فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (3) (من وَحْي الواقع البعيد عن مَنهج الله عزّ وجلّ)
(لو قلّبنا النظر في لغتنا العربية، لوجدناها قد شملت
كلّ المفاهيم والمصطلحات، لكن بالنسبة للسياسة،
فاللغة تغوص في عَمِيق أعماقها.. أي في الصميم).
فَذْلَكَةُ التاء:
(تَعِسَ) وأخواتها!..
تَلا، تَاهَ، تَرَحَ، تَابَ، تَاسَ، تَفَلَ، تَاخَمَ، تَجَرَ، تَرْمَسَ، تَبِعَ، تَنَفَّسَ، تَرْجَمَ
(تَعِسَ) من معاني: هَلَكَ.. والتعاسة ربما يكون مصدرها العبودية للمال، كما ورد في الحديث الشريف: (تَعِسَ عبد الدينار، تَعِسَ عبد الدرهم ..)، أي: هلك كل مَن يجعل من نفسه عبداً للدينار والدرهم، إذ يتحوّل المال إلى رَبٍّ مُزَيَّفٍ لذاك المخلوق التعيس، الذي يصبح منحوساً أيضاً، فيما لو (تَلا)، أي: اتّبع.. منهجاً بشرياً وضعياً غير منهج الله سبحانه وتعالى، فيحوّل نفسه إلى عبدٍ ذليلٍ للربّ الذي يُشرّع له، ويجبره على تنفيذ تشريعه الوَضعيّ الخاطئ، ما يؤدي به إلى التخلّف، لأنّ تَخَلَّفَ من معاني (تَلا) كذلك!.. وبذلك يصبح التعيس المنحوس.. متخلِّفاً أيضاً!..
ما ذكرناه ينطبق على الفرد، وعلى المجتمع والأمة.. فإذا (تَاهَ) الفرد، أي: ضَلَّ طريقَه، بتنفيذ المناهج البشرية الخاطئة الظالمة.. أو إذا (تَاهَت) الأمّة كلها، لاتباعها مناهج مستوردةٍ من الشرق أو الغرب، وتركت دستورها ومنهجها الذي ارتضاه الله عزّ وجلّ لها.. فإنّ التعاسة ستكون بانتظارها!.. ثم ستقع في مساوئ فعل (تَرَحَ)، أي: حَزِنَ، فتكثر فيها الأحزان والأشجان، أي: الأتراح!..
عندئذٍ سيكون أمام الأمّة طريقان: طريق (تَابَ)، أي: رجع عن المعصية وعاد إلى الله عزّ وجلّ، وإلى إقامة منهجه العادل الصالح لكل زمانٍ ومكان، فيسعد الإنسانُ بذلك في الدنيا والآخرة، أي تسعد بذلك الأمّة وتتقدّم نحو الخير والرشاد.. أو تمضي في الطريق الثاني، وهو طريق: (تَاسَ)، أي: صار تَيْساً، إذ يركبها العناد، فتصبح كالتَّيْسِ إذا حَرَنَ، أي: أصرَّ على موقفه وموقعه الخاطئ.. وحينذاك ستقع هذه الأمّة التي كرّمها الله، في حفرة (تَفَلَ)، أي: بَصَقَ.. فتصير عرضةً لذلك الفعل القبيح (تَفَلَ)، الذي تمارسه عليها كلّ أمم الأرض، التي لا ترغب لها أن تستيقظ من غفوتها أو من نومها العميق!..
* * *
الأمّة التي تتخلى عن دستورها ومنهجها ودِينها وهويّتها، يَدْهَمها خطر عظيم، هو خطر التحريف، كخطر (التَلْمود): وهو التعاليم اليهودية العنصرية البغيضة، التي تفعل فعلها في جسد الأمّة المستغرق في نومه، أو الغافل عن عدوّه!.. والتلمود هو السمّ الزعاف الذي يتغلغل في جسد الأمّة، وبخاصةٍ عندما ينطلق حَمَلَتُه اليهود من كل أنحاء الأرض، لاحتلال قلب وطننا العربيّ والإسلاميّ، تماماً كما يفعل الصفويون الشعوبيون، متّبعين أسلوب (تَاخَمَ)، أي: جاوَرَ ولاصَقَ!.. وبعد أن يجاورنا اليهود والصفويّون المجوس بملايينهم، قادمين إلينا من كل فَجٍ عميق.. يُعمِلون فينا القتل والتشريد والتمزيق، مُنفِّذين بذلك تعاليم تَلمودهم الخبيث، أو خرافات الصفويّ الغدّار، بمساعدةٍ ومؤازرةٍ من الصليبيين الغربيين الحاقدين!..
لا يكتفي اليهود والصليبيون والصفويّون المجوس بما فعلوه، بل يبذلون جهودهم لإيقاع أمّتنا كلها بين مخالب الـ(تيوقراطيّة)، وتعني: نظام الحكم الذي يجمع فيه الحاكم بين السلطتين الدنيوية والروحية!.. وقد طُوِّرَ هذا المعنى في عصرنا الحديث إلى أشمل من ذلك، فأصبح الحاكم في كثيرٍ من بلاد المسلمين، يجمع كل السلطات -بمختلف أنواعها وأشكالها وألوانها- في شخصه (الكريم)، بالترغيب أو الترهيب، وبقوّة الدستور الذي يفصّله كما يشاء ويدعمه بقوّة الحديد والنار.. وبذلك تنقلب سُلطته إلى تسلّطٍ كريهٍ على رقاب الناس، ويقوم بإصدار القوانين والتشريعات، التي تكفل له دوام التسلّط، والتحكّم في أرواح الناس وأقوات العباد وثروات البلاد!.. والحاكم هنا ليس بالضرورة فرداً، فقد يكون حِزباً أو طائفةً أو مجموعةً مختارة، اختارها الشعب بأكثريّته الساحقة!.. لشدّة عِشقه لها، وغَرَامه بها.. إلى درجة أنه ترك لها كل دبابةٍ ومدفعٍ وصاروخٍ وطائرةٍ.. لقمع المحبّين، وقهر العاشقين لعدلها ونزاهتها وأمانتها ووطنيّتها!..
* * *
يمكن للفئة الحاكمة المذكورة، أن تقوم ببعض الخطوات الضرورية لتثبيت نفسها على كراسيّ السُلطة.. فمثلاً قد تستخدم طريقة: (تَجَرَ)، أي: مارس التجارة من بيعٍ وشراء!.. والتجارة هنا ليست بالمال والمتاع، بل بالكلام والشعارات الطنّانة، والبيانات الرنّانة.. فتصبح شعارات: التحرير، والوحدة، والحرية، والعدل، والمساواة، والمقاومة، والممانعة، و.. هي البضاعة التجارية الرائجة، ويُستخدم لترويج ذلك الـ (تِلِفِزْيون): وهو جهاز ينقل الأصوات والصوَر!.. فيتحوّل الجهاد والنضال من سوح الوغى والقتال الحقيقية، إلى ذاك الجهاز العجيب الغريب، وعندئذٍ يصبح النضال (تِلِفِزْيونياً) صِرفاً!.. مع احتفاظ تلك الفئة الحاكمة بنهجها في سحق شعبها، بمختلف أنواع الأسلحة!..
وإذا ما تجرّأ مواطن من الرعية لقول الحق، كأن يقول مثلاً: إنّ السيد الحاكم وجيشَه (تَرْمَسَ)، أي: تَغَــيَّبَ عن الحرب مع العدوّ، وسبّب ضياع البلاد والعباد.. فإنّ ساحة المعارك ستصبح فوراً، كلَّ شارعٍ وبيتٍ وزاويةٍ وفضاءٍ في الوطن، ويصبح المواطن هو العدوّ الذي ينبغي تصفيته أولاً، للتفرّغ بعد ذلك إلى العدوّ الحقيقيّ الخارجيّ!.. ولتنفيذ ذلك بحق المواطن، يتم اتباع أسلوب: (تَبِعَ)، أي: سار في أثره، وبالمعنى الحديث: لاحَقَهُ!.. فكل مَن (تَنَفَّس)، وخرجت من بين أنفاسه كلمة ناقدة أو مُعترِضة.. يصبح مَتبوعاً، أي: مُلاحَقاً من قبل أجهزة الحاكم العزيز.. الكثيرة!.. وقد يُستخدم في هذه الحرب الداخلية أسلوب: (تاخَمَ)، فكل من يتنفّس، ينبغي أن يُرسَلَ إليه مَن يتاخمه، أي: يجاوره ويلاصقه، لتعليمه كيفية التنفّس على منهج السادة الذين يحكمون البلاد والعباد!.. وقد يُستَخدَم الـ (تِلِفون) في هذه الحرب الشرسة أيضاً: وهو جهاز ينقل الأصوات من مكانٍ إلى مكانٍ آخر.. وقد يكون المكان الآخر مَقرّاً حِزبياً أو عسكرياً أو أمنياً!.. إذ يقوم القائمون على أمن الوطن، وأمن المواطن العزيز وراحته.. بإحصاء كل ذبذبةٍ من ذبذبات صوته، ثم إحالتها إلى قسم: (تَرْجَمَ)، أي: بيّن الكلام ووضّحه، أو نقله إلى لغةٍ أخرى!.. وغالباً ما تقع أخطاء شائعة أثناء عملية الترجمة، بقصدٍ أو من غير قصد.. تكون كافيةً لترجمة البشر (كالمواطن) وتحليلهم، إلى عواملهم الأولية من اللحم والدم والعظم!..
هذا داء الأمّة العُضال، فهل له من (تِرياقٍ)، أي: دواءٍ مضاد؟!.. لأنّ التاريخ لا يرحم المتقاعسين المتثاقلين عن تخليص الأمّة من دائها.. و(تاريخ) كلمة تعني: جملة الأحوال والحوادث التي يمرّ بها كائن أو أمّة أو شعب!.. فَسَجِّل يا تاريخ.. سَجِّل!..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الفَذْلَكَةُ -كما ورد في المعجم الوسيط- هي: [مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ]، وهي لفظة محدَثة.
وسوم: العدد 761