مع قيس الزبيدي

حوار مع المخرج السينمائي العراقي

قيس الزبيدي....

عيسى السعيد /باريس

[email protected]

كان لقاؤنا الأول في بيروت عروس العواصم العربية أواخر السبعينات ،بمقر مؤسسة السينما الفلسطينية، وروادها البارزين( المخرج غالب شعت،إسماعيل شموط محمد ملص،رسمي أبو علي،ومصطفى أبوعلي،جبريل عوض،فؤاد زنتوت،باسل الخطيب ،ورفيق حجار ،ونصري حجاج.،وإبراهيم أبو ناب ،وقاسم حوّل،وسمير نمر ،محمد توفيق،عد نان مدانات،وجان شمعون،سلافة مرسال،ومونيكا ميرور، وجو سلين صعب، ويحيي بركات وغيرهم الكثيرين من المبدعين الذين سبقوهم وسقطوا على خطوط القتال في الأغوار  مع  عدساتهم أوائل السبعينات بالأردن وكان من أبرزهم هاني جوهرية أوفي الجنوب اللبناني.........) .

كانت اللقاءات،لمشاهدة الإنجازات الواعدة، لعشرات الأفلام الوثائقية السينمائية التي تحكي حكاية مأساة فلسطين منذ البدء وصوب الماضي بكل تحولاته المأساوية والتاريخية، لاستعادة الذاكرة التاريخية ،وليست الذكرى ، التي كان من المدهش فيها أن قيمتها الفنية جاءت بعد مخاض عسير وجهود لا يستهان بها إذا عرفنا  الوقت ومشقته الذي تكبد  القائمين على إنجازها في البحث عن الوثائق والأشرطة الموزعة في العواصم العالمية والمتاحف قبل أن يعاد بناء الأحداث التاريخية بعناية جادة. وتبدأ معها رحلة مشوارها نحو جهات الأرض الأربع لعرضها في العواصم العالمية ساعية لكشف الخداع والزيف الصهيوني... كما الحقيقة التي لا يمكن حجبها بغربال صهيوني ممزق؟؟!!ولتكشف عن قدر كبير من الانبهار بالتاريخ الذي جرى تشويهه بكل دهاء وخبث !!!؟ خاصة وان للسينما تأثيرها الجماهيري الهائل كما دورها في نشرا لمعرفة والحقيقة. حين تكون نقطة هامة لاجتذاب الحشد الأكبر من المشاهدين للموضوع التاريخي و في حالة الفيلم الفلسطيني ، كان أحوج ما كان إليه عدم الإخلال بالصدق التاريخي للوقائع والأحداث خاصة إذا عرفنا انه حين مشاهدة فيلم تاريخي يشبه إلي حد بعيد كتابا مرئيا ومسموعا ومفتوحا حيث تجد التاريخ أمامك ماثلا كما ترويه الصور التاريخية وترويه حكايات الرواة من العامة والشهود بكل صدق أو كما يرويه المؤرخين  والباحثين بأمانة دون تزييف أو تشويه ومبالغة وهذا ما سيكشفه حوارنا بالتفصيل مع الزبيدي ؟؟

طائرات كوكب القردة تقصف مقر السينما؟!!

  في ذلك المقر المطل على (دوار الكولا) قبل أن تقصفه الطائرات الإسرائيلية خلال حصار بيروت العام 1982 ؟؟!! كان ملتقى كل السينمائيين العرب المنفيين والمطاردين بكواتم الموت والصوت للأنظمة العربية المترهلة،وكواتم الموت الصهيونية في شوارع العواصم الأوروبية ،ومنتدياتها ،وفنادقها،وساحاتها الشاهدة على الرصاص العاري من الحقيقة.!!!؟  

أولئك الذين كانت ومازالت بوصلتهم كما عدساتهم على الدوام باتجاه فلسطين.الأرض والتاريخ والشعب كما رموزها  ,ووقائعها في معادلها الجغرافي من الحياة اليومية عبر المنافي والمخيمات كما في الأرض المحتلة ،ونقل وتوثيق كما فضح وتعرية المجازر الصهيونية وحرب الابادة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني ورموزه الوطنية على كل الساحات .والمحرقة الأخيرة (27/ديسمبر—22كانون ثاني2009) في غزة ومخيماتها خير شهادة صارخة  على بشاعة ووحشية الحرب الصهيونية المتواصلة منذ ستين عاما على الرغم من كل " اتفاقيات" سلام السراب والأوهام!! وسياسة التضليل والمراوغة والأكاذيب الإسرائيلية !! ؟؟؟ إلى جانب الحرب الاستيطانية المسعورة ضد الأرض والمياه الفلسطينية؟!

كان تأثير الصورة النقيض التي قدمها ويقدمها البعض من السينمائيين المبدعين العرب والفلسطينيين ،عبر عدساتهم الذهبية المتواضعة ولكنها المبدعة والمتفردة القائمة على الوقائع التاريخية غير القابلة للتزييف التي أنجزها وأعدها باحثين يعرفون  حرفيتهم كما موضوعهم معرفة عميقة وملموسة التي صقلتها التجربة والرؤى الفنية ومهارات المشاركين والتقنيات العالية للصوت وعبقرية المبدع لحظة  أللقطة/ التصوير دون أن تقول الكثير كما في  مستوى معادلها الفني،على صعيد الملصق،حين يمزج الواقع والوقائع ،بالممكن ويقول الحاضر بحرارة خاصة يتحول معها المخيم والحجر والتراب كما عتمة السراديب والإنفاق المظلمة إلي نجوم مشعة ومصابيح تضئ طريق العودة التي تحاول الهراوة الإسرائيلية تكسيرها كما طمسها وتشويهها ؟؟!!

حين  قدموا الرموز العملية لتشكيلات الحياة اليومية الفلسطينية ، وحقيقة المعاناة الإنسانية التي يكابدونها دون شعارات مزيفة، وخطابات سياسية مبهمة ومرتبكة بل وسطحية في الأغلب على( شاكلة إنسان أمام خيمة وعلبة سردين فارغة!!! وبنادق على الأكتاف وصراخ محموم في الفراغ)!!!   كما كانت تقدمها السينما العربية الرسمية؟؟!! والقصائد والدواوين الشعرية الركيكة المهلهلة باسم "القضية" !!في مواجهة الهراوة الإسرائيلية

الصورة المشوهة والمزورة للدعاية الصهيونية!!!

وكما كانت ومازالت الصورة المشوهة والمزورة التي تقدمها وسائل الدعاية الصهيونية عبر أبواقها في الأعلام الأوروبي والأمريكي المتحيز بشكل سافر ومكشوف للعدوان الصهيوني ضد حق الشعب الفلسطيني في المقاومة,والعودة والحرية على أرضه؟؟؟!!

 وقد كان ومازال الرواد السينمائيين يسعون لإثبات وجودهم الإنساني والفني ،ومازالت السينما احد ابرز المجالات المتطورة التي أدركتها الرموز الثقافية الفلسطينية باكرا للاستفادة منها على الساحات الدولية(على الرغم من إهمال رموز السلطة السياسية المترهلة ومازالوا لهذا الجانب ،بل استخفافها المعيب  والمشين به)!!!

 خاصة و الصورة الوثائقية السينمائية كرست احد الوجوه الهامة من  أشكال الصراع مع العدو الصهيوني لتوضيح عدالة القضية الفلسطينية  في المحافل السينمائية العالمية ،بل وحتى داخل الكيان الصهيوني عبرا لمشاركات المميزة للمخرجين الفلسطينيين المتفردين والمميزين الذين يقيمون في فلسطين المحتلة ) 19481967 )،وأوروبا ( أبرزهم   ميشيل خليفي والمخرج محمد بكري،ومي المصري،وهاني أبو اسعد،ورشيد مشهراوي،وإيليا سليمان،وجوليانو خميس –ابن المناضل الشيوعي صليبا خميس-وحنا الياس وجورج خليفي،وفرنسوا أبو سالم،وإميل عشراوي وغيريهما الكثيرين الذين حصدوا العديد من الجوائز الدولية في (كان)و(برلين)و(البندقية-فينيسيا) وكندا كما الولايات المتحدة....وباريس وأمستردام ومدريد وصوفيا ؟.....أما الجوائز العربية وسلطة اوسلو فحدث ولأحرج!!!!!؟

بعد سنوات التقينا وقيس الزبيدي والعديد من المخرجين العرب على هامش مهرجان قرطاج السينمائي السنوي في تونس ،بحضور الممثل المصري الشهير نور الشريف وعادل إمام والفنان الراحل فريد شوقي وأسرته الفنية. بعد أن شاهدنا معا فيلمه: (فلسطين: سجل شعب).

كان بصحبة الزبيدي المخرج العراقي محمد توفيق،والسينمائي عبدا لله حجازي أصدقاء سنوات الدراسة في ألمانيا والناقد السينمائي اللبناني سمير نصري، والمخرج نصري حجاج، والمخرج جان شمعون . والعديد ممن شاركوه إنجاز موسوعته التاريخية حول السينما الفلسطينية التي احتوت على أكثر من ثمانمائة فيلم مابين وثائقي وتسجيلي وروائي طويل أو قصير(فلسطيني وعربي وأجنبي )؟؟ولنا حولها قراءة قادمة إن سنحت الفرصة.....

كان أول فيلم عن المخيم"بعيدا عن الوطن"

((أول فيلم فلسطيني قمت بإنجازه "بعيدا عن الوطن" ،ثم بالتعاون مع الفنانة  الفلسطينية منى السعودي في بيروت انجزنا كتاب لرسوم الأطفال الفلسطينيين الذين خرجوا من بين أنقاض الركام لبيوتهم في المخيمات خاصة" تل الزعتر" و"جسر الباشا" و"صبرا وشاتيلا"،و"عين الحلوة "وقد حمل عنوان :<<شهادات في زمن الحرب>> العام1974.

كما أخرجت العام 1976 فيلم طويل عن رواية للكاتب السوري الكبير حنا مينا ،ثم انتقلت للعمل بمؤسسة السينما الفلسطينية ببيروت العام 1976 ،حيث أنجزت مجموعة من الأفلام الوثائقية منها "وطن الأسلاك الشائكة " ومدته ستين دقيقة عن الاستيطان الصهيوني بالأرض الفلسطينية المحتلة ،و(حصار مضاد)1978،و(مواجهة )1983).....))

هكذا اختصر لنا المخرج العراقي الزبيدي رحلته الشاقة مع الكاميرا  والشريط الوثائقي والسينمائي  بهذه العبارات وباللكنة/اللهجة الفلسطينية   (التي يبدو أن تواصله مع الناس العاديين من الفلسطينيين في المخيمات  كان لها تأثيرها الواضح) ؟؟

· ولكن كيف بدأت علاقتك مع السينما....؟؟

 أجاب :بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلة بألمانيا في العام 1968 ،ذهبت للعمل في د مشق /سوريا ،فأنجزت ما سبق ذكره لكم  للتلفزة السورية آنذاك .

أما كيف بدأت علاقتي والسينما ، فبدأت مع القضية الفلسطينية ،حيث كوني عراقيا وأقيم في سوريا ، كانت تأثيرات هزيمة الأنظمة العربية في حربها المهزلة مع إسرائيل عام 1967 على جيلنا كارثية على كل صعيد حتى النفسية!! ثم تلاها مرحلة صعود المقاومة الفلسطينية في الأردن خاصة بعد( معركة الكرامة) في 21مارس /أذار1968  التي كانت أول هزيمة لإسرائيل وجيشها بعد النكسة يلحقها بها رجال المقاومة الفلسطينية بدعم من بعض كتائب الجيش الأردني واجتياح الآمال الكبيرة آنذاك للشارع العربي الذي ارتبطت أماله العريضة بمصير المقاومة ومدى نجاحها في تغيير واقعنا المزري .(وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد والحال الراهن يقول لنا اخطر مما كان بعد أربعين عاما للأسف؟؟!!)

كان لابد من الاهتمام بالقضية العربية ،وكانت القضية الفلسطينية – المحور  الذي انطلقت منه.وكان أول عمل  أنجزته وأنتجته /مونتاج/فيلم تلفزيوني روائي قصير"إكليل الشوك" ،وكان يصور قصة تجري في احدي المخيمات الفلسطينية للاجئين !!!

سرعان ما اكتشفت إن العمل التمثيلي بهذا الشكل عن فلسطين ،لا يخدمها إطلاقا ،حيث لمست آن الواقع الفلسطيني في المخيم والشتات أغنى وأعمق بكثير من اغلب القصص والروايات التمثيلية التي تقدمها للتلفزة العربية بشكل هزيل وركيك وسطحي ومضحك !! يومها قررت أن أصور فيلم يليق بناس المخيم وروح الناس العاديين منهم الذين يواجهون الموت والحياة بشكل مريع ومأساوي ،كما لمست من خلالهم كيف يعيش الوطن داخلهم بشكل غير ملموس للآخرين؟ وكيف يحافظون على أغانيهم ،وأزيائهم ،وأشيائهم الصغيرة{مطرزاتهم الشعبية وصور عائلاتهم وأحبابهم الذين رحلوا ودفنوا تحت أشجار الزيتون وفي كروم العنب}التي يحتفظون بها بكل حرص ،كما يحافظون على ذاكرتهم متيقظة على الدوام ؟؟ على الرغم من الحياة المأساوية التي تحاصرهم وتهرسهم بكل وحشية ودون رحمة؟؟!!وهذا ما نقلته بصدق .حين ذهبت إلى المخيم مرة أخرى.

وقمت بإنجاز أول فيلم فلسطيني حمل عنوان " بعيدا عن الوطن " وكان له صدى طيبا كبيرا،فلسطينيا وعربيا كما حصل على جوائز دولية أيضا ؟؟!! (في برلين وموسكو)

·  كيف تلخصه لنا وكيف اشتغلت عليه؟؟

 حكايته تتلخص بالكيفية التي يقضي فيها الأطفال الفلسطينيين حياتهم اليومية في المخيم  ومراقبة تلك الوقائع اليومية ،ومعاناتهم.؟؟؟

أما الطريقة أو الأسلوب الذي استخدمته ،إنني صورته داخل المخيم  كما أنني اصطحبت معي الأطفال بالذات لأستوديو التصوير لأطلعهم على المادة ،وأثناء قراءتهم،أراقب كيفية ردود أفعالهم وتعليقاتهم.....وكنت أقوم بتسجيل ردهم العفوي،دون أن يدري آيا منهم ؟؟ فكانوا ينبهرون ويندهشون لرؤية صورهم وحياتهم اليومية بالمخيم ، بعد أن أقوم  بتركيبي للصور ووضعها مع أصواتهم أثناء تعليقهم انف الذكر .!!

كما قمت بأجراء حوارا ت عامة مع الأطفال ،ومن ضمن الأسئلة التي كنت أوجهها لأولئك الأطفال :

·  ماذا تتمنون أن تحققوه في حياتكم  أو تطلبون مني ألان  ...؟؟

 احدهم طلب بيضة !! وآخر طلب قلما ؟؟! وثالث صورة له،ورابع دفتر وألوان ؟؟!! إن هذه الوقائع الإنسانية ، وكيف أن البساطة التي يتعامل معها الإنسان الفلسطيني في المخيم مع قضيته ، تنفي بشكل صارخ كل الأعلام الغربي والعربي الرسمي والسطحي والهزيل والمزيف حين يشوه أحلام الطفولة لأطفال المخيم ويقدمهم على أنهم ،يولدون من بطون أمهاتهم (مجرمي حرب وإرهابيين محترفين)؟!! ويتناسون المجرمين الحقيقيين الذين يقصفون "بيوتهم" ومدارسهم في المخيم كما يقتلون آبائهم وأمهاتهم وأخواتهم أمامهم؟!

 اذكر يومها أن الناقد السينمائي اللبناني سمير نصري كتب  في صحيفة "النهار"الببيروتية، في معرض تعليقه على الفيلم بعنوان بارز:" أنا أريد بيضة" ؟! في العام 1979 وبالتعاون مع المؤسسة الفلسطينية للسينما انجزنا فيلم "رجال في الشمس" اقتباسا عن رواية بنفس العنوان للكاتب الروائي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي ،بتفجير سيارته ومعه لميس ابنة شقيقته(12عاما ) في بيروت 1972.((ويحكي الفيلم  قصص عن ثلاثة مصائر ، لثلاثة رجال فلسطينيين،يمثلون ثلاثة أجيال أيضا يموتون في داخل خزان الشاحنة بالصحراء الكويتية بعد نكبة  1948 .الذين كانوا يبحثون عن مستقبلهم ،ولم يدقوا جدران الخزان ،واستسلموا لقدرهم وموتهم في المنفى  ))؟؟؟؟ 

·  وفيلمك الذي شاهدناه معا "سجل شعب" والذي عرض في مهرجان قرطاج السينمائي....كيف جاءتك الفكرة خاصة ووراءه عمل توثيقي شاق على ما يبدو؟؟؟

 فكرته قديمة ...مع بدايات اقتحامي للموضوع الفلسطيني وتحديدا أوائل الثمانينيات ، على أمل القيام بعمل مجموعة أفلام وثائقية أو فيلم شامل وطويل عن المسألة الفلسطينية. وبهذا الشكل عن تاريخ فلسطين .

وبدأنا  بالاستقصاء والبحث عن الوثائق في العديد من العواصم والمراكز المتخصصة بالموضوع الفلسطيني،وكان العمل يسير بشكل دقيق وجدي ،وقمنا بعمل بطاقات خاصة عن تاريخ فلسطين ،وقمنا بكل المجهودات لتأمين وجمع الوثائق الموجودة والمتاحة فعلا. وحصلت عن طريق مراكز الأرشيف والوثائق في روما  وقسم الوثائق في بيروت ، كل ما أمكن لمشروعنا،وحين تقدم بنا الأمر  وأصبح الموضوع جديا اتفقنا مع أربعة من الأصدقاء الألمان في برلين / قسم التصوير والتضامن ،والأرشيف ، للحصول على كل ما أمكن لإنجاح مشروعنا . وقد استفدنا كثيرا من جهودنا السابقة ( لإنجاز أفلامي السابقة) وكل التحضيرات اللاحقة ،التي استغرقت منا وكل الأصدقاء الذين ساهموا معنا ،خاصة في معرفة أماكن تواجد الوثائق المعنية ، ثلاث سنوات متواصلة مرهقة ومكلفة، خصوصا وإمكانياتنا محدودة ،إلا أن أمالنا كانت كبيرة وجدية،وقد استغرق إنجاز العمل عامين ،في نفس الوقت كنا نستقصي ، ونستحصل على بعض الوثائق التي كنا  نرى أنها هامة أو ضرورية ،فنضيفها للفيلم ، وقد قمنا أيضا  بالتعاون مع أحد كبار المؤرخين الألمان الجادين للتأكد والتحقق من المادة التاريخية خاصة الوثائق التي حصلنا عليها من الأرشيف الألماني ، أما وان الفيلم الوثائقي أو التاريخي عمل فني أيضا يتخذ من التاريخ موضوعا له فما بالكم والمضمون يتعلق بالشأن الفلسطيني، والصدق التاريخي؟! ومادمنا قد اخترنا التاريخ حجتنا ومرجعيتنا ، فما علينا إلا الالتزام بحقائقه، بحيث لا يسقطنا ذلك في الحشو الرتيب والممل ،مما سيترتب عليه نفور المشاهد الذي نحترم قناعا ته،والذي سيتوقف علينا إقناعه بحجتنا إن كنا جادين فعلا بعملنا.. خاصة وان الشرط الأول من شروط نجاح العمل للفيلم الوثائقي  والتاريخي :ضرورة الالتزام الجدي بحقائق التاريخ ومساربه المحكمة كما وقائعه غير القابلة للتزييف أو التزوير والتشويه ؟؟!! وبالتالي ستتسم حشد الوقائع من خلاله و بكل ما تحمله من صدق الحدث التاريخي ، بالنزاهة ،والشفافية .

·  وكيف واجهت تلك الصعوبات الجمة في العمل  والبحث عن الوثائق التاريخية ...؟؟

 الصعوبات كانت جدا مرهقة ، في حين العمل كان منسقا وبشكل منطقي بعيدا عن الافتعال ،والارتباك أو الانفعال ،لأننا أردنا من الوثيقة ،ذاتها  أن تتحدث عن نفسها  دون تحليل ممل أو أكاديمي منفر ،وتسلسل طبيعي  للإحداث  والصور ...وحتى تصل لهذا وذلك ،وعلى النسق والصيغة الدقيقتين للتاريخ ...؟؟ تطلب منا جهدا مضاعفا ، فمثلا الكثير من الأفلام التي حصلت عليها 16ملم ومطبوعة بشكل ردئ وسئ كونها قديمة أيضا ؟؟ وكثير من الوثائق التي حصلت عليها لم نك نعرف أصحابها ،ولم يدون أي شئ عنها أو عليها ،لذلك كنا نضطر للقيام بعرضها على بعض المتخصصين ،الذين كانوا هم أيضا يجهلونها  بعض الشخصيات مثلا أو الأحداث  على الرغم من إن أحداثها  ومكانها  بشكل بصري  ، فلسطين!! .فهذا استنزف منا وقتا  وجهدا كبيرين من الجميع !!

حتى التلفزة الإسرائيلية حين قدم "عمود النار "في 15 حلقة واجهتهم صعوبات كبيرة ،حيث إن الكثير من الوثائق كانت غير مبوبة أو منسقة ومنظمة  وهذا عبّ كبير على الباحث ؟؟!!

كما كان لدينا بعض الوثائق ،وعلى الرغم من أهميتها ،لم نتمكن من ضمها وأدراجها للفيلم تحسبا وخوفا من عدم  وضعها في السياق المطلوب..أو الخطأ ؟

وبعض أللقطات أيضا ،التي مثلا كنا نقوم بتجميعها من أكثر من مكان أوجهة ،لأنه ليس كل المراكز كان لديها نفس الصورة  ،فهناك من كان لديه إضافة لبعض أللقطات (بنفس المكان والزمان والواقعة أو الحدث ) فعملت على تجميعها ودمجها .؟؟،

مثلا، بعد أن كنت قد ا نهيت العمل وأكملت  وأنتجت الفيلم ,وجدت صورتين فقمت بإضافتهما للفيلم ،ولكن المفاجأة كانت ، بعد أن أكملت الصيغة الأولي ،عثرت على خمسين صورة (50 صورة) دفعة واحدة /لقاء الملك فيصل  ومؤتمر سان بريمو وبدايات تكوين الهجا ناه الفاشية في فلسطين  والصفة العسكرية لهم .... لدرجة أنني اضطررت لاستخدام الصورة الفوتوغرافية الثابتة ضمن أللقطة حول حدث معين ؟      

وقد حصلنا على الوثائق من جملة مراكز أبحاث وأرشيف دولية كان من أهمها :

المتحف العسكري البريطاني/ لندن ، المركز الألماني للوثائق والأرشيف / برلين ،ومن التلفزة الإيطالية / روما ،وواشنطن ،وبودبست ،وبولندا / وارسو أيضا. ....

وعن كيفية إنجاز الموسوعة التاريخية السينمائية الفلسطينية / فلنا عودة معها ،إذا سنحت لنا الفرصة ...