فوز أردوغان صفعة قوية لأنظمة الطغيان

إذا كان  محبو الديمقراطية  الحقيقية  لا  الديمقراطية المزيفة والإشهارية  قد فرحوا بفوز الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بنتيجة قاطعة لكل شك ، فإن حساده من الطغاة الذين يحكمون شعوبهم بالقمع أو بتزوير الانتخابات والعبث بها للتغطية على ديمقرطية زائفة بل صارخة الزيف قد تجرعوا مرارة الخيبة يوم أمس، وعضوا على أردوغان أنامل الغيظ حسدا من عند أنفسهم ،لأن فوزه كان  انتكاسة لطغيانهم ، وهو خطر عليهم لأن الشعوب التي ترزح تحت نير الطغيان والتزييف سترنو إلى التجربة الديمقراطية  التركية ،وتحلم بمثلها لتخرج من الوضعية المزرية في ظل الاستبداد  والفساد . والذين تربصوا الخسارة بأردوغان شرقا وغربا إنما فعلوا ذلك لأن فوزه فضح استبدادهم وفشلهم الذريع في الرقي بشعوبهم الرقي الحقيقي بعيدا عن الوصلات الإشهارية الزائفة والتي تموه عن حقيقة فشلهم .

ولقد أراد الغرب أن يستأصل من الشعب التركي المسلم هويته بتمكين نظام علماني مستبد من الإجهاز على كل مقومات تلك الهوية إلا أن هذا الشعب الأصيل لم يتخل عن هويته بالرغم من شراسة النظام العلماني المستبد  ، واستعاد مقوماتها واحدة تلو الأخرى ، فكان ذلك بفضل حكمة حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي  الذي وصل إلى سدة الحكم عن طريق اللعبة الديمقراطية وعرف كيف يقود البلاد إلى أسباب النهوض والرقي والتطور في زمن قياسي ، فأكد للشعب التركي أن مرجعيته الإسلامية لم تعق تحقيق برامجه التنموية  الوازنة كما كان خصومه يزعمون ، وكذب المقولة التي تحصر الرقي والتطور في التوجه العلماني دون التوجه الإسلامي ، كما أنه ضرب أروع الأمثلة في التعايش مع التوجه العلماني الذي لا يفكر إلا في استئصاله وإقصائه بكل الطرق والوسائل ما ظهر منها وما بطن . ومع أنه هذا الحزب لم ينهج سياسة إقصاء غيره ، فإنه لم يسلم من المكائد والتي كان آخرها محاولة انقلاب عسكري فاشل دبره خصوم هذا الحزب في الخارج ومولوه إلا أن الشعب التركي الأصيل كان في الموعد وكان في المستوى ، وكان أروع ما يكون، فأحبط المؤامرة ، ورد الحاقدين بغيظهم لم ينالوا شيئا .

 وبالأمس أعاد الشعب التركي ملحمته  الرائعة في حماية المكاسب الديمقراطية بوعيه النموذجي، وغاض أعداءه من الأنظمة الفاسدة التي بذل بعضها كل جهد مادي ومخابراتي للنيل من الرئيس أدروغان ومن حزبه ومن الشعب التركي الأصيل .

ولقد انهارت فكرة الحكم على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بالفشل ،وأثبتت التجربة التركية أن التزام  واحترام المرجعية الإسلامية على الوجه الصادق كفيل بدحض الحكم عليها بالفشل أو اليشكك فيها أوترويج  الأباطيل والأراجيف عنها .

إن نجاح أردوغان وحزبه ذي التوجه الإسلامي أكبر حرج وأكبر صفعة  للأنظمة الفاسدة والمستبدة والمتنكرة للهوية الإسلامية والمهرولة إلى أحضان العلمانية الغربية واللاهثة وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل ، ذلك أن الشعوب العربية لن تفقد الثقة في التوجه الإسلامي الذي حاولت تلك الأنظمة الفاسدة تلطيخ سمعته بشتى الطرق والأساليب بما فيها الانقلاب العسكري الدامي كما كان الشأن في مصر ، وهو ما أريد تطبيقه في تركيا فباء بالفشل الذريع لأن وعي الشعب التركي فوت الفرصة على أصحاب مؤامرة الانقلاب .

وكما أن نجاح حزب العدالة والتنمية يعتبر مصدر حرج كبير للأنظمة الفاسدة ، فإنه أيضا مصدر حرج للأحزاب التي تدعي المرجعية الإسلامية في الوطن العربي، والتي لم تنهج نهج حزب العدالة والتنمية التركي بالصدق مع مرجعيتها وبالتحصن بالشعوب عوض الانسياق وراء ابتزاز الأنظمة ،هذا إذا ما أحسن الظن بها  ، أما إذا ما اعتمدت المؤشرات الناطقة بل والدامغة ، فإن الشكوك تحوم حول انخراطها في التآمر على المرجعية الإسلامية المستهدفة خارجيا وداخليا . ولا يكفي أن تقتبس تلك الأحزاب  تسمية الحزب التركي ذي التوجه الإسلامي لتحقيق ما حققه من إنجازات قطعت كل الألسنة الحاسدة الحاقدة  بالمنجزات بل لا بد من الدفاع عن المرجعية الإسلامية وإثبات صحتها والنأي بها عما يطعن في مصداقيتها من خلال النأي عن كل المواقف والقرارات المشبوهة التي تقيم الحجج على عدم مصداقيتها وتبعث على الشك والتشكيك فيها فضلا عن تقديم ما يؤكد ذلك من منجزات ناطقة .

فهل ستغير الأنظمة الفاسدة من سياسية الكيد للتجربة الديمقرطية التركية ؟ وهل ستقتفي الأحزاب المدعية للتوجه الإسلامي في الوطن العربي أثر حزب العدالة والتنمية التركي أم أنها ستكتفي بالتشبه الشكلي به دون بلوغ مضمونه الذي انعكس فعليا وإجرائيا على واقع المجتمع التركي السائر بخطى حثيثة على درب الرقي ؟

وهل ستخرس الأصوات العلمانية والطائفية التي لا شغل لها سوى الكيد للمرجعية الإسلامية حيثما وجدت ، وهي المرجعية الكفيلة بإخراج هذا العالم البائس من وضعية قانون الغاب إلى وضعية عالم يسوده السلام والأمن والرخاء ، لأن هذه المرجعية مصدرها رب العباد جل جلاله الخبير بما يبلغ بالبشرية مكانة التكريم الذي خصها به في محكم التنزيل ؟

وسوم: العدد 778