معركة الوعي
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
ظاهرة نقل مقولات من التراث وعلاقتها بالقدرة على الانتاج المعرفى وتحريك القطار العربي
قالوا وفعلوا وانجزوا !! ... ولكن الاهم هو ...حضرتك ماذا قلت !؟ وماذا فعلت !؟ وماذا أنجزت !؟
بتحويل المعنوي الى محسوس يتضح المقال ، في مجال العلوم الكونية ، لو جاء احدهم
ليبشرنا ويخبرنا بإنتاج المصباح الزيتي ، أو باختراع العربة الخشبية التي تجرها الخيول .
السؤال هو : كيف سيكون رد فعل حضراتكم عليه ؟ هذا هو ملخص الفكرة .
وهذا المثال في عالم انتاج الماديات ، ولكن الأمر اكثر أهمية وأشد خطورة في مجال صناعة العقول وبناء الانسان والمجتمعات الساعية للتحرر والتحضر ، وامتلاك استحقاقات ودفع ثمن دخول الجنة ، التي عرفت بأنها غالية الثمن جدا وتحتاج لفكر وعمل وجهد مستمر حتى لحظة المغادرة واقلاع الروح من الدنيا .
قال : ابن القيم ، قال ابن تيمية ، قال المحاسبي ....الخ ،مع التعليق عليها بأنها كلمات تكتب بماء الذهب على صحاف من فضة .... الخ
لا شك في أنها أفكار ومقولات بنت عصرها ، جاء نتيجة لمعادلة مكونة من ثلاثة عناصر
فهم العالم للدين × مستوى عقله وعلمه × تفاعله مع مشاكل وتطلعات عصره
لهذا جاءات أفكار العلماء السابقين بنت عصرها بمعنى :
ــ أنها تجيب على أسئلة وتطلعات عصرها ، وليس بالضرورة ان تظل صلاحيتها كلها
أو جزء منها لهذا العصر .
ــ قد تكون جيدة في ذاتها ولكنها ليس مناسبة لواقعنا وظرفنا الحالي الذى نعيشه
ــ كما أنها مرهونة بالبنية المعرفية للعالم نفسه ، والمرتبطة بما بلغه نمو العلوم والمعارف في في هذا العصر ، والتى تتقادم كثيرا جدا جدا عن واقعنا الحالي ، ومستوى تحصيله واستيعابه لها .
ــ مرهونة بالمستوى العقلي للعالم نفسه والتي تساهم بشكل كبيرفي تحديد
مستوى العمق الفكري ، وشمول وجودة الفهم والتناول ، ومدى صالحيته للنقل والاستخدام
ــ مرهونة بالميول الثقافية والاجتماعية والسياسية ، والتي تحدد السياق العام
لكل ما يصدر عنه من أفكار ومقولات ، فهناك العالم الحر ، وهناك عالم السلطان
وهناك العالم المتاجر بالدين ...الخ
ــ أنها خاصة بعلاج أمراض المرحلة ، ولتعليم وتأهيل وتهيئة المجتمع لتحقيق تطلعات المرحلة
في المجمل العام لكل عصر انتاجه الفكري الذى يعبر عن :
1 ــ مستوى العلماء والبشر الموجودين في هذه المرحلة
2 ــ قدرتهم على فهم واستيعاب المعارف السابقة والمحيطة ، وإنتاج أفكار ومعارف جديدة
للعبور بواقعهم الى المستقبل الأفضل
3 ــ تفاعل النخب العلمية والثقافية مع مشاكل وتطلعات المرحلة ، ومن ثم غزارة ما ينتجون من أفكار ومعارف .
أو ضعفهم وتكلسهم عن مواجهة أسئلة وتحديات وتطلعات المرحلة ومن ثم هروبهم
الى الأمام بإعادة نقل أفكار وإجابات وعلاجات الأجيال السابقة ، او التنحي جانبا على قارعة الطريق والسكون التام عن التفكير والإنتاج .
ــ لاشك ان لهذ الامر السهل البسيط من قص ولزق من كتب التراث ، وتكرار النشر
لاشك أن له بعدين نفسيين :
الأول : هو الارتباط العاطفي فقط بتراثنا ومجدنا السابق ، المنزوع من الفعل الإيجابي
بالاستفزاز المعرفي وبذل الجهد في البحث العلمي والإنتاج المعرفي المتجدد .
الثانى : اعلان الإفلاس الفكري والاستسلام للهزيمة الفكرية في الواقع
وكلا الاحساسين سلبيين جدا لأمة منهزمة فكريا وتريد ان تقوم وتنهض .
أتمنى على الله تعالى ، واطالب إخواني خاصة الباحثين والمثقفين منهم والمعنيين بإعادة تشكيل عقل الأمة :
1 ــ الإجتهاد في دراسة وفهم التراث ، وإستدعاء ما نحتاج منه في موضعه
ولكن في سياق عملية ومعادلة الإنتاج المعرفي المعاصر
2 ــ الإنطلاق من الواقع ، أي من امراضنا ومشاكلنا وتحدياتنا ، وتطلعاتنا لمستقبل افضل
وإعمال العقل بشكل جيد ، وبذل الجهد الفكرى ، والشجاعة العلمية وإنتاج أفكار جديدة
تقدمونها للمجتمع كعلاج فكرى طازج ومعاصر وموائم لواقعنا .
والكف عن منهج القص من التراث واللصق على صفحات الكتب والسوشيال ميديا
وما أسهلها من وسيلة .
3 ــ المشاركة بقوة ، وتقديم النموذج القدوة العملية في نشر ثقافة الإنتاج المعرفي
وتعليم الباحثين أسس ومهارات الإنتاج المعرفي المتجدد ، من اهم واجبات المرحلة الحالية .
أضرار القص واللصق من أفكار وإجابات وتوصيات العلماء السابقين
1 ــ أغلب المقولات ربما لا تأتى موائمة لواقع أمراضنا الحالية ، وربما جاءات
مخدرة عن العلاج ، حتى يتفاقم المرض ويدمر أصحابه
مثال : الدعوة للصبر والاحتساب وانتظار الفرج ، في وقت تحتاج الامة فيه كل عقل وفكر وطاقة .
مثال : مقولات التسامح في وقت الحسم ، او مقولات الحسم في وقت التسامح
....الخ من الأمثلة الكثيرة
2 ــ تضيع تكلفة الفرصة البديلة لشغل العقل والفكر والجهد بإنتاج العلاج والجواب المعاصر الشافي أن شاء الله
3 ــ الجمود على حد النقل المعرفي ، وحرمان العقل من التدريب وتعزيز القدرة على الإنتاج المعرفي
4 ــ استنزاف الجهد والوقت في مسح رسائل الواتس ورسائل المازنجر والفيس والايميلات من هذا النوع من المقولات
تجربة ومعاناة عملية خاصة بى شخصيا مع النقل والإنتاج المعرفى :
اولا : في مركز هويتى لبحوث ودراسات القيم والهوية تعاملت مع ما يقارب الخمسين باحثا من المنطقة العربية من حملة الدكتوراه والماجستير ، لم اجد من يصلح منهم الا أربعة فقط يجيدون الإنتاج المعرفى ، وبقيتهم لا يجيد ولا يفكر ولا يتجرأ على انتاج معرفة جديدة من صناعته وانتاجه الفكرى الخاص .
ثانيا : عزفت واخذت قرارا بعد الاشراف العلمى على ما يطلق عليه خداعا في عالمنا العربى من رسائل الماجستير والدكتوراه ، الا من رحم ربك لأنى مع الحالات التي شاركت فيها
اجد الطالب قد جد واجتهد في النقل من فلان وفلان ، ويبرع في تعداد المراجع
بيد انى أساله عن نفسه ، وماذا قلت أنت ؟ وماذا انتجت أنت ؟ فيجيب قال العلماء
فاقول له انتهى الامر ، شكرا لك ، أبلغك اعتذاري .
هناك باحثون يعوقون الامة عن مجرد السير ، وهناك باحثون قاطرة لتحريك وتسيير
وتقدم الأمة ، لا نريد الا النوع الثاني فقط .
____________
د.إبراهيم الديب: المؤسس والمدير العام للمجموعة العربية الماليزية للعلوم والتنمية /هويتي ــ ماليزيا.
وسوم: العدد 766