إيلاف قريش..
يعود الفضل إلى قصي بن كلاب في توحيد قريش، ولذا سمي بالمجمع. تشير الإبحاث إلى أن أخوته لأمه من قضاعة ساعدوه في ذلك الأمر بتأييد من الحاكم الرومي في سورية وفلسطين.
منذ النصف الثاني من القرن الخامس للميلاد أخذت قريش تلعب دورًا في التجارة الدولية، أو ما عُرف بتجارة الترانزيت التي تقوم على نقل البضائع الواردة إلى اليمن من الحبشة والهند مثل العطور والتوابل والملابس والجلود إلى مكة ومنها إلى بصرى الشام ودمشق وغزة وغيرها من المدن الشامية. كانت القافلة مؤلفة من عدد كبير من الجمال ويقال إنها بلغت الألف. عند عودتهم جلبوا بضائع من سوريا وفلسطين مثل الزيت والحبوب والقطاني والمجففات والخمور.
تشير المصادر إلى أن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب توصل إلى اتفاق مع الحاكم البيزنطي في الشام يجيز لتجار قريش الدخول إلى بلاد الشام بتجارتهم ويخفف المكوس المفروضة عليها. اتفاق كهذا أجراه عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب مع النجاشي في الحبشة، بينما قام المطلب بن عبد مناف بالاتفاق مع قبائل اليمن. فسارت خرجتان في السنة، أي رحلتان. الرحلة الأولى رحلة الشتاء إلى اليمن لأن الأمطار الموسمية في اليمن تسقط في الصيف، والرحلة الثانية إلى الشام في فصل الصيف.
هذه الاتفاقيات كانت تحتاج إلى ضمان عدم هجوم القبائل العربية على القافلة، أو جواز يسمح بالمرور. من أجل تحقيق هذا الهدف قامت قريش بحمل ما يتوفر لدى هذه القبائل من تمر وما شابهه وباعته في الشام أو اليمن ودفعت ثمنه للقبائل مع الربح نظير حمايتهم للقافلة المارة في حمى القبيلة. كما أنها دفعت لهم أموالاً واستأجرت أبناء القبائل لحماية القافلة، كما أنها سمحت للصعاليك بالدخول إلى مكة دون التعرض لهم لأنها البلد الأمين أي الآمن.
هذا النظام التجاري المهم أطلق عليه اسم إيلاف. وهو من ألف الشيء بمعنى اعتاده ولزمه. ويقال من ألف، لأن القافلة كانت مكونة من ألف جمل. والتفسير الأول هو الأقرب إلى الصحة. واصطلاحًا هو الرابطة التجارية التي تؤلف بينهم.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: لإيلاف قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف(سورة قريش).
والمعروف أن مكة واقعة في واد غير ذي زرع. أي لا تعتمد على الزراعة كما المدينة المنورة. فالله أطعمهم من جوع من رحلتي الإيلاف.
حاول ابرهة الأشرم الحبشي احتلال مكة وأخافة أهلها ولكنه نكص على عقبيه بعد أن فتكت الطير الأبابيل بجيشه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك.
يقال أن نوفل بن عبد مناف أجرى اتفاقًا مشابهًا مع ملك الحيرة وكسرى ملك الفرس. ولكن لا نملك معلومات كافية عن تسيير رحلة إلى العراق.
بقي أن نقول إن قبيلة قريش سميت بهذا الاسم من التقرش وهو التجارة وكان اسمها قبل الأيلاف غالب بن فهر.
قال مطرود بن كعب الخزاعي:
يا أيها الرجل المُحوّل رحله ** هلا نزلت بآل عبد مناف
الآخذون العهد في آفاقهم*** والراحلون برحلة الإيلاف.
وسوم: العدد 773