريباً كالحكم الجماعي أو شبه الجماعي. لكنه هو بانقلابه على رفاقه تفرد بالسلطة وأسس أجهزة المخابرات ووسّعها وعدّدها لدرجة صارت كالأخطبوط تتغلغل في نسيج مجتمعنا، ومارس سياسة الافساد والاغراء والاغواء لدرجة أنّ كما هو معروف… من هو معي فأهلاً به ومن ضدّي فإلى العالم السفلي…
س: …لكنّ مؤيدي النظام يقولون إنّ هذه السياسة التي انتهجها الرئيس الراحل حافظ الأسد إنما أمّنت لسوريا استقراراً سياسياً واقتصادياً طوال فترة من الزمن…؟
ج: … يعني إسمح لي أن اقول عندما تتحدث عن الاستقرار فبالامكان القول إذا أردت أن ألخّص هذه الفكرة، أنا شخصياً أعتبره استقراراً كاذباً. هذا الاستقرار الكاذب يقوم على إخافة الناس، على إرهابهم، على شرائهم. وبالتالي (فإنّ) تشديد القبضة الأمنية التي ترعب الناس لا يشكل حالة استقرار نفسي للناس وحالة هدوء في حياتهم وعملهم. يعني أنا لو أتيت لك بمثال صغير لا علاقة له بهذه المسألة… عندما كنا طلاباً صغاراً كان عندنا أستاذ على الطريقة القديمة، كان يكتّفنا بيديه وممنوع أن يلتفت أحد يميناً أو شمالاً، بحيث لا نستطيع أن نتنفس. حتى لو التفتَّ إلتفاتة بسيطة يأتيك رأساً الضرب من حيث تدري ولا تدري. لذلك كنا نخاف. وما أن يُقرع جرس الفرصة ويدير هذا الأستاذ ظهره حتى نصرخ ملء أفواهنا… هااااي، لدرجة أن الأساتذة يأتون إلى صفنا ليعرفوا ماذا جرى. وهذا تعبير عن الخلاص من هذا الأستاذ الذي كتم أنفاسنا.
س: لنعد إلى الواقع اليوم. الواقع أن هناك أزمة في سوريا. هناك ضغوط كبيرة يواجهها النظام في سوريا ويقول هذا النظام إن ما يجري حالياً هو مؤامرة دولية عليه لاسقاط هذا النظام وتهديد بلد بأكمله، وأنتم يتهمونكم أيضاً أنكم في المعارضة تساهمون في هذه الحملة ضد سوريا، كيف تقرأون هذا الواقع وهذه الاتهامات لكم؟
ج:
باعتقادي أن هذا الكلام ليس له أساس. إذا أردنا أن نبحث المسألة من جذورها، أولاً
كمبدأ، كرؤية عامة موضوع الخارج وتدخلاته في شؤون بلادنا وعلاقة الداخل بالخارج…
هذه مسألة قائمة منذ أن قام التاريخ. عندما يكون هناك شعب، هناك دولة، هناك
امبراطورية تدار بطريقة من الطرق وتضعف ولا توجد حلول من داخلها لكي تزيل النواقص
والسلبيات… وتعجز عن أن تتعامل مع الخارج بما يؤمّن مصالحها… عندها يأتي هذا الخارج
ويؤثّر ويلعب لعبته. دعني أضرب لك مثالاً بسيطاً على موضوع علاقة الداخل بالخارج
وموضوع المؤامرات. أنا شخصياً يعني، وإذا ألقيت نظرة إلى التاريخ، تاريخ ما بعد
سقوط الدولة العثمانية، عندما سقطت هذه الدولة العثمانية خلّفت التخلّف، خلّفت
مشاكل كثيرة، وهي ضعفت إلى درجة سُمّيَت بالرجل المريض. وشيء طبيعي عندما سقطت
الدولة العثمانية جاء هذا الخارج المنتصر بعد الحرب العالمية الأولى وقسّم منطقتنا
بالمسطرة. نحن هنا علينا أن نرى الأثر الكبير لضعف مجتمعنا الذي سبّبه العثمانيون
على بلادنا، قبل أن نتحدث عن الخارج. لكن هذا الخطر الخارجي كان قائماً. الآن هذا
النظام أيضاً أضعف بسياساته الارهابية وبنهبه وبطيشه، سواء كان في الداخل أو في
الخارج أو على المستوى الدولي مؤخراً، شيء طبيعي عندما تضعف مناعة الشعب، عندما
تكون المعارضة عاجزة عن التغيير، عندما يكون النظام في بلبلة شديدة… من الطبيعي أن
يأتي هذا الخارج ويتدخل. ولذلك أريد أن أقول فكرتي الأساسية أنّ الخطر آتٍ من
الداخل، آتٍ من سياسات السلطة الخاطئة، في علاقتها مع شعبها، في علاقتها مع جوارها،
وفي علاقاتها الدولية.
إسمح لي أن أقول شيئاً. هناك فرق بين المرحلة الحالية التي نمر فيها بعد المتغيرات
الدولية وسقوط الاتحاد السوفياتي، بل إسمح لي أن أقول بعد موت حافظ الأسد، أستطيع
أن أقول إنّ حافظ الأسد يعني رغم أنه كان شاطراً وماهراً في الاستفادة من التناقضات
على المستوى الدولي عندما كان هناك قطبان، تمكن أن يحيّد الخارج وتمكن أيضاً من أن
يستفيد من الخارج وأن تبقى الساحة الداخلية خالية من أي مؤثرات خارجية فيها، وكان
يقايض في إطار هذه السياسة على أمور عربية وهذه أمور معروفة. وأريد أن اضرب لك
مثالاً موضوع لبنان، عندما دخل الجيش السوري إلى لبنان تحت إسم إيقاف الحرب الأهلية
وإيجاد توافق بين الطوائف المتنازعة… هو دخل برعاية أميركية، برضا أميركي. (بفعل)
هذا الرضا الأميركي وهذه السياسة التي كانت توافقية ومقايضة، الأميركان تركوا له
حبل الغارب يفعل ما يشاء في الداخل، حتى أنه نفسه ونظامه وضباطه في أحداث حماه
قتلوا 30 ألف إنسان، وكان احتجاج الولايات المتحدة سطرين ونصف السطر!
س: تشير إلى أنّ النظام السوري بنى سابقاً كثيراً من سياساته باللعب على وتر العلاقة بين الداخل والخارج والمقايضة… هل تقول إنّ هذه المسألة انتهت الآن في هذه الظروف؟
ج: أنا أعتقد أن المسألة انتهت بسبب المتغيرات الدولية، بسبب أشياء كثيرة، الآن المناخ الدولي وحتى المناخ العربي، إذا أردنا أن نقارنه بفترة ما قبل التسعينات فهو متغيّر جذرياً، لذلك ضربت لك مثالاً في هذا الموضوع. هناك فكرة أريد أن أضرب حولها مثالاً. ما القصد بهذه المتغيرات الدولية؟ المتغيرات الدولية أنه كان هناك لعبة في إطار الجبارَيْن، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة… لعبة توازنات. الآن توفى الاتحاد السوفياتي، الله يرحمه… الآن صار هناك عالم في وضع جديد والولايات المتحدة أصبح عندها سياسة جديدة خاصة لأنها الأقوى، ولها سياسات رسمتها في المنطقة وتريد أن ترسمها، لكن تسارعَ تنفيذ هذه السياسات أكثر بعد أحداث 11 أيلول وشهدنا احتلال أفغانستان واحتلال العراق ونشهد الآن محاولات كثيرة هنا وهناك. الشيء الذي أريد أن أقوله أن أغلب الأنظمة الاستبدادية أو كلّها تقريباً، كانت تلعب هذه اللعبة. وأضحت في نتاج هذه اللعبة معزولة عن مجتمعاتها ولا تستطيع أن تقدّم الوظيفة التي كانت تقدمها الولايات المتحدة. هذه الأنظمة شاخت. والولايات المتحدة والادارات الأميركية إدارات براغماتية. ما دامت هذه الأنظمة شاخت فالولايات المتحدة لا تريد أن تتعامل مع السلطة السورية على الطريقة القديمة. هذا نظام شاخ، فليذهب…
س: … أنتَ اليوم في ظل الأزمة الحالية مع ذهاب النظام السوري… لنعد إلى الواقع حالياً… أنتَ طرحتَ مبادرة وقلتَ في بداية هذه الحلقة إنها مبادرة باسمك الشخصي، قلتَ فيها فليتنَحَّ الرئيس السوري عن منصبه ولتكن فترة انتقالية في سوريا يستلم خلالها رئيس مجلس الشعب الرئاسة مؤقتاً وعرضتَ لعدد من النقاط… هذه المبادرة لم تستثنِ منها في المرحلة الانتقالية فئات من حزب البعث رغم أنك أمضيتَ في سجونهم سبعة عشر عاماً ولاحقاً ثمانية اشهر… البعض اتهمك بأن هذه الخطوة متراجعة وليست خطوة متقدمة وأنتَ عانيتَ كثيراً من هذا النظام فكيف تطرح إشراكه في أي مرحلة إنتقالية؟
ج: إسمح لي… حين وضعت المبادرة أخذت في الاعتبار الأزمة الحادة التي تمر بها البلاد، وهذه الأزمة في الحقيقة لا تهدد السلطة فقط وإنما تهدد مجتمعنا، تهدد إستقلالنا. من هنا ما كان يهمني ليس فقط إجراء تغييرات جذرية، كما كنا نتحدث، وإنما الخلاص من أزمة حادة من أجل منع التدخل الخارجي الذي يمكن أن يهدد استقلال البلد…
س: … يعني تقول إن مبادرتك هي من أجل حفظ استقلال البلد؟
ج: أعتقد أن جماهير شعبنا جميعاً يرفضون أي صيغة من الصيغ التي جرى طرحها على هامش مجلس الأمن… لا أدري إذا كان يمكن السياسة الأميركية أن تجنح كما جنحت في العراق، يعني لا تتقيد بالشرعية الدولية وإنما تتجاوزها. وإذا تجاوزتها فهذا يمكن أن يهدد الاستقلال. وأمامنا مشاكل العراق ومصاعب العراق والتي لا يقبل بها أحد حتى لعدوّه. لذلك نحن لا نريد أن يدمج مصير البلد بمصير النظام بل حتى بمصير أشخاص…
س: … ولذلك لم يكن لديك مانع في أن يشاركوا في مرحلة إنتقالية؟
ج: المطلوب إيجاد حل عقلاني يساعد على إبعاد العناصر التي يمكن أن تسميها الرؤوس الحامية، العناصر التي ارتكبت ما ارتكبته من إجرام بحق شعبنا السوري واللبناني وايضاً تستجيب لمطالب الشرعية كي لا نقع أو نُحسَب أننا نمانع قرارات الشرعية الدولية.
س: … إسمح لي، ذكرت قبل قليل مرتين ووصفتَ السياسات السورية في الداخل ولدى الجوار بأنها سياسات إرهابية وتحدثتَ قبل قليل أيضاً بتعبير "إجرام"… هل تشير بذلك إلى أن النظام في سوريا ربما هو الذي كان مثلاً وراء اغتيال الحريري وبعض الأمور الأخرى، أم أن هناك أشخاصاً داخل النظام…
ج: … لا لا ابن العم. أنا إذا أخذتني كسياسي لا كمحامٍ، هذه واضحة عندي. مَنْ يقتل من أبناء شعبه 30 ألفاً في حماه وفي حلب لا أعرف كم وهنا وهنا… يمارسون الارهاب خلال 30 سنة وفي لبنان مارسوا الله أعلم كم لأني كنت في الحبس، ومؤخراً رأيت بعينيك الحفّارة كيف تطلع بالجماجم في عنجر أو بالجثث لا أدري… هذا من الناحية السياسية لا يمكن إلا أن يقنعك إلا أنّ هؤلاء بهذه السياسة الارهابية وبهذا الأسلوب في القتل يقتلون الحريري ويقتلون أباه. لذلك أنا من هذه الناحية مقتنع بأنهم قتلوه. لا أحتاج…
س: … أشخاص أم النظام؟
ج: … النظام. السلطة. أما إذا أردتَ أن تميّز لي بين ضابط مخابرات وإلى آخره… نحن عندنا، ابن العم، ضابط المخابرات بمقدار ما هو شرس وسفاح وغير إنساني هو في الوقت نفسه عبد. لا يستطيع أن ينفّذ من رأسه أيَّ عمل، لأنّ النظام الذي وضعه حافظ الأسد نظام تسلسلي واضح، الأمر يأتي من فوق.
س: … هذا النظام الذي تتحدث عنه، لماذا تريد إشراكه في مرحلة إنتقالية؟
ج: إسمح لي… لكن في ظل حكم بشار الأسد أصبحنا أمام مراكز قوى، لأنّ بشار الأسد ليس كأبيه. هو إبن أبيه، ولكن ليس الأسد. إذاً هذا الرجل كما وصفته في مبادرتي لم يبرهن أنه سياسي كفؤ ولا رجل دولة محنّك كباقي رجال الدولة يمكنه أن يأخذ الأمور بالحسنى. فيمكن من الطبيعي أن تجري أمور من حوله لا يدري بها أو يعلم بها…
س: … يعني هذا قد يفتح المجال أمام احتمال أنه لم يكن يعلم بخطة اغتيال الحريري؟
ج: … إسمح لي أن أقول لك. هذه مسألة تخص فترة بشار، لذلك أنا هنا يمكن أن أشك أنه لا علاقة له بالموضوع بسبب ضعفه لا لسبب آخر. أما لو أنه كان حاكماً كأبيه… أبداً… الأمور تصدر من فوق. في كل الأحوال نحن في جريمة الحريري يجب أن يكون عندنا شقان. أنا في الشق السياسي أتهم هذا النظام إلى أن يثبت العكس. هم عاملونا هكذا. عاملوني وغيري من المساجين (على قاعدة) أنتَ متّهم حتى أنا أثبت العكس وهذا عكس القاعدة القانونية. فلماذا لا أتهمه الآن؟ هو متّهم حتى يثبت العكس سياسياً...
س: ... وماذا عن الشق القانوني؟
ج: ... أما إذا أخذته من الناحية القانونية وأصول التحقيق، حتى في بلادنا أصول التحقيق العادي أنه في كل جريمة يتولى قاضي التحقيق جمع المعلومات وجمع الشهود وإلى آخره... ويبقى طابعها السرّي إلى أن تصدر الاتهامات وتحدد الجرائم. هنا في عملية كجريمة الحريري من حيث الادانة النهائية علينا أن ننتظر ليس تقرير ميليس، ميليس لن يعطينا شيئاً، لأنهم هنا يهاجمونه "بلا طعمة"، ميليس محقق يرفع تحقيقه إلى مجلس الأمن...
س: ... ماذا علينا أن ننتظر؟
ج: ... مجلس الأمن يمكن أن يعيّن نائباً عاماً مثلاً. هو يأخذ المعطيات ويصوغ القرار الاتهامي. فإذاً نحن أمام صياغة القرار الاتهامي. أما هذه الضجة والاتهامات بالتسييس وغيرها، هذه حال الانسان الذي فَعَلَها ويريد أن يهرب من مسؤوليته، فيرفعون النبرة بشكل عالٍ جداً، لكن في السرّ يذهبون... "دخيلكم دبّرونا"... وهذا ما فعلوه...
س: هل تتخوّفون كمعارضة سورية من احتمال صفقة يجريها النظام السوري مع طرف خارجي في مسألة التحقيق؟
ج: أنا شخصياً في هذه المسألة دخلت في جدل كثير، مع رفاقي ومع الآخرين...
س: ... أنتَ متخوّف أم لا؟
ج: لا... لماذا أتخوّف؟ ليس للأمر علاقة بالتخوّف ولا علاقة له بالرضا. أنا شخص في نضالي ضد الاستبداد لا يهمني إن نجحت الآن أو نجحت بعد عشر سنين. أنا ما يهمّني أن يسقط الاستبداد، وأن نقيم النظام الوطني الديموقراطي، أن نصون إستقلال بلادنا من أي تدخّل أجنبي وهذا هو خطنا الثالث الذي ليس بخطّ السلطة وليس بالخط الخارجي ولنقل ليس بالخط الأميركي والفرنسي...
س: ... تتحدث هنا عن رهان على المعارضة الداخلية وهي الطريق الثالث بين النظام وبين المعارضة الخارجية؟
ج: ... أنا أراهن على خط ثالث...
س: ينبع من الداخل؟
ج: ...من الداخل لأنه هو الأدرى بشؤون بلاده وهو الذي يعاني ويستطيع أن يجد المخارج. لكن بسبب مصاعب كثيرة لها علاقة بالماضي، وشدة الارهاب، ولها علاقة حتى بالتخلف الفكري والسياسي للمعارضة، يعني لم تستطع أن تستنبط المواقف السليمة... لكن أعتقد أنّ "إعلان دمشق" شكّل قَطْعاً مع هذا النظام وشكّل البديل الذي هو النظام الوطني الديموقراطي.
س: لكن السؤال في مسألة "إعلان دمشق" هو إلى أي مدى قوى "إعلان دمشق" لا تزال متماسكة وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل في حلقة أخرى... ولكن في مسألة التغيير، هل تريدون تغييراً جذرياً يقصي هذا النظام ويُحِلّ محله النظام الديموقراطي الذي تطالب به؟
ج: عفواً عفواً... أنا قلت، الموقف العام في إطار الصراع العام مع النظام، نحن نطالب بالحلّ الديموقراطي الجذري...
س: ... إنما الواقعية السياسية...؟
ج: ... لكن لكون أزمة مجتمعنا الآن ارتفعت درجة حرارتها بعد اغتيال الشهيد الحريري وبعد اغتيال سمير قصير وجورج حاوي... كل هذه الأعمال والتهديدات التي مارسها النظام، صار مصير البلد يرتبط، شئت أم أبيت، بمصير هذا النظام. وأنا أريد أن أفكّك هذين المصيرين. فليذهب هذا النظام إلى الجحيم، لا اسأل عنه. لكن أنا يهمني أن لا يأتي الأميركان، أن لا يأتي الجيش، أن لا يأتي عملاء يحلّون محلّ هذا النظام. أريد لشعبنا أن يقرر مصيره أيضاً. الآن مثلاً رغم محاولات اللخبطة في لبنان، إلا أني أقدر أن أهنّئ الشعب اللبناني بخلاصه من الاستبداد السوري، رغم أني لستُ مطمئناً، لكنهم شقوا طريقهم وأصبح موضوع الاستقلال والسيادة والديموقراطية والحرية مرهوناً بوحدتهم من أجل تحقيق ذلك رغم كل العقبات وكل التهديدات.
س: تحدثت عن أن مبادرتك جاءت بالصيغة التي أتت بها لتجنيب ربط مصير النظام بمصير البلد ككل، وحرصاً على استقلال البلد. هل ترى أن هناك إمكانية فعلية لتنفيذ هذه المبادرة؟ وإلى من تتوجه بها؟ هل تتوجه بها إلى الشعب السوري، أم إلى النظام؟ أم إلى الخارج؟
ج: في الحقيقة كما قلت لك إن هذه المبادرة جاءت نتيجة وضع ملموس تعيشه سوريا ويعيشه النظام ويعيشه لبنان، وممانعة حادة "بلا طعمة" غير مبررة من قبل النظام واتهامات تُلقى جزافاً لمختلف القوى بمن فيها السياسيون اللبنانيون، وبمن فيها ميليس، تشكيكات، تهويش، إثارة الناس وإخافتها بأنّ البلد في خطر... هذه الحالة كلها من الارباك والفوضى تعني أن النظام لا يريدنا أن نفكّر بهدوء، وأن نفكّر بمخرج عقلاني. يريدون أن يبعدوا في موضوع التحقيق فلاناً وفلاناً وفلاناً. أنا في هذه المسألة، ليست في نظري إلا مسألة تخبّط سياسي، وسعي إلى الهرب من مسؤولية الجريمة النكراء التي ارتكبت وأيضاً مواجهة الشرعية الدولية مثل أي إنسان مشبوه يسلّم نفسه للعدالة والعدالة هي التي تقرر إذا كان مسؤولاً أم لا. مبادرتي هذه من أجل تجنّب مخاطر العقوبات، الفكرة الأساسية فيها أنني أنا شخصياً أحمّل الرئاسة، تاريخياً وليس فقط رئاسة بشار الأسد، وأحمل المخابرات مسؤولية كل المؤامرات التي مرت بها بلادنا. هؤلاء إذا تنَحّوا، هؤلاء إذا أُبعدوا، لا توجد لدينا مشكلة، نحن السوريين، على الأقل المعارضة، بأننا نتاج مرحلة طويلة عشناها وتجارب مريرة، كلنا ارتكبنا أخطاء، التيار الاسلامي ارتكب خطأ، التيار القومي ارتكب خطأ، التيار الشيوعي "عين الله عليه" مليء بالأخطاء... فإذاً الوحدة الوطنية أو الإلتئام بين مختلف التيارات يمكن أن يتحقق في ظل هذه المبادرة، لأنّ ثلاث مؤسسات من النظام تكون مشاركة وباقية في المرحلة اللاحقة هي مؤسسة الجيش، ولا أريد أن أتحدث طويلاً عن الجيش ولو أني أرفض الجيش العقائدي وأريده أن يتحول إلى جيش وطني. وهناك مؤسسة البعث ونعرف جيداً كيف يدخل البعثيون أو الناس لكي يصيروا بعثيين وفي الأزمات يهربون أو يتركون أو ينفضّون... ولكن يبقى البعثيون الذين فعلاً لم يُلَوّثوا بالدم ولا بالمال الحرام وغيره، ومؤسسة مجلس الشعب التي تذهب وتروح... ثلاث مؤسسات من بنيان الدولة، هذا يعني أننا لا نجري إنقلاباً كما يقولون...
س: ... أنتَ طرحتَ هذه المبادرة أستاذ رياض... لو أن اليوم الرئيس الأسد أو رئيس مجلس الشعب أو أياً من المسؤولين السوريين قال لك تعالَ لنتحاور في بنود هذه المبادرة، هل أنت مستعد لتجلس معهم وتتحاور؟
ج: ... هكذا؟ زعبرة ورأساً...
س: ...أنتَ طرحتَ مبادرة للحوار الوطني...
ج: ... لا لا لا. ما عندي استعداد مع أي إنسان (من النظام)...
س: إذاً كيف تريد الحوار إذا كنتَ ترفض الجلوس معهم؟
ج: يا ابن العم... هناك أمور واضحة في سوريا. هذا رجل حاكم ارتكب ما ارتكب وعليه ما عليه من انتقادات، أنا أفاوض حول مستقبل سوريا كنظام، لكن هذا النظام عليه أن يظهر حسن النية. عليه أن يردّ المظالم إلى أهلها. كيف يمكن أن أجلس مع جلاد؟ أرفض الجلوس مع الجلادين. نريد أن نتحاور مع سياسيين. لذلك، عندنا مساجين، عندنا حالات بؤس شديدة من معاناة الأسر، عندنا مفقودون، وعندنا منفيون، وعندنا أمور كثيرة. هذه (المطالب) إذا الحاكم فعلها، أستطيع أن أقول للناس هذه بادرة حسنة ويمكن أن نتفاوض معهم. أما هكذا "من الباب للطاقة"، هذه "ما بيشوفوها بعمرهن" وأصلاً حاولوا في الماضي معي، لكن ليس من موقع سياسي كممثل حزب، يريدون أن يشتروني كعميل مثلما فعلوا مع غيري من المعارضين، فمنهم من رضي ومنهم من تهرّب و... دعنا لا تخلّينا نفتح جروحاً في هذه المسائل. نحن نريد مخرجاً عقلانياً سليماً، لا ننفي أحداً من أبناء بلدنا إلا أولئك القَتَلة والسفاحين، إلا أولئك اللصوص... البلد ينبغي أن تكون منفتحة، نأخذ من تجاربنا الماضية بحلوها ومرّها، والتيارات الأساسية في بلادنا إن كان التيار الليبرالي أو التيار الاسلامي أو القومي اليساري الماركسي، عليها أن تعيد النظر في سياساتها وتعترف بوجود بعضها البعض وتفتح صفحة جديدة من الحياة الحرة القائمة على الحرية والقائمة على حق الاختلاف في الرأي، وفي الوقت نفسه أن يكون مجتمعنا منفتحاً على العالم، منفتحاً على جواره، لا نتآمر عليهم، نحلّ مشاكلنا وإياهم بالحسنى، وإلى آخره... وأنا واثق أنّ هذا في النهاية سيحصل.
س: الرئيس الأسد ألقى خطاباً قبل فترة وأورد جملة من العوامل الدولية والاقليمية... هناك حملة كبيرة على سوريا، أنتم أيضاً كما سألتك من قبل، تواصلون الهجوم على هذا النظام... ولكنه أبدى نوعاً من الانفتاح الداخلي... قال إنه لا مانع لديه من التحاور مع قوى وطنية داخلية، ولكن يبدو أنكم متشددون أنتم أيضاً في هذه المسألة؟
ج: يا ابن العم لسنا متشددين ولا شيء من هذا القبيل. كله كلام زعبرة بزعبرة بزعبرة. أنا أريد على أرض الواقع، ما زال هذا النظام يعتقل. آخر المعتقلين كمال اللبواني. لا أعرف إن اعتُقِل بعده أحد. طيب ماذا فعل كمال اللبواني يا أخي؟ إذا درستَ تصريحاته ماذا يختلف كلامه عن كلام أهل "إعلان دمشق"؟ لا يختلف إلا في مسألة واحدة إنه لم ينتسب إليهم مع أنه أعلن تأييده لهم... لكنه ذهب إلى الولايات المتحدة. أنا لا أذهب إلى الولايات المتحدة. لكن ألا يجب أن نقرّ أنه مع موقفنا المشترك من هذا النظام ومن مستقبل سوريا القائم على الديموقراطية، أنا أختلف معك بالرؤية... إذن لهذا الرجل حق الاختلاف معنا. فلماذا لا أتضامن معه؟
س: ... هذا ربما جزء من أزمة المعارضة. المعارضة تخلّت عن كمال اللبواني فزُجّ في السجن؟
ج: ... نعم، واسمح لي أن استفيد من هذا المنبر وأدعو المعارضة كلها للتضامن مع اللبواني، رغم اختلافنا وإياه في الرأي الجزئي في هذه المسألة أو تلك. هذا الانسان عبّر كمواطن معارض عن آرائه بصرف النظر إن أيّدته فيها أم لم أؤيده، اعتقلته السلطة وينبغي أن أتضامن معه وأن يأتي المحامون المعارضون ويتطوعون لأجله. بكل أسف لقد أظهروا جبناً في هذه المسألة.
س: بعد تجربة كمال اللبواني ألا تتخوف أنتَ أيضاً بعد عودتك إلى سوريا من تكرار اعتقالك؟
ج: أنا يا ابن العم رجل غير. لا أريد أن اقول إني أختلف عن باقي الناس. أنا رجل ما أتكلمه معك أقول "قدّه" عشر مرات في سوريا. ولا أعتقد في كلامي هذا أنني رفعت السقف. هذه ليست رسالة إلى السلطة أقول فيها لا تعتقلوني. يعتقلونني! أنا جاهز وراجع مثل العادة. فليعتقلوا مثلما يريدون. أنا حر وأمارس حريتي في سوريا وفي باريس وفي دبي وفي أي مكان كان. أنا أتكلّم قناعتي والذين لا يعجبهم كلامي فليبلّطوا البحر. ليبلّطوا البحر.
س: يعني أنتم لم تتفاءلوا بالخطاب الذي ألقاه الرئيس الأسد...
ج: ... بالعكس. كان خطاباً سيئاً. هذا خطاب لا يليق برئيس دولة.
س:... في ما يتعلق بماذا تحديداً؟ بالموضوع الداخلي أم بالعلاقة مع المسؤولين اللبنانيين؟
ج: ... بالاتهامات التي رماها جزافاً إلى الناس. قارنه بأبيه. أنا لا أريد منه شيئاً. فقط أقول له عُدْ إلى خطابات أبيك. ثلاثون سنة لم يشتم إنساناً...
س: ... ربما لأن الظروف مختلفة، ولا أبرر الشتائم ولكن...
ج: ... لا، إسمح لي أن أترحم على أبيه! رجل الدولة ينبغي... حتى بالديبلوماسية يقولون إنه لا توجد كلمة "لا". يتكلمون معك دائماً. يناورون ويفاوضون ولا تطلع من الديبلوماسي كلمة "لا". طيب عال، عملت "عنتر" كمّل "عنتريتك". لماذا ذهبتَ تترجى مصر وقطر والسعودية ولا أعلم من... هذا تناقض لا يليق... لذلك أنا أعتقد أنه خرج عن أصول التخاطب السياسي والديبلوماسي وخصوصاً إزاء إخوتنا اللبنانيين.
س: هل أسس برأيك لأزمة تاريخية مع لبنان... إذا أخذنا في الاعتبار المستقبل السياسي للسيد سعد الحريري والسيد فؤاد السنيورة وفي حال بقي هذا النظام في سوريا... هل تعتقد أنه تم التأسيس لأزمة تاريخية بين البلدين؟
ج: الأزمة التاريخية من يوم ما قسّمت فرنسا سوريا الكبرى، سوريا ولبنان الصغير ولبنان الكبير... هذا شيء مضى وانتهى، والسوريون أقروا بالواقع وقامت علاقات... هذا ينبغي أن تردّه إلى طابع نظامنا الاستبدادي. ينبغي أن ترده إلى شهوتهم في التسلّط على لبنان، عندهم مشروع نظام أمني لبناني...
س: ... هناك ملفات كثيرة تتعلق بالمعارضة السورية، بالأخوان المسلمين وتحالفكم معهم، بـ"إعلان دمشق" والسجال الذي دار حوله، لكن وقت هذه الحلقة انتهى، سنناقش ذلك كله في حلقة أخرى. أشكرك.