مقابلة مع الرفيق رياض الترك
مقابلة مع الرفيق رياض الترك
رياض الترك، الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري المعروف باسم "المكتب السياسي"، الذي انبثق من انشقاق كبير في صفوف الحركة الشيوعية السورية في أوائل السبعينات؛ أوقفته قوى الأمن العسكري في 28 تشرين أول من عام 1980. وقد سجن وحيداً في زنزانة، وكان ينقل دوريا إلى المستشفى بسبب غيبوبات متكررة ناتجة عن عدم العناية بمرض السكري المصاب به، وبقي في سجون حافظ الأسد مدة 18 عاماً دون محاكمة. وقد كانت معارضة هذا الرجل تزعج النظام في دمشق على الدوام.
ولد رياض الترك في مدينة حمص في وسط سورية عام 1931، وكان قد اعتقل سابقاً وعذب تعذيباً وحشياً في سجون الأمن السياسي إبان الوحدة بين سوريا ومصر. وكان قد فقد جزءاً من قدراته السمعية في هذا الاعتقال. وفي عام 1969 أصبح رياض الترك عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري وكان يقود تياراً يجمع بين الماركسية والقومية. وفي عام 1972 ينقسم الحزب الشيوعي السوري إلى قسمين:
قسم يقوده خالد بكداش المنسجم موقفه مع مواقف النظام على الصعيدين الداخلي والخارجي، والقسم الثاني يتألف من أغلب أعضاء المكتب السياسي (ومن هنا جاء اسم الحزب)، وعلى رأسهم رياض الترك الذي عمل على إعادة صياغة برنامج عمل جاعلاً من الوحدة العربية هدفاً استراتيجياً مثلها مثل بناء الاشتراكية.
ولقد عارض رياض الترك منذ عام 1976 دخول القوات السورية إلى لبنان، ورفض اعتبار قمع الإسلاميين في نهاية السبعينات نضالاً للتقدميين ضد الرجعيين.
وبالنسبة له كان الموقف آنذاك يعكس عمق الأزمة بين النظام والشعب، وتعبيراً عما يصبو إليه هذا الأخير من " ديموقراطية وتعددية ودولة قانون وحريات عامة وحياة كريمة".
سؤال: ما الذي يفسر اليوم ضعف سوريا، أهو انسحابها من لبنان واستمرار الضغط الأميركي عليها؟ وكيف وصل الأمر إلى هذا الحد، في حين أنه في عام 2000 ، ومع وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم كان البعض يتحدث عن "ربيع دمشق"؟
رياض الترك: يعيش المجتمع السوري مرحلة انتقالية بين الطغيان والديموقراطية، والأزمة الحالية هي انعكاس لفشل السلطة القائمة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا بد أن نضيف هنا بطبيعة الحال أن الدور الإقليمي للسلطة قد انتهت صلاحيته حاله مثل بقية الأنظمة في المنطقة.
وكان الدليل الأخير على انتهاء هذا الدور هو انسحابه من لبنان. وضعف النظام يؤدي إلى حلين ممكنين:
إما تغيير النظام أو القيام بإصلاحات تسمح له بتجديد نفسه. وهنا لابد من الإشارة إلى الولايات المتحدة فهي لم تعد تدعم دور سوريا والأنظمة المماثلة الأخرى، وهي تود إرساء واجهة ديموقراطية أكثر ملاءمة لمصالحها. نحن من جهتنا نطرح مسألة الديموقراطية منذ حوالي ثلاثين عاماً، في الوقت الذي لم يكن أحد في الخارج يحرك ساكناً، لذلك هنا يمكننا التحدث عن نفاق لدى الولايات المتحدة.
وإذا قارنا سوريا الآن تحت حكم هذا الرجل "الضعيف" مع فترة حكم والده حافظ الأسد، نجد بطبيعة الحال فرقاً سواءً في عدد المعتقلين أو عدد المقتولين، لكن هذا الفروق لا تعني الديموقراطية على الإطلاق، وعلينا ألا نعتقد أنها نتيجة برنامج إصلاحي قد شرع به بشار الأسد. ويكفي أن ننظر هنا إلى نسبة البطالة في سوريا التي تقترب من 50% ،وإلى متوسط دخل الفرد الذي لا يتجاوز ألف دولار سنوياً.
ونتيجة ضعف النظام بدأ المجتمع والمعارضة بدفع هوامش الحركة، والأمر يتعلق بمكتسبات الشعب وليس بأعطيات النظام. فخلال خمس سنوات لم يفعل بشار الأسد شيئاً على الإطلاق، فالظروف الحالية لم تعد تسمح بالسلوك نفسه الذي كان يجري سابقاً، كارتكاب المجازر على سبيل المثال.
المجتمع ناضج للتغيير ولكن من الصعب التنبؤ بالعامل الذي سيطلق هذا التغيير.
فلقد اعتاد النظام في سوريا أن يحل تناقضاته بالاستناد على العوامل الخارجية كالنضال ضد إسرائيل على سبيل المثال. مازالت هذه العقلية موجودة لديه، فهو مثلاً يعيش على أمل أو على وهم التفاهم مع الولايات المتحدة. إنهم في السلطة لا يريدون أن يصدقوا أن العالم قد تغير، وأن السياسات الخارجية قد تغيرت، ولا يريدون فهم أن لا خيار أمامهم سوى واحد من اثنين: إما التسليم للشعب أو الاستسلام للولايات المتحدة.
سؤال: كيف ترون الاستراتيجية الأميركية إزاء سورية؟ أتريد واشنطن الحفاظ على بشار وتصفية محيطه أم تريد قلب النظام برمته؟ وفي هذه الحالة بمن ستستبدله؟
رياض الترك: السياسة الأميركية إزاء سورية لا تزال غير واضحة، ولكننا نلاحظ أن الولايات المتحدة بعد أفغانستان والعراق تحاول إضعاف النظام السوري تدريجيا، وانتزاع كل أوراقه في المنطقة. بالطبع لابد من الربط دائماً بين العوامل الخارجية والعوامل الداخلية، ولكن على المعارضة في هذه الحال أن تكون قوية؛ إلا أن سياسة القمع والإرهاب التي مارسها حافظ الأسد ضدها قد أضعفها إلى حد ملفت؛ وهذا ما يدفعني إلى القول أن التغيير سيأخذ وقتاً، وهذا ما يسمح للعامل الخارجي بأن يزيد في ضعف النظام أكثر من العامل الداخلي. ومن هنا تأتي أهمية توحيد قوى المعارضة ولا بد هنا من الإشارة إلى أهمية القوى الليبرالية والإسلامية المعتدلة. فإذا وصلنا إلى ذلك سنسهم في تسريع الأمور.
وبالنسبة للنظام القائم هو حليف للولايات المتحدة، وليس للولايات المتحدة أية مصداقية، وبالتالي ليس لدينا أوهام فيما يتعلق بسياساتها، وعلينا أن نتأكد ما إذا كانت تنوي جلب مغامرين جدد إلى المنطقة من نمط الشلبي في العراق؟؟ في هذه الحالة لن نربح شيئاً. ما يهمنا هو مسألة الحرية والديموقراطية.
وهذه المسألة لا تهمها بقدر ما تهمها مصالحها الخاصة. فالأمر شديد الحساسية والتعقيد، فنحن بحاجة لدعم العامل الخارجي في الوقت الذي يقلقنا. وهنالك مثل شعبي سوري يقول: "عيني فيه وتفو عليه". لدي انطباع باننا نتجه نحو حل وسط بين الحالة العراقية والحالة الليبية. الولايات المتحدة تريد تكريس مصالحها ومصالح إسرائيل وتنصيب أشخاص كالشلبي ونحن نريد الحرية والديموقراطية.
سؤال: ألا ترى أن القوى الديموقراطية محاصرة بين النظام القائم والإرادة الأميركية؟ وهل هناك حيز تستطيع المعارضة من خلاله الحركة لمنع سيناريو عراقي ولإرساء إرادة الشعب السوري؟
رياض الترك: هناك طريق ثالث ممكن، هذا الطريق الثالث وجد تاريخياً وموجود في الحياة اليومية للسوريين، لقد وجدت دائماً في سورية معادلة بين القوى المتطرفة الرامية إلى الاستقلال أو إلى منعه. ففي عهد الانتداب الفرنسي كانت هنالك نضالات عنيفة من أجل الاستقلال، وفي الجهة المقابلة كانت هنالك قوى متواطئة مع الفرنسيين، في هذا السياق كانت هنالك الحركة الوطنية المستندة إلى الشعب والمتفاوضة مع الفرنسيين في آن، فهنالك عامل ثقافي سوري يحبذ الاعتدال.
هذه الحركة الوطنية نجحت في خلق حركة أكثر ليبرالية عمادها تكنوقراطيون تأهلوا وتكونوا في أوربا. هذه الحركة حققت تقدماً، لكنها فشلت في حل الكثير من المشاكل، لأنها تنتمي لأصول إقطاعية. فلم تستطع هذه النخبة حل مشاكل المناطق الريفية. أما بالنسبة إلى القائمين على السلطة حالياً والذين كانوا قد تحولوا إلى قوة عسكرية، فهم ديماغوجيون خطابهم قومي واشتراكي، ولكن على أرض الواقع هم طائفيون ولم يستطيعوا حل مشكلة التطور في المناطق الريفية؛ وبالتالي هذا يعيدنا إلى الطبقات الوسطى المدينية.
الطريق الذي يجب سلوكه هو وحدة جميع المعارضين. لقد استطاع حافظ الأسد أن يقسم المجتمع إلى بعثيين ومعارضين. والمعارضين لم يكونوا يوماً وراء السلطة كما هو الحال في مصر والجزائر. فلنأخذ على سبيل المثال الإسلاميين. إيديولوجياً نحن ضد الإسلاميين ولكننا لم نؤيد يوماً المجازر التي ارتكبت ضدهم. هذه قاعدة مهمة جداً للحوار. في المدن السورية هنالك وحدة. وهذا شيء فريد بالنسبة إلى باقي الدول العربية. انظر مثلاً إلى الاعتقالات الأخيرة في منتدى الأتاسي، هذه الاعتقالات ترجع إلى أن القوى اليسارية قدمت الإسلاميين على أنهم قوة موجودة فعلياً في المجتمع ولها حق الكلام وهذا لم يعجب النظام.
سؤال: مرة أخرى أطرح السؤال نفسه، كيف يمكن تجنب الحل الأميركي؟
رياض الترك: علينا أن نعلن برنامجنا وعلى الولايات المتحدة أن تعلن موقفها إزاء هذا البرنامج. ومن وجهة نظر حزبنا من المستحيل أن نضع أنفسنا تحت الوصاية الأميركية، ونحن نعمل حالياً مع القوى المعارضة الأخرى حول هذه النقطة؛ لكننا لم نتوصل بعد إلى اتفاق نهائي مع أن المصلحة السورية العليا تتطلب ذلك.
وإضافة إلى ذلك فإننا نرى أن الدعم الأوربي حيوي ومهم للغاية، ولكن مع الأسف لا اعتقد أن الأوربيين سيقومون بواجبهم، فهنالك تواطؤ جزئي بين النظام والأوربيين.
سؤال: كيف سيتم توحيد قوى المعارضة، لقد شرحت الجذور التاريخية لذلك؛ ولكن اليوم ما الذي يجمع بين حزبكم والإخوان المسلمين؟
رياض الترك: لقد قوَّض النظام كل حياة سياسية في المجتمع وكل تنوع؛ إرادتنا المشتركة هي أن تعود سيادة القانون إلى البلد، وأن تقام انتخابات حرة، وأن يمثل الشعب كما يجب أن يمثل.
نحن واعون تماماً أن كل التيارات الموجودة: الماركسية والقومية والإسلامية كانت تيارات إقصائية. الكل يفهم أن ذلك كان خطأً فادحاً. لهذا قررنا التعاون مع القوى الأخرى. فلنفترض أن النظام انهار. فيجب البدء بنهوض ما ولكن على أي أساس؟
خزائن الدولة فارغة، علينا أن نعيد بناء البنى التي تستقطب رؤوس الأموال، لهذا السبب نحن بحاجة إلى الحركات الليبرالية، وهذا لا يعني أنه ليس لدينا رؤيتنا الخاصة، نحن نريد أن تلعب الدولة دوراً رئيساً في الاقتصاد دون أن تحتكر كل شيء.
سؤال: تعتقد إذاً أن الإسلاميين لا يريدون فرض الشريعة وفرض دولة إسلامية؟
رياض الترك: بالنسبة لنا العلمانية شرط أساسي، ولن نتنازل عن هذه النقطة، ونحن في بلد الفسيفسائية الدينية تفرض نفسها. ولكن في الوقت الراهن سنغلط تكتيكياً إذا رحنا نفرض شروطنا. بالمقابل نحن نطلب من الإسلاميين أن يحترموا الأقليات السياسية والطائفية وذلك في حال ربحوا الانتخابات؛ والإسلاميون في سورية تيار معتدل؛ فالسنة تاريخياً لم يطالبوا يوماً بجمهورية إسلامية. النظام وحده هو الذي كرس الأصولية.
فاليوم الموضوع المهم هو الحرية. لقد حاول بعض الإسلاميين في سوريا سابقاً أن يفرضوا أنفسهم بالسلاح، فخسروا الكثير من كوادرهم، وكانت تلك الفترة فترة إرهاب وخوف، ولقد خسروا حتى بعض قواعدهم الشعبية. في خمسينيات القرن الماضي احتكم الجميع إلى صناديق الاقتراع. ولكن لا ننسى أن سورية بلد مسلم وبالتالي علينا أن نتوجه إلى المجتمع السوري بكل مكوناته بما فيها الإسلاميين لحل المشاكل الكبرى.
فلقد هجرنا فكرة الطليعة، نحن في هذا التوجه منذ أن انشققنا عن الحزب الشيوعي في عام 1973. ولكن مع الأسف فإن بعض الإسلاميين في ذلك الوقت اختاروا العنف.
وحالياً نحن أكثر تفاؤلاً من سبعينيات القرن الماضي، ويبدو أن الإسلاميين الآن يعون أكثر من قبل أخطاءهم في تلك الحقبة.
سؤال: لقد عقدتم قريباً مؤتمراً لحزبكم، ما هي التوجهات الجديدة التي نجمت عن هذا المؤتمر؟
رياض الترك: المؤتمر هو نتيجة طبيعية لممارستنا السياسية منذ ثلاثين عاماً، ولكن الفرصة لم تتوفر لعقد هذا المؤتمر من قبل، لأنا كوادرنا الحزبية كانت قيد الاعتقال. ولقد أعدنا النظر في رؤيتنا للماركسية، فسابقاً كنا نعتبرها مرجعيتنا الوحيدة والمطلقة؛ والآن نحن نعتبرها مرجعية رئيسة ولكنها ليست مرجعيتنا الوحيدة. وهنالك ثلاثة أسباب لهذه الرؤية الجديدة: أولاً فشل التجربة الاشتراكية في البلدان الشرقية.وثانياً مرور حوالي 150عاماً على نشوء الماركسية، والسبب الثالث هو واجبنا في نقد الفكر.
ولقد استفدنا من هذه المناسبة لتغيير اسم الحزب، فأصبح يدعى الآن(حزب الشعب الديموقراطي السوري) وذلك بسبب حزبين شيوعيين آخرين يشتركون مع حزب البعث في "الجبهة الوطنية التقدمية"، وقد انتخبنا عبدالله هوشة أمينا أولاً للحزب.
* عن "الرأي / خاص"