حاجة الثائرين السوريين إلى التربية الإسلامية
د. محمود نديم نحاس
أهداني الصديق العميد المتقاعد الدكتور علي الحميد نسخة من كتابه (التربية الإسلامية وأثرها في الأمن والأداء الوظيفي). والكتاب في أصله رسالته للدكتوراه وقد تم تطبيقه على رجال الأمن، لكنه يقول في مقدمة طبعته الثانية أن الهدف الأساس منه هو إفادة جميع الموظفين في زيادة أدائهم الوظيفي ورفع إنتاجيتهم من خلال الاستغلال الأمثل للتربية الإسلامية كعامل إيجابي مؤثر. وقد أثبتت دراسته وجود علاقة طردية بين التربية الإسلامية لرجل الأمن وأدائه الأمني ودوره في مكافحة الجريمة والحد منها.
وليس في وسع هذه المقالة المختصرة أن توفّي الكتاب حقه، لكني عندما تصفحت الكتاب وجدته مادة خصبة يحتاجها كل موظف فعلاً وليس فقط رجل الأمن، وقفز إلى ذهني فوراً إلى أن هذه التربية الإسلامية يحتاجها الثائرون السوريون. فكم أزعجنا ما رأيناه على اليوتيوب من بعض التصرفات السيئة المنسوبة إلى فئة قليلة منهم، رغم أننا لا نعرف إن كان أبطال هذه التصرفات منهم فعلاً أم من الشبيحة الذين يقومون بتمثيلها لتشويه صورة المطالِبين بحقوقهم وحريتهم.
وبغض النظر عن ذلك فإن الثائرين السوريين المطالِبين بحقوقهم يحتاجون للتربية الإسلامية كي يثبتوا للعالم كله أنهم ما قاموا إلا لاستعادة حريتهم وحقوقهم المسلوبة كالعدل والمساواة.
وقد عدّد الكتاب اثنتي عشرة وسيلة من وسائل التربية، والتي ورد بعضها في أحد مراجع الكتاب، وهو كتاب العالم السوري الرباني الشيخ أبوغدة – رحمه الله - والمعنون (الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم). أما وسائل التربية فيراها خمسة وهي: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والمجتمع، ووسائل الإعلام. ومن أمثلته حول أثر التربية الإسلامية يذكر كيف أسرع المسلمون وقاموا بإهراق الخمور في طرقات المدينة عندما علموا بتحريمها، رغم صعوبة الإقلاع عن شربها لمن أدمن عليها، في حين أخفقت أكبر دولة في العصر الحديث في تطبيق قانون أصدرته سنة 1919 منعت فيه الخمر، رغم الحملة الإعلامية التي رافقت ذلك.
ويركز الكتاب على تدريس مفردات التربية الإسلامية لرجال الأمن، وهي: القرآن الكريم، الثقافة الإسلامية، التشريع الجنائي الإسلامي، الفقه الإسلامي، الأحوال الشخصية، أصول الفقه، حقوق الإنسان في الإسلام، السياسة الأمنية والوقاية من الجريمة، علم القضاء وأصول الإجراءات الجنائية. ويوضح أن القَسَم الذي يؤديه رجل الأمن عند تخرجه يؤكد ثلاثة نقاط مهمة، وهي: تقديم الإخلاص لله تعالى على كل شيء آخر، التأكيد على القيام بالواجب في إحقاق الحق ورعاية العدل بأمانة وإخلاص، وتعليق الأوامر الصادرة عن الرؤساء على شرط مهم، ألا وهو أن تكون في غير معصية الله.
إن هذه التربية التي يشير إليها الكتاب هي التربية التي يحتاجها الثائرون السوريون كي يقوموا بعملهم إخلاصاً لوجه الله تعالى، لا يريدون في ذلك علواً في الأرض ولا فسادا، ليكونوا من المتقين ولينطبق عليهم قول الله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا. وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).