فِلَسطينُ لَمْ تَكُنْ نَكْبَةْ
لم يعد بالنسبة لي- أنا السوري- ماحدث في العام 1948 في فلسطين فسمي وقتها " نكبة فلسطين " حقيقةً تاريخية تعبر عن المصيبة الكبرى التي حلّت على العرب آنذاك باحتلال الاسرائيلين لها ، بل اني الآن أكاد أحسدهم على هذا الاحتلال ، وأعتقد أن تسمية إحتلال فلسطين بـ " النكبة " رغم عِظَمه وهول المصيبة فيه ، إنما كان تضخيماً إعلامياً متعمداً ضمن خطةٍ متكاملةٍ مدروسة اعتمدت نظرية "الصدمة" لِتَأسُرَ بَصَرَ وبَصيرةَ الشعب العربي إلى هذا الحدث ، بينما يتم صناعة "النكبة الحقيقية" وراء ظهورهم ، هذه النكبة التي أصبحت اليوم واقعاً نعيش تفاصيله في كل يوم يُقَتل ويُهَجّر ويُعتقل فيه العربي في بلاده على يد جيشه وحكومته ، التي رفعت وترفع كذبًا شعار تحرير فلسطين ، إن هذه الحكومات التي أغلقت حدودها على شعبها مُذ أُنشئت كانت ومازالت هي النكبة الحقيقية والدرع الذي حمى إسرائيل طوال عمر وجودها ، وهي أيضا سلاحها الذي تَقتل به وسجنها الذي تَعتقل فيه وفَسادها الذي تريد تعميمه .
إن ما بتنا نوقن به اليوم بعد 70 سنة على احتلال فلسطين ليس حالةً عاطفية أو توقعاً سياسياً حركته الأحداث ، بل واقع تثبته إحصاءات ودراسات تثبت بالأرقام المبرر الذي أوصلنا لهذه النتيجة ، التي كانت قبل ربما مجرد شك فضحته الثورات الشعبية بدمائها وتضحياتها منذ عام 2011 وحتى اليوم ، ففي تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد عن مؤتمر عقده مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية في فلسطين من رام الله في 4 يونيو – 2017 يذكر فيه : أن أعداد الشهداء التي تم توثيقها منذ العام 1967 وحتى ساعة عقد المؤتمر قد وصل إلى " 42،000" فلسطيني ، في حين ذكر مركز بديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين على موقعه الرسمي أن عدد اللاجئين الفلسطينيين بلغ حتى نهاية عام 2017 "5،825،000" لاجئ خارج فلسطين ، وإن أعداد اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة قد بلغ
" 2،250،000 " .
في المقابل
فإن تقريرا عن المركز السوري لأبحاث السياسات الذي نشرته صحيفة الغارديان في شباط 2016 يذكر أن عدد الخسائر البشرية التي لحقت بالسوريين خلال خمس سنوات فقط من 2011- 2016 تجاوز " 450،000 " سوري ،
في حين وصلت أعداد اللاجئين إلى أكثر من 4،000،000 لاجئ خارج سوريا ، بينما بلغت نسبة النزوح الداخلي 45% من نسبة السكان التي انخفضت إلى 21% قياسا إلى ما قبل الثورة .
بناءاً على ما جاء في هذه التقارير وغيرها الكثير الذي أتمنى لو كان المجال يتسع لذكرها كلها ، وبعملية حسابية بسيطة سنجد انه :
1- قتلت اسرائيل خلال 50 سنة 42،000 فلسطيني ، في حين قتل الاسد خلال 5 سنوات 450،000 سوري ؟!
2- هجرت اسرائيل خلال 70 سنة 6،000،000 فلسطيني في حين هجر الاسد خلال 5 سنوات ما يزيد عن 4،000،000 سوري والأعداد في تزايد ؟!
هذا الحال في سوريا هو مجرد مثال لاتختلف عنه حال العراق ومصر وليبيا وتونس وبقية البلاد العربية مستقرة كانت أم ثائرة على اختلاف ظروفها وشكل الحكم فيها .
فأي نكبة هي نكبة فلسطين أمام ما نعيشه الآن من نكبة ؟! ، وأي تحرير أو مقاومة أو ممانعة هذا الذي نأمله بوجود هذه الحكومات والجيوش الوظيفية ؟! التي مازالت حتى اللحظة تذرف دموع التماسيح على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بينما في الوقت ذاته تحتفل في مصر سفارة إسرائيل بمرور 70 سنه على قيامها ؟! ويغلق السيسي معبر رفح أمام الجرحى من مسيرة العودة الكبرى ؟! هؤلاء الأبطال الذين تجاوز عدد جرحاهم ال 2000 جريح مقابل 58 شهيد ، لم تستطع دمائهم أن تكبح وقاحة عباس في أن يستخدمها ورقة ضغط لتمكين حكومته في غزة ؟! كما أنها لم تكبح وقاحة إمعات الخليج الذين صدعوا رؤوسنا هذه الأيام بالحديث عن المظلومية والحق التاريخي لليهود ؟! ولا وقاحة بشار عندما يؤكد أن أمن إسرائيل من أمنه ؟! ولا وقاحة بقية الحكومات التي جعلت لأعدائنا سفارات ومكاتب ارتباط في أغلب الدول العربية ؟! .
لقد بات واضحًا وجلياً أنّ هذه الحكومات مجتمعة على اختلاف أشكالها ، بما واجهت وتواجه به ثورات شعوبها قتلاً وتدميراً وتشريداً من جهة ، ودفعاً حثيثاً باتجاه التطبيع مع اسرائيل من جهة أخرى ، إنما هي تمهد لإسرائيل مرحلةً جديدة تنتقل بها من كونها " كياناً " غريباً كان مهدداً دوماً ب "الابتلاع "من محيطه العربي السني المعادي له والساعي إلى زواله ، إلى " دولة " متفوقة في محيطٍ تسيطر عليه "أقليات " تنسجم معها وترتبط بها بعلاقات دبلوماسية واقتصادية تؤمن بقائها ، وأنه ليس من سبيل أمام الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة والتقدم إلا بزوال هذه الحكومات مهما كلف الأمر من تضحيات أو استغرق من زمن .
وسوم: العدد 773