الشاعرة المغربية مليكة معطاوي: المجاملة في الأدب تضر بالأديب وبالناقد معاً
الأديبة المغربية مليكة معطاوي، شاعرة ومترجمة متخصصة في النقد الأدبي المقارن، لكنها قبل ذلك درست علم الرياضيات ما أكسبها فضيلة الجمع بين العلم النظري والعلم التطبيقي.
حاولت إسقاط حصيلتها المعرفية الرياضية على ذائقتها الأدبية، فأثمرت النظرة التحليلية المتعمقة، التي تضع النصوص تحت مجهر القواعد والأسس والمعايير النقدية الأدبية، فتخرج من مجال الأدب أدعياء الأدب، بميزان رياضي دقيق لا يعرف المحاباة ولا المجاملة.
التقيتها بالقاهرة بمناسبة تكريمها في مهرجان مجلة "همسة" السنوي، وحصولها على المركز الأول في شعر التفعيلة.
وكان اللقاء تحديداً في مقر اتحاد كتاب مصر حيث كانت ضيفة شرف منتدى عاطف الجندي الأدبي الذي عقد مساء السبت 5 سبتمبر الجاري فكان هذا الحديث ، وإليكم نصه..
ـ د. مليكة.. بداية نود تعريف القارىء المصري بك؟
مليكة معطاوي شاعرة ومترجمة مغربية حصلت على الدكتوراه في الأدب المقارن كما حصلت قبل ذلك على إجازة في علم الرياضيات.
أشرفت سابقا على قصيدة التفعيلة في منتدى منظمة (شعراء بلا حدود) وأنشر في منتدى (قناديل الأدب والفكر) للدكتور جمال مرسي، ومنتديات أدبية أخرى كما أنني مشرفة في جمعية التنسيق بين الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة، التي تصدر مجلة خاصة بالأدب المقارن بدعم من وزارة الثقافة المغربية.
كما لي صفحة باسمي على الفيس بوك لا أنشر فيها أدباً ولكن أخصصها للتواصل الاجتماعي فقط.
ـ ما قصتك مع الأدب وبخاصة أن دراستك علمية تطبيقية؟
كنت مغرمة بالأدب منذ البدايات الأولى حيث كلما ضاقت بي سبل الرياضيات والمواد العلمية الأخرى كنت أهرب إلى قراءة الروايات والقصص والدواوين الشعرية.
هكذا، تشبعت منذ الصغر بالشعر فتذوقته وأصبحت أنظم على شاكلة الذين قرأت لهم، ومع الوقت وتوالي القراءات واستمراريتها تطورت تجربتي شيئاً فشيئاً. ومع ذلك لم أكن واثقة فيما أكتب، لإدراكي أن ما أكتبه لا يتجاوز حدود الهواية، مما دفعني بعد إنهاء دراستي العلمية إلى اللحاق بركب دراسة الأدب، عشقاً في اللغة العربية وآدابها وفنونها، ورغبة مني في سبر أغوار القصيدة وكتابتها كما يجب .
ـ حدثينا عن إنتاجك الأدبي؟
لي ديوانان، أسرار الظل الأخير، واشتهاء الليل، وهذا الديوان الثاني هو الذي جاء بي إلى القاهرة لأنه يتضمن قصيدة "اشتهاء الليل" التي فازت بالمركز الأول في شعر التفعيلة في المسابقة السنوية التي تنظمها مجلة همسة للآداب والفنون، ومن هناك جئت لأشاركهم حفل توقيع ديوان الدكتور الشاعر محمد عباس الطفا باتحاد كتاب مصر، والذي دعاني إليه الصديق الشاعر الكبير الأستاذ عاطف الجندي المشرف على منتدى عاطف الجندي الأدبي، احتفاءً بفوزي بالمركز الأول إلى جانب الشاعر الصديق أصلان أبو سيف الذي أتحفنا بقصائده الجميلة. وهذه ليست المرة الأولى التي أزور فيها مصر ولن تكون الأخيرة إن شاء الله.
ـ ما الأعمال الأدبية التي تناولتيها بالنقد؟
ينصب اهتمامي على ترجمة الخطاب النقدي الغربي المعاصر إلى اللغة العربية، وهذا هو موضوع أطروحة الدكتوراه الذي تناول نقد الترجمة باعتباره علما قائما بذاته انفتح عليه الأدب العربي في السنوات الأخيرة لكنه ما يزال يحتاج إلى الكثير من الاهتمام. إذ إن الترجمة لها أسسها وقواعدها ونظرياتها فالإلمام باللغتين المصدر والهدف لا يكفي وحده لإنجاز ترجمة جيدة، بل لابد من الاطلاع على سياق النص المترجم وعلى بيئته وظروف نشأته.
ـ كيف ترين الأدب المغربي في علاقته بالشبكة العنكبوتية الآن؟
الأدب المغربي في تطور، خصوصاً بعد انفتاحه على الشبكة العنكبوتية "الانترنت" لكنها سلاح ذو حدين، فبقدر ما تتيح نشر تجارب الآخرين وتسهل عملية التواصل بقدر ما تروج للنصوص الرديئة، حيث اختلط الحابل بالنابل واستسهل المبحرون الشعر والأدب بشكل عام فسادت المجاملات وأشياء أخرى، أصبحت معها صفة الشاعر الكبير والمبدع العظيم بلا قيمة. والحال أنه لا يعيبنا ألا نكون شعراء لكنه يعيبنا أن ندعي الشعر ونحن منه براء.
ومن هنا، أدعو المؤسسات الثقافية، الرسمية والمدنية، أن تضع شروطاً لطبع النصوص الأدبية بما يسد الباب أمام الأدعياء، وأن يوجد في كل مؤسسة طباعة متخصص أو أكثر لمراجعة ما يراد طبعه من شعر أو قصة أو رواية أو مسرحية، بمعايير تراعي الجودة، واللغة، وبعض الأسس المعروفة التي تقوم عليها هذه الأجناس الأدبية، أما إذا تركنا الباب مفتوحاً هكذا بلا ضوابط فإننا نسيء إلى الأدب ونسيء إلى اللغة بشكل عام.
ـ كيف ترين تأثير العاميات على الأدب؟
العامية لها جمهورها، ولها شعراؤها، لكنها لا يمكن أن تتعدى حدود البلد الناشئة فيه، ولك أن تعلم أن المصريين لا يمكن أن يفهموا العامية المغربية، كما أن المغاربة لا يمكن أن يفهموا العامية المصرية، وهكذا شأن العاميات التقوقع والتفريق وليس الانفتاح والتجميع.
أنا مع الشعر العربي الفصيح، ولا أنفي أن للشعر العامي جمالياته وجمهوره ودعاته.
ـ أقسام اللغة العربية بالجامعات العربية وأساتذة الأدب والبلاغة والنقد فيها تملأ عين الشمس كما يقال ومع ذلك لا يستطيعون وضع نظرية نقدية عربية بمعايير علمية وأسس عربية.. ما تفسيرك لذلك؟
هذا يعود إلى أسباب معقدة ومتعددة خلاصتها أن العرب لا يتفقون، وأنهم ما يزالون لحد الآن منبهرين بالغرب ولا تتجاوز اهتماماتهم حدود التجريب باستثناء بعض الأفراد الذين لهم دراسات وبحوث رائدة. إضافة إلى أنه لا يوجد هناك تلاحم بين النقاد فهناك النقاد المغاربة وهناك النقاد المشارقة لكن كل واحد يغني على ليلاه. في حين أنه في مجال النقد وبناء النظرية ليس هناك ما يمنع من أن نبتدىء من حيث انتهى الآخر، فلكل سابق لاحق يكمله، وقد يتجاوزه وهذا لا يعيبه في شيء، هكذا هي دورة الحياة.
ـ أي الشعراء تدينين لهم بالفضل؟
أدين بالفضل للمتنبي، وعنترة بن شداد، وزهير بن أبي سلمى، ونزار قباني، ومحمود درويش، وفدوى طوقان، وأحمد شوقي، ومحمد بنيس، ومحمد بن طلحة وأسماء كثيرة جداً، ذلك أن تكويني لم يكن أدبياً محضاً، فكنت أقرأ بنهم كل ما يقع تحت يدي من قديم وجديد.
ـ هل ذهبت دولة الشعر العربي أم لا تزال لها قائمة؟
الشعر هو ديوان العرب وما يزال له حضوره في أمة العرب وبخاصة في الساحة الثقافية، ومهما ابتعد الناس عن الشعر، فإنه يظل قابعاً في وجدانهم ينتظر حالة الاستدعاء.
ولك أن تعلم أن إيمان العرب بشعرهم جعلهم لا يهتمون بما يكتبه الغرب، لأنهم ظنوا أنه ليس فوق شعرهم شعر، وليس فوق دولة شعرهم دولة.
ـ إذن، لماذا نلاحظ عدم الإقبال على أمسيات الشعر من قبل الجمهور العادي؟
في العالم العربي وفي السنوات الأخيرة انحسر عدد الذين يقرؤون الشعر بل الأدب بشكل عام، ولهذا انزوى الشعراء في حارتهم إذا جاز التعبير، يخاطبون بعضهم بعضاً، ويحضرون ندوات بعضهم البعض، وهذا الأمر لا نراه مثلاً في فئة الموسيقيين أو المطربين بل تجد لقاءاتهم عامرة دوماً بالجمهور مع أن الأغنية أصلها الشعر!
ـ ما نصائحك لإيجاد نوع من التوازن وما يمكن تسميته "تنمية الذائقة الشعرية لدى الجماهير"؟
أنصح بأن تهتم المدرسة والأسرة قبل أي مؤسسات أخرى بتنمية القراءة لدى الطفل، فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وشخصية الطفل تتكون في السنوات الست الأولى من حياته، فإذا نشأ على حب القراءة فإنه سيكبر على هذا الحب، ومن شب على شيء شاب عليه.
وبمقارنة بسيطة بين الأسرة العربية والأسرة الغربية، سنجد أن أول ما تزرعه الأسرة الأجنبية في نفسية أبنائها هو حب الأوراق والأقلام، وأينما ارتحلوا ارتحلت معهم أوراقهم وأقلامهم وكتبهم وقصصهم، في حين أن الأسرة العربية لا تهتم بهذا الجانب.
أذكر أننا ونحن في المدرسة تربينا على قصص محمد عطية الإبراشي، وكان المعلم يكلف كل واحد منا بقراءة قصة كل أسبوع، فكانت حصيلة ما نقرأه من قصص في العام الدراسي قرابة ثلاثين قصة، فنمت المدرسة لدينا ملكة القراءة والفكر والخيال.
وأنصح بأن تقام الملتقيات الأدبية في المدارس والجامعات ولو في الفترة المسائية فيقبل عليها الأبناء مع الآباء، كترفيه من ناحية، وكمقصد تربوي من ناحية أخرى.
وأعطي مثالا على ذلك كوني دعيت لثانوية في إطار برنامج "استضافة مبدع" الذي تشرف عليه أستاذة صديقة، ألقيت هناك بعض قصائدي وتواصلت مع التلاميذ فأخبرتني منسقة الندوة فيما بعد أن أكثر من تلميذ وتلميذة قد كتبوا أشعاراً من بنات أفكارهم ويريدون مني أن أقيمها وأراجعها. أبناؤنا يحتاجون إلى الدعم والقدوة في زمن الانغلاق على النفس وطغيان الماديات والمصالح الخاصة.
ـ حدثينا عن موقع اللغة العربية الآن في بلاد المغرب العربي؟
اللغة العربية بخير بدليل أن هناك شعراء وكتاب استطاعوا أن يفرضوا وجودهم في الساحة الثقافية العربية بالرغم من أن التعليم في المغرب تعليم مزدوج عربي فرنسي، وأغلبية الشعب العلمية تدرس باللغة الفرنسية خصوصا الدراسات الجامعية. وبطبيعة الحال فالتعلّم باللغة الفرنسية لابد وأن يؤثر في الحياة اليومية والتعاملات الشخصية، لكن لابد من إتقان اللغة العربية إلى جانب اللغات الأخرى فمن لا يتقن لغته الأم لا يمكنه أبدا أن ينفد إلى كنه تلك اللغات.
وقد انتشرت بحمد الله جمعيات حماية اللغة العربية، وتلقى قبولاً واسعاً من شرائح المجتمع المغاربي، الذي أصبح يرى من الضرورة إلحاق أبنائه بالمدارس التي تعنى بتعليم اللغة العربية إلى جانب اللغات الأخرى.
ولسنا ضد تعلم لغة أجنبية، لكننا ضد الذوبان فيها، واتخاذها لغة تعلو على اللغة الأم، وشعارنا في ذلك: "مرحباً بإتقان اللغات الأجنبية لكن شريطة إتقاننا للغتنا الأم".
ـ ما تقييمك للحركة النقدية المغربية، وهل هي مواكبة للحركة الإبداعية؟
الحركة النقدية ليست مواكبة للحركة الإبداعية التي هي في تصاعد مستمر، سواء في الرواية أو القصة أو الشعر أو المسرح.
فنسبة النقاد قليلة، واهتمامهم بالمبدعين الجدد أقل في النوع وفي الدرجة.
ـ هل يمكن تسمية الأدب الذي يظهر على الفيس بوك بالأدب الافتراضي؟
الأدب الذي يظهر على الفيس بوك ليس بأدب أصلاً، لكن الصفحات أو المواقع أو المنتديات التي يشرف عليها أدباء وشعراء تخرج من حكمنا السابق، وفيها نصوص جادة ونقد بناء.
إذن، عرض النص على هذه المنتديات وانتقاده من قبل متخصصين، ظاهرة جيدة أؤيدها وأدعمها، لأنها تتيح التواصل بين الأدباء والنقاد، في حين أن صفحات الفيس بوك مشاع للجميع وتفتح أبوابها للمجاملات.
الأدب لا مجاملة فيه ولا محاباة، والمجاملة تضر بالأديب وبالناقد معاً.
وسوم: العدد 632