دعونا نحاسب أنفسنا

في مرحلة الضّياع التي نعيشها كعرب ومسلمين، يبدو أنّنا لا نزال بعيدين عن فهم دورنا في الحياة، تماما مثل بعدنا عن فهم ديننا، وفهم المطلوب منّا، فنبرّئ أنفسنا من خطايانا وأخطائنا، ونحاول تحميلها لغيرنا بسبب التّبريريّة التي ننشأ ونتربّى عليها كثقافة موروثة مغروسة في وجداننا، ومن ضمن هذه التّبريريّة هي تساؤل كثيرين منّا عن سبب معاداة الغرب لنا ولديننا الاسلاميّ، فهل تجرّأ البعض منّا ووقف على الأسباب الحقيقيّة لذلك؟ وفي الواقع فإنّ من تجرّأوا وحاولوا البحث والتمحيص في محاولة منهم للنّهوض بالأمّة قد تعرّضوا للملاحقة والاضطهاد والسجن، كما حصل مع المفكّر الاسلامي اسلام بحيري في مصر، أو قد يتّهم بالكفر والرّدّة كما حصل مع عثمان صالحيّة صاحب كتاب "الدّراية" الذي أفنى عمره ناشطا في حزب التّحرير الاسلامي، مع أنّ كتابه يشكّل ثورة في الفكر الدّيني.

ويلاحظ أنّ العرب والمسلمين تثور ثائرتهم عندما يقرأ أحدهم أو يسمع أنّ هناك موقفا ما من شخص أو جماعة ما تعرّض فيه لأمر ما يتعلق بالاسلام والمسلمين، كمسألة ارتداء المرأة للحجاب أو النّقاب في بلدانهم، ونتناسى مثلا أنّها مسألة خلافيّة عند المسلمين أنفسهم، تماما مثلما نتناسى الأسباب التي دعت غير المسلمين في بلدان غالبيّة شعوبها ليست مسلمة لاتخاذ تلك المواقف.

وإذا ما كنّا منصفين ولكي لا نظلم أنفسنا بجهلنا السّائد عن الشّعوب والدّول الأخرى بسبب انغلاقنا الثّقافي، دعونا نعترف بأنّه ليس مطلوب من دول علمانيّة تفصل الدّين عن الدّولة وليس عن الشّعوب، أن تتبنّى الدّين الاسلاميّ وتعمل على نشره، لكنّ هذه الدّول لا تمنع حرّيّة العبادة والمعتقد على أراضيها، وإذا ما أخذنا أمريكا على سبيل المثال، التي تعادي حكوماتها المتعاقبة شعوبنا وحقوقنا وتنحاز لأعدائنا بشكل سافر، إلّا أنّها تسمح ببناء المساجد فيها، وتسمح بوجود مدارس تعلم اللغة العربيّة والدّين الاسلامي، ولا تتدخّل الدّولة بأيّ شأن دينيّ أو حتّى إلحادي؛ لأنّ دستورها يحمي حرّية المعتقد، وقد شاهدت ذلك بعيني وعشته أثناء زياراتي لأمريكا لوجود ابني وعدد من اخوتي فيها، ومن ضمن ما شاهدته أنّ هناك من افتتحوا كنائس في بعض البيوت كمشروع استثماري يتقاضون عليه اشتراكات ممّن يرتادون الكنيسة، وإذا لم تكن جدوى اقتصادية لمشروع الكنيسة فإنّه يحوّلها لشيء آخر دون أن يتّهم بالكفر. وشاهدت الشّرطة الأمريكيّة كيف تغلق الشّوارع أمام غير المسلمين قرب المساجد؛ لتسمح للمسلمين بإيقاف سيّارتهم لتأدية صلاة الجمعة، وقد شاهدت آلاف النّساء المسلمات المحجّبات في أماكن مختلفة دون أن يتعرّض لهنّ أحد. وإذا ما حصل وجود شخص ما ارتكب  خطيئة بحقّ مسلم أو مسلمة حتّى لو كانت شتيمة، فإنّ المارّة يقفون ضدّه، وقد يحاكم ويسجن إذا ألقت الشّرطة القبض عليه.

أمّا عندنا فهناك من يعطون لأنفسهم الحق في أن يقفوا على منابر المساجد ويخطبون عبر مكبّرات الصّوت ضدّ المسيحيين واليهود" اللهمّ خذهم مددا ولا تبقي منهم أحدا"، وهناك من اعتدوا على كنائس وفجّروها وقتلوا المصلين فيها، وهذا حدث في مصر، العراق، سوريا وغيرها.

لكن دعونا نتساءل مرّة أخرى عمّن يعادون الاسلام والمسلمين، ومن ضمنهم زعماء وقادة كالرّئيس الأمريكيّ الحالي دونالد ترامب؟، ومن قبله جورج دبليو بوش، فمن أين اكتسبوا هذا العداء؟ ودعونا نفرّق بين مصالح وأطماع الدّول الامبرياليّة وبين ما يسمّى الحروب الصّليبيّة كما يحلو للبعض منّا أن يردّده.

وفي تقديري أنّ الاسلام مختطف ويساء إليه من أتباعه، فهل نلاحظ مثلا كيف يقتل المسلمون بعضهم بعضا؟ وكيف يوجد مشايخ عند الأطراف المتحاربة يفتون بقتل الأطراف الأخرى؟ ألم نتوقف أمام ظاهرة الارهاب المتلفع بثياب الدّين كالقاعدة، داعش، جبهة النّصرة وغيرها؟ ودعونا نتساءل: هل استطاعت اسرائيل في حروبها واعتداءاتها المتكرّرة على دول المنطقة أن تقتل وتدمّر ١٠٪ ممّا قتلته ودمّرته تنظيمات الارهاب المتأسلم في سوريا، سيناء المصرية والعراق مثلا؟ وكيف يمكن تفسير استرقاق المواطنين المسيحيّين في سوريا والعراق؟ وكيف يمكن تفسير وفهم الرّسائل التي تحملها هكذا أعمال إلى غير المسلمين.

في حروب الارهاب الدّموي التي خاضها بالوكالة المتأسلمون في سوريا، العراق ليبيا وغيرها، تدفّق ملايين اللاجئين إلى دول مجاورة وإلى دول أوروبّيّة، وبغضّ النّظر عن كون الضّحايا في غالبيّتهم مسلمون، وأنّ ما يدمّر هو "ديار الاسلام" إلا أنّ الجميع شاهد كيف استقبل الأوروبّيّون اللاجئين، وكيف استقبلهم اخوانهم في العروبة والاسلام! فأحد المشايخ من عجلون شمال الأردن دعا إلى استرقاق الماجدات السّوريّات للانفاق عليهنّ! وتوافد" فحول" من دول الخليج ليتزوّجوا شكليا بماجدات من اللاجئين بعضهنّ في عمر الطفولة؟ ومن الغريب أنّ بعضا ممّن لجأوا إلى دول أوروبّيّة ولقوا الحماية والرّعاية فيها، ما لبثوا أن قاموا بأعمال ارهابيّة استهدفت مواطني الدّول المضيفة والرّاعية لهم، والبعض الآخر قام بمظاهرات يريد إقامة دولة الخلافة في أوروبا! فبربّكم دعونا نتصوّر أو نتخيّل لو كان الأمر معكوسا، كيف ستكون ردّة أفعالنا.

وهناك الكثير مما يمكن قوله في هذا المجال، فهل نعترف بأنّنا نعادي أنفسنا ونحرّض الآخرين على عدائنا بسبب جهلنا ودون أن ندري؟ قد يرى البعض في ذلك مبالغة، وهنا أسأل هذا البعض عن تفسيره لفهم معاداة السّنّة للشّيعة، وكيف تتحالف دول عربيّة مع اسرائيل التي تحتلّ فلسطين والجولان لمحاربة ايران المسلمة؟

وسوم: العدد 776