الروائي فاضل السباعي(1)
الروائي فاضل السباعي :
أنتصر للأطفال و المرأة و الفقراء والمضطهدين(1من2)
فاضل السباعي
سأخرج في هذا الحوار الساخن مع الروائي فاضل السباعي عما هو مألوف في تقديم الضيف المحاور فاكتفي بالقول :السباعي خمسون عاما كتابة بضعة و ثلاثون كتابا , طبع بعضها اربع مرات و مثلها قيد النشر ترجم ادبه الى عشر لغات هو الابن الاول لاب انجب تسعة عشر من البنين و البنات تاركة للقارىء حرية التعرف على اديبنا الكبير من خلال حديثه الفياض كما اترك عنوان بريده الالكتروني
scs-net.org@Fadsibai
و هو يتأهب للسفر الى لوس انجلوس
^ استاذ فاضل السباعي اسمح لي بداية ان اهنئك من كل قلبي على روايتك الرائعة بثم ازهر الحزن االتي لم يتح لي رغم سماعي بها كثيرا ان اقراها الا منذ مدة قريبة اي بعد نقضاء اربعين عاما على صدورها اسألك ما السر في ان هذا العمل الروائي ظل محتفظا بنكهته رغم مرور اربعة عقود من الزمان على طبعته الاولى ?
^^ يسعدني ان اتلقى سؤالك الاول مضمخا بهذا الثناء العاطر الذي يفوق روايتي جمالا و هذا يشجعني على ان اترك التواضع للحظات قليلة و احدثك بهذه الحكاية الطريفة :
في اوائل التسعينات حضرت الى دمشق مستعربة من بولونيا اسمها بياتا سكوروبا منتسبة الى معهد تعليم العربية لغير الناطقين بها قصد اتقان العربية نطقا و محادثة و قد نزلت في المدينة الجامعية فرأت رواية بثم ازهر الحزنا في يد احدى الطالبات تقرؤها ثم انها انتقلت بسكناها الى دير الفرنسيسكان فرأت ثانية الرواية في يد طالبة اخرى فاسترعى ذلك انتباهها ! و كانت تبحث عن موضوع عربي تقيم عليه اطروحة الماجستير التي تعتزم اعدادها حصلت على نسخة من الرواية و قرأتها ثم كتبت الى استاذتها المشرفة بجامعة وارسو تعرض عليها ان يكون هذا العمل الروائي موضوعا لاطروحتها و ان من تقاليد جامعة وارسو الا يقوم الطالب بدراسة كاتب عربي الا ان يكون ممن تناوله المقرر الجامعي الذي يدرس عن الادب العربي في القرنين التاسع عشر و العشرين و جاءتها الموافقة و شرعت بترجمة الفصول الاولى من الرواية الى البولونية و كتابة الدراسة و قبل عودتها الى وطنها عبرت عن تمنيها السفر الى حلب لتلتقي بالنسوة و الفتيات الحلبيات اللواتي هن على غرار من تناولت الرواية شؤونهن لتراهن رؤى العين بعد ان قرأتهن على الورق و لما علمت مني ان البيت الحلبي الذي دارت فيه حوادث الرواية قد استعرته من البيت الذي ولدت فيه اشتد شوقها الى رؤية هذا البيت لولا ان وقتها كان ضيقا .
هذه سالفة أرويها: و في الاجابة عن سؤالك مع ان الأولى ان يتولاها ناقد اقول ان ما شاق و يشوق قارىء هذه الرواية هو الحميمية التي تلفح قلب قارئها اعني قربها الى نفسه و الى الحياة العائلية التي يحياها ان كثيرا من القراء اكدوا لي انهم يعرفون امراة او فتاة او فتيات قد مررن بالتجارب التي رصدتها الرواية أما أو أختا أو خالة أو جارة من الجارات
ازعم ان التماثل ان المشترك الاعظم ان صح التعبير كان واضحا بين ما قدمته الرواية من شخوص و حوادث و بين حيوات الناس من حزن و حب و فرح هذه الحالات الوجدانية التي بدا اني وفقت في التعبير عنها بلغة شفافة و لغتنا العربية غنية بمفرداتها الوجدانية و لعله كان صحيحا ما قاله ناقد من أن (ثم أزهر الحزن) رواية واقعية كتبت بأسلوب رومنسي
وفي التشويق الذي حازته الرواية كان بعض القراء إذا ما بدأ أحدهم بقراءتها متمهلا فإنه سرعان ما يجد نفسه يلهث وهو يقرأ فصولها وصولا الى النهاية حدثني أحدهم أنه هم بقراءة الفصل الاول منها قبيل القيلولة استجلابا للنوم فوجد نفسه لا يترك الكتاب إلا وقد فرغ من قراءته بعد منتصف الليل علما بأن الرواية من (400) صفحة
^ وأما انا يا أستاذ فاضل .فقذ قرأتها خلال اربعة ايام.. فقط كنت احمل الكتاب من البيت الى العمل ولكن لماذا حظيت ..(ثم أزهر الحزن) بهذا القدر من اهتمام الجمهور اكثر مما حظيت به أعمالك الاخرى مثل رياح كانون و(الظمأ والينبوع) وسواهما التي تحمل نفس القيم الانسانية والجمالية ?
^^ لانها كما بينت رواية حميمية وقد تأتت هذه الحميمية لها من أن موضوعها يدور حول الاسرة اسرة فقدت الاب وهي مؤلفة من الام وبناتها الخمس قبل ان يجيئهن الصبي بعد وفاة والدهن فالاسرة نسوية وذلك ما قربها الى القلوب ولم تكن الاسرة ذات مال فانكفأت على العمل فزاد هذا من تقريبها الى النفوس والبنات حصلن التعليم مع العمل ونجحت كل في مضمارها...فهي يا عزيزتي رواية الكفاح والنجاح وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام على التوالي:الحزن الحب الفرح فاشبهت بذلك سيمفونية من ثلاث حركات
^ قيل ان هذه الرواية بطبعتيها الثانية و الثالثة في التسعينات قد اعادت اكتشاف الروائي فاضل السباعي ما قولك ?
^^ صدرت الطبعة الاولى ببيروت عام 3691 فلما تحقق لي ان اصبح ناشرا لاعمالي الادبية بدار للنشر اسستها بدمشق بادرت الى اعادة طباعتها و عندئذ تعرف على الرواية من كان يجهلها و اما من سبقت له قرءاتها فقد تذكرها و استطيع القول ان زملائي الادباء كانوا يعرفونها ولكن ربما جهلها بعض او كثير من الادباء الشباب .
حدثتني احداهن انها عقب تخرجها في كلية الاداب بجامعة دمشق ذهبت يوما الى المكتبة المركزية بالجامعة تطلب رواية للكاتب المصري يوسف السباعي و لما كان لها دالة هناك فقد سمحوا لها بان تدخل مستودع الكتب و قد وقفت امام الرف الذي تنتظم فيه كتب الروائي المصري الراحل فاسترعى انتباهها عنوان بثم ازهر الحزنافاخذت الكتاب و هي تظن ان فاضلا كاتب مصري و لعله شقيق لر يوسف .
^ عذرا للمقاطعة هل هناك قرابة بين اسرة السباعي في سورية و في مصر ?
^^ يقولون ان الاسرة قدمت الى بلاد الشام قبل اربعمئة سنة من المغرب و نزلت مدينة خالد بن الوليد حمص و يبدو انهم في قدومهم قد حلوا بالثغور البحرية في شمال افريقية الجزائر و تونس و ليبيا و القاهرة ايضا و الحجاز فالاصول حسب الرواية واحدة .
^ اخذت خريجة الاداب الكتاب ?
^^ اجل و في طريقها الى البيت عرفت ان فاضلا كاتب من سورية فتعجبت كيف انها لم تسمع باسم هذا الكاتب و تحول العجب عندها الى احساس بالذنب و هي تستمتع بقراءة الرواية لانها لم تسمع بهذا الاسم من قبل و هي خريجة كلية الاداب و راحت تسال زميلات الجامعة عما اذا كن قرأن لهذا الكاتب السوري فاجبنها بانهن لم يسمعن باسمه فأراحتها اجاباتهن من عذاب الضمير .
الا ترين ان للاعلام دوره في التعريف و في التجهيل في التعتيم و في التعميم
^ اسمح لي استاذ فاضل ان انقل اليك رأيا يتردد بانك كثير الاتهام للاعلام السوري بانه يتعمد تغييب ادبك الا ترى انك تتحامل بذلك عليه?.
^^ الله يعلم من يتحامل على من ! و لكن المتتبعين يعلمون ايضا من منا المتحامل , لقد مر حين من الزمن كان فيه اسمي يشطب من المقالات التي تقدم الى بعض الصحف و المجلات و ان في الذاكرة سوالف المستشرقة الاسبانية ماريا خيسوس فيغرا الفت كتابا بالاسبانية عن الرواية العربية و خصتني بحيز في كتابها و قد حمل الي نسخة من الكتاب تلميذها الاديب رفعت عطفة الذي اجرى معها حوارا نشر في احدى الصحف بدمشق تناولت فيه الحديث عن الكتاب السوريين قرأت الحوار فوجدت ان اسمي غائب .
^ سالت رفعت فاعلمني ان الاسم ورد في مسودة الحوار و لكنهم حذفوه ,فهل انا متحامل ?
^^ سالفة اخرى قبل اربعين عاما او يزيد زمن الوحدة بين سورية و مصر ضم كتاب للمطالعة مما كان يدرس في المرحلة الثانوية في الاقليمين نصين ماخوذين مما كان نشر لي في مجلة العربي الاول عن الزعيم ابراهيم هنانو و الاخر عن مدينتي حلب و قد ظل النصان ينزلان في الكتاب خلال السنوات الاربع او الخمس بعد زوال الوحدة قبل ان تستبعدها الوزارة المعنية و ظل فاضل السباعي مغيبا في مقررات هذه الوزارة نصا و اسما ..
و ليس هذا فقط بل ان مقرر الادب العربي المعاصر بكلية اداب دمشق غيبني و كانني لم ات الى الدنيا و قد امتعض مؤلف هذا الكتاب من احد طلبته ساعة وقف في المدرج يساله لم لم يذكر اسم فاضل السباعي .
في موسوعة عالمية من مجلدين اسمها اعلام الادب العربي المعاصر صدرت في التسعينات بالانكليزية و الالمانية و العربية افردوا لي بين ثلاثمئة كاتب عربي مختارين خمس صفحات و لما صدر المجلد الاول من الموسوعة العربية بدمشق هذا المشروع الوطني الضخم لم يات محررو مدخل الادب العربية الحديث على ذكر اسمي مجرد ذكر في العشرين صفحة الكثيفة المخصصة لهذه المادة علي حين ان احد هؤلاء المحررين لم ينس ان يزرع اسم نفسه بين كتاب الرواية مرة و بين كتاب المسرح مرة اخرى و قامته الادبية لا تطول كتفي انت تتهمين و انا افند .
في السبعينات قدمت مخطوطة مجموعتي القصصية المتميزة حزن الموت الى المنظمة الشعبية التي ترعى الادباء و انا عضو مؤسس فيها في8691 و 96 فرفضت تبني نشرها فصدرت بعد ذلك في بيروت بثلاث طبعات و الرابعة في داري اشبيلية و في باريس صدرت اخيرا ترجمة لها الى الفرنسية و في الحين ذاته قدمت مخطوطه رحلة حنان الى المؤسسة الرسمية التي ترعى الادباء في وطني فرفضت نشرها فظهرت في دار المعارف بمصر في السلسلة الشعبية الشهيرة اقرا و طبع منها عشرون الف نسخة .
عشرات الدراسات و المقالات بل المئات كتبت عن اعمالي و هنا المتحاملون يقولون عن هذه الرواية التي اعجبتك جدا ثم ازهر الحزن متندرين بان لغتها منفلوطية و انها رواية ريبورتاجية وانها رواية نسوية لا يكتبها رجل و ان شخصياتها من ورق و يضحكون .
^ لا شك في ان مثل هذا يقع في كل المجتمعات الثقافية و في كل مكان و زمان و في التراث قصص كثيرة عن تنافس الادباء و تباغض العلماء و لكن تجاه تلك المواقف الم تكن مقصرا بحق نفسك بمعنى انك لم تقم بالترويج لادبك بالقدر الكافي?
^^ انا معك في ان للكاتب و للمبدع بشكل عام دوره في الترويج لابداعه و اني اعرف من الكتاب من اهمل نفسه فغاب عن ذاكرة القراء و لهذا الانموذج نقيض يتفن اصحابه في الدعاية لانفسهم و هل اقول ان منهم من يعرض مكافاة لمن يكتب عن عمل من اعماله و لأازال اذكر جهلي بنجيب محفوظ في مطلع حياتي الادبية و ما سمعت باسمه اول مرة الا و انا في زيارتي ليوسف السباعي في بيته بمصر الجديدة خريف 1950 لقد قالوا لي ان هناك روائيا موهوبا اسمه نجيب محفوظ و نصحوني بان اقرأ له
حسن اليك هذه السالفة عند دراسة المستعربة البولونية بياتا سكوروبا لروايتي زارتني في بيتي بدمشق قبيل مغادرتها البلاد عائدا الى وطنها حضر الزيارة احد الصحفيين المتخرجين حديثا من قسم الصحافة بكلية الاداب و اجرى معها حوارا نشره فيما بعد في مجلة المرأة العربية ثم في جريدة الشرق الاوسط اللندنية و السياسة الكويتية و خطر له بعد اللقاء ان ينزل خبرا في الصحافة السورية عن المستعربة و عن موضوع اطروحتها و عن حرصها على ان تزور حلب لتتعرف على النسوة اللواتي قدمت الرواية نماذج منهن و ذهب بنص الخبر الى احدى الصحف و لكنها اهملت نشره و قد حدثني بذلك فتراءى لي ان اسأل على الهاتف محرر الصفحة فأجاب بان الشباب في القسم الثقافي قالوا ان الخبر سبق نشره في صفحة اخرى قلت له هذا غير صحيح و لكن لان الشباب عندك متعصبون للروائي فلان الفلاني فانهم يتحججون بهذا الكلام لرفض نشر الخبر قل لهم ان المجال متسع لصاحبهم و لخمسين روائيا مثله . بعد ربع ساعة اتصل بي محرر الصحيفة طالبا نسخة من الخبر مطمئنا اياي بانه قد نقل من فوره كلامي الى رئيس التحرير الذي وجه بنشر الخبر حالا و في ذلك اقول هل على الكاتب المهمش ان يخوض معركة حتى من اجل نشر خبر عن ادبه
لنعد الان الى فاضل السباعي اديب الاسرة كما سمتك مجلة الاذاعة و التلفزيون بالقاهرة عام 1986 في المقال الذي نشرته بمناسبة اعداد ثم ازهر الحزن مسلسلة اذاعية في صوت العرب و في المقال ان الكاتب السوري فاضل السباعي مهتم اهتماما خاصا بدقائق الحياة في الاسرة و عن طريقها بعكس حياة المجتمع السوري و يفلسف رؤاه اني اذ اقر هذه التسمية التي منحتك اياها تلك المجلة اديب الاسرة اؤكد ان العينين اغرورقتا و انا اقرأ القصتين بصغير على الهم امن مجموعة الالم على نار هادئة و اريد امي من مجموعة رحلة حنان ماذا عن هاتين القصتين المؤثر تين المستوحاتين من صميم واقع الاسرة السورية خاصة و العربية و الاسلامية بوجه عام
(اريد امي) قصة تحكي مشكلة الطفل الذي في احضان امه الحنون المطلقة ثم ينتقل بعد الحضانة الى بيت الاب الذي لا يضمر مودة للام استوحيتها م زميلة لي في العمل كنا نراها في يوم الرؤية تعود من قصر العدل دامعة العينين بفعل مواقف طفلها الذي يغذى بالكراهية لها الى ان كان انفجار عند الطفل داخل الصف و المعلم يحدثهم عن الام في عيدها و احب ان اقول ان هذه القصة لقيت ترحيبا في كل مرة تراءى لي ان كرر نشرها .
و اما القصة الاخرى (صغير على الهم) فقد استوحيتها من المشاعر التي تملكتني ليلة جاء ابي بزوجة اخرى الى بيتنا و انا طفل في العاشرة لقد ظلت هذه الصورة ماثلة في خاطري طوال اربعين عاما قبل ان اجسدها في قصة تبكي قارئيها و للطرافة ان موظفة كانت مخطوبة لرجل متزوج و اب لاطفال لما قرأت هذه القصة تأثرت بما فعله دخول الضرة الى حياة الاسرة في نفوس الاولاد فعدلت عن الزواج من ذلك الرجل .
يتبع..