تركية والاتحاد الأوربي عود على بدء !! مخاوفنا المشروعة

مر أكثر من عقدين والحكومة التركية تبذل جهدها لتتأهل للانضمام للاتحاد الأوربي . تعديلات كثيرة في القوانين التركية على مستوى الحياة العامة ، والاجتماع والاقتصاد تم اتخاذها في تركية لكي تحظى هذه الدولة ذات الديموغرافيا والثقافة الإسلامية بشرف هذه العضوية .

يذكر أنه يوم كانت العلاقة ( التركية - السورية ) في أوجها ، سئل بشار الأسد عن رأيه في انضمام تركية إلى الاتحاد الأوربي ، فقال سورية تؤيد ذلك لأنها ستصبح عندها جارا لهذا الاتحاد الهام والمؤثر . طبعا كان ذلك قبل أن يشطب وليد المعلم أوربة عن الخارطة .

في مضمار المخاض ( التركي - الأوربي ) المتطاول قدمت الدولة التركية الكثير ، وكانت كلما قدمت أكثر ، ماطل الأوربيون أكثر ، وطالبوا بأكثر . في حين كانت تند تصريحات ناطقة بين الفينة والأخرى ترفع في وجه تركية المسلمة الكرت الأحمر . من هذه التصريحات ، التصريح البابوي الشهير بأن أوربة يجب أن تظل ناديا مسيحيا وللمسيحيين . وكان الموقف الفرنسي من أشد المواقف صراحة في الاعتراض على انضمام تركية للاتحاد ، بينما كانت سياسات دول أخرى تعتمد الاستثمار في المطلب التركي إلى أبعد الحدود ، كلما تنازل الأتراك قالوا لهم ( جيد وغير كاف ) وهذه أخبث أساليب الماكرين .

ليس من شأن غير الأتراك أن يقوّموا الفائدة المرجوة من انضمام تركية إلى كيان لا تنتمي إليها . وربما عباراتنا العاطفية التي تعودنا تردادها : أن تكون تركية قاطرة في عالم المسلمين خيرا لها من أن تكون مقطورة في عالم الأوربيين ، لم تكن تعني أكثر من بلاغة شعرية جميلة ، ومع إلحاحهم أن السيد رجب طيب يحب الشعر كثيرا ، فإنها لم تكن تعني له في حساب البيدر الكثير .

في عام 2017 ، وبسبب عوامل كثيرة ، كان قبلها طوفان اللاجئين السوريين ، ومنها محاولة الانقلاب اللئيم في 2016 ، تغيرت المعادلة في العلاقة التركية - الأوربية ، وبدأ التراشق على أشده ، وخرج من السر إلى العلن ، وراح السيد أردوغان يتهم دولا أوربية ( بالنازية ) و ( الفاشية ) وهم يردون عليه بالاتهام بالاستبداد وبالإسلامية ..

وتوالت التصريحات تترى من الجانب التركي أن تركية لن تظل واقفة بباب الاتحاد الأوربي ، وأنها لم تعد معنية به ، وأنها تمتلك بدائلها في فضائها الإسلامي الكبير . بألم نقول إن كثيرا من الدول العربية والإسلامية أغلقت الأبواب بشكل محزن ومخجل أمام دور تركي مرّشد ومبّصر ومعين .

في مطلع 2018 ، وفي لقاء بين الرئيسين ماكرون وأردوغان ، أعلن الأول أن تركية مرحب بها في ( حلف شمال الأطلسي ) كلام له خبؤه وأبعاده ، ورد أردوغان بأن تركية لم تعد تهتم بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي !!

على ضوء هذه المعطيات ، وبعد عشرة أشهر على آخر اجتماع قمة بين الأتراك ورئاسة الاتحاد تابع الرأي العام بالأمس دعوة إلى قمة ( تركية - أوربية ) تستضيفها بلغاريا يوم الاثنين 26 / 3 / 2018ر ...

وقد استقبل السيد أردوغان القمة بالقول : يجب إنعاش عملية انضمام تركية للاتحاد الأوربي . وليؤكد على أن حصول بلاده على عضوية كاملة في الاتحاد الأوربي ما يزال هدفا استراتيجيا لبلاده !!

وليرد رئيس الاتحاد المكلف بإدارة المفاوضات : إن الاتحاد الأوربي يتطلع إلى تحسين العلاقات مع تركية ، ولكنه لن يتردد في توجيه الانتقادات ..

أي انتقادات ؟ وكيف ستتعامل الحكومة التركية مع هذه الانتقادات ؟! هذا ما يهم الشعوب المطحونة في المنطقة ، ومنها شعبنا السوري .

والجدير بالذكر أن الحكومة التركية عقدت اتفاقا مع الاتحاد الأوربي على حساب اللاجئين السوريين كان المنتظر أن تتسلم به بموجبه مبلغ 6,4 مليار دولار من الاتحاد ، ولكنها مع التزامها بما تعهدت به ، أخل الأوربيون بالتزامهم فلم تحصل منهم على شيء ..

ومع أن الأنباء الواردة من ختام القمة اليوم لم تعد بالكثير ، إلا أن الأكثر إثارة للخوف أن منشار الابتزاز الأوربي عاد سيرته الأولى ..

ومن حقنا كسوريين أن نفكر ما هو السر وراء إعادة ملف مثخن كهذا الملف في هذه الظروف ؟! ما هو حجم الانتقاد الأوربي للسياسات التركية في الملف السوري ؟! الاتحاد الأوربي الصامت عن جرائم الروس والإيرانيين والأسديين في الغوطة وغيرها ، والذي ما زال يدندن حول جريمة مزعومة موهومة حيث مر الأتراك في جرابلس أو في الباب أو في عفرين ما ذا يريد ؟! ، أي استثمار سيستثمر بدغدغة عواطف الأتراك من جديد ..؟! وكيف سنتقي شره بعد أن شارك في إغلاق جميع الأبواب علينا منذ سنين ؟!

اللهم ألهم إخوتنا الأتراك رشدهم ، وأعذهم من أمنيات الشياطين ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 765