اغتيال ذاكرة مدينة
نشوان عزيز عمانوئيل /ستوكهولم
اهداء...الى حارس ذاكرة الموصل
الاستاذ الفقيد واثق الغضنفري الذي اغتالته ايادي الغدر السوداء
لكل مدينة في العالم ارث وتاريخ وذاكرة حية تحكي بلسان حالها حكاية تاريخ وحضارة ورموز وقامات ساهمت بشكل او باخر في زخرفة جمالها وبهاءها ولان للتاريخ ابواب كثيرة فهناك اناس دخلوا تاريخ المدن بما تركوه من بصمات مميزة وفعالة كان لها الاثر الكبير في احياء ذاكرة التاريخ ليحكي للاجيال اللاحقة قصصا وحكايات واساطير لاتمحى مهما تقادم الزمن عليها بحلوها ومرها
ولان الاغتيالات ليست فقط جسدية فهناك اغتيالات ثقافية وفكرية وادبية وفلسفية
لذلك ساحكي لكم اليوم قصة قصيرة عن اغتيال ذاكرة مدينة باكملها..حكايتي اليوم هي عن مدينة الموصل ولمن لايعرف مدينة الموصل او نينوى فهي مدينة تاريخية تمتد عبر امتاد التاريخ السحيق وقد ذكرت في اوائل الكتب المقدسة لما لهذه المدينة من دور فعال منذ فجر التاريخ والى يومنا هذا..مدينة حكمها نبوخذ نصر واشور بانيبال وحمورابي ..مدينة بحث فيها كلكامش عن سر الخلود..مدينة لها الف لسان والحديث عنها معناه الحديث عن مكتبة باكملها ولاتكفيني مئات الصفحات لوصف هذه المدينة الضاربة في عمق الذاكرة و التاريخ.
وبطل قصتي لهذه الحكاية هو الاستاذ واثق ممدوح الغضنفري.. هذا الرجل الذي تميز بحبه الشديد لمدينته الجميلة,كان صوتا مميزا من اصوات الصحافة الحرة وقامة من قامات هذه المدينة حتى لقب بحارس ذاكرة الموصل..ترك بصمات مذهلة في احياء ذاكرة الموصل وتميز باسلوبه السهل الممتنع وهو يوثق تاريخ هذه المدينة عبر برنامجه الشهير (بالمصلاوي) حتى دخل قلوب البسطاء وصار متنفسا كبيرا لكل عاشق للمدينة وبالاخص للمغتربين اللذين تركوا مدينة الموصل في ليلة وضحاها هربا من بطش الارهاب
ولكن كحال كل الكفاءات تم اغتيال صوته وتكميم فمه الذي طالما اخرج لنا كنوز هذه المدينة العريقة التي احبها حتى الاستشهاد وابى ان يغادر ترابها..تم اغتياله في وضح النهار وبذات السيناريو اللعين (من قبل مسلحين مجهولين) وبالطريقة الوحشية ذاتها..تم اغتياله بمسدسات كاتمة للصوت لكي يكتموا صوته الحر الابي ولكي ينضم صوته الى عشرات بل مئات الاصوات التي اغتيلت لكي يعلو صوت الباطل على صوت الحق لكي يعلو صوت الدواعش على صوت الحياة.. في بلاد اصيبت بلعنة الكراسي والمواد اللاصقة فصار كل من يجلس على ذلك الكرسي المشؤوم يصاب بمرض التحجر فيتحجر قلبه على ابناء شعبه وتتحجر رؤيته للاشياء فلايرى الا باتجاه واحد
ولكن هيهات وفي عرقنا دم ينبض بحب الحياة..هيهات ومداد اقلامنا يجري في عروقنا ليعري كل اصحاب الكروش الكبيرة والقلوب الصغيرة ممن جفت ضمائرهم وصاروا وبالا على بلادنا..وعلى قول ابا القاسم
فلابد لليل ان ينجلي...ولابد للقيد ان ينكسر
تحية حب وعرفان لفقيد مدينة الموصل وحارس ذكرياتها وتراثها الاستاذ واثق ابو كرم الذي لمس قلوب محبيه وعانق ذكرياتهم المنسية فصار اشبه بلوحة موصلية تعانق الجدران القديمة وتغفو على ضفاف دجلة الخير.