في ذكرى رحيل علي علان

فؤاد الخفش

لعلها الذكرى الأولى التي تمر على الشهيد علي علان بعد وفاة الهالك شارون الذي وقف في عام 2002 على أحد تلال مغتصبة (جيلو) القريبة من مدينة بيت لحم، وقال لجنوده وأجهزته:" أريد علي علان ميتاً، فلن تعيش هذه المستوطنة بأمن ما دام علي يشم الهواء".

مات الهالك شارون بعد عذاب رباني مع المرض، دون أن يشارك بجنازته أحد وارتقى الشهيد علي علان بعد حياة حافلة بالجهاد والتضحية والفداء وبصمات لا يمكن لأحد أن ينكرها، فهب الشعب من جنين للخليل يهتف باسم وحياة الشهيد الذي كبد العدو قتلى وخسائر دفعت شارون للمطالبة برأسه.

وفي لقاء عابر في منزل الشيخ سعيد بلال جمعتني محاسن الصدف بالرجل الذي قال لي بأنه صديق للأسير معاذ بلال وبأنه أسير محرر فسررت به رغم صمته، ومضت الأيام وبدأت موجة اغتيالات كبيرة شنها الاحتلال ضد نشطاء المقاومة، وفي إحدى المرات حدث انفجار ضخم بالقرب من مشفى نابلس التخصصي فتوجهنا نحو المكان، فكان هناك الشهيد أيمن حلاوة وكان هناك شاب آخر مضرج بدمائه لم يعرفه أحد وليس من أبناء المدينة.

عض الشاب على جراحه ودمائه وكان يتمتم ببضع كلمات، طلب أن يحضر له أحد المشايخ، فأحضروا له من أراد، همس في أذن الشيخ فتغير لون وجهه، وعلمنا فيما بعد إن الشاب المضرج بالدم اسمه علي علان فتذكرته على الفور، والأهم من ذلك كله هو أن من كان يقف وراء الاغتيال عميل مزروع في قلب المجموعة كان قد فارقهم قبل دقائق من الانفجار، فأرسل برسالة عاجلة للمطارد المهندس مهند الطاهر أن احذر من هذا العميل فصدحت حناجر الشباب تنادي المطارد مهند:" أن احذر من هذا العميل".

لم يمت، ونجا علي علان ليحذر رفاق الدرب، وأمضى فترة ليست بالبسيطة يداوي جراحه إلى أن تعافى، وذات مرة زرته في شهر رمضان داخل سجن نابلس المركزي، فكان يجلس كالطود الشامخ يعشق الصمت لكن عيونه كانت تتحدث عن حبه لوطنه وقراره بالتصدي لجرائم الاحتلال في بلده.

مضى علي يطارد الاحتلال، وفي كل أسبوع كان شارون يسأل عن اعتقاله، فيصمت مستشاريه فيستشيط المجرم غضباً ويشدد الطلب بضرورة إنهاء إزعاج علي علان، فاعتقل الاحتلال زوجته التي تركت خلفها نجلها الوحيد معاذ والذي لم يتجاوز العام، وهدم الاحتلال منزله واعتقل أمه وأبيه وجميع أشقائه وضيق على العائلة، وزادت عمليات علي ليصل عدد من قتل فيها من اليهود إلى 50 قتيلاً.

وإلى أن أتى ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت 18/3/2003 والذي كنت فيه معتقلاً في سجن النقب ومعي شقيق الشهيد علي، تناقلت جميع وسائل الإعلام عناوان: (انتهت قصة الأسطورة محمد علان بالاغتيال ) بكى الشباب والتف الأسرى في الساحة العامة حول شقيق الشهيد الذي بكى وأبكى الجميع.

مضى علي علان شهيداً إلى ربه، وخرجت زوجته من المعتقل، وكبر معاذ الفارس الصغير الذي تشرب روح وخُلُقَ أبيه، وقد أحسنت الزوجة والأم الصابرة (أمل ) تربيته وتنشأته، ومرت الذكرى تحمل معها ما تحمل من ذكريات مجبولة بالألم والحب.

في الحديث عن الشهداء ونبش الذكريات وإظهار مناقبهم لمن يقرأ سلوة، ولمن عاش معهم بعض الذكريات إثارة للشوق والحنين والأمنيات، وللأهل والأحباب ولمن لا يمكن لأحد أن يملأ المكان الذي تركه الشهيد حزن وألم يتجدد ماعادت الذكرى وسال المداد.

وفي الحديث عن الرجال ممن مضوا محاولة لضخ الدماء في جيل أسعى لأعرفه برجال صدقوا الله فصدقهم، رجال تركوا الدنيا وعجلوا لربهم ابتغاء مرضاته، وتثبيتاً لمن يعرفهم ومحاولة لتجديد العهد معهم.

في الحديث عن الشهداء أحاول في كل مرة أن أذكر بماض تليد وأيام عز ونشوة كانوا فيها أبطال الأخبار العاجلة وفرسان الميدان من يفرضون القرارات من خلال الكهوف والجبال بعيداً عن الفنادق والكاميرات.

وكما اعتدت أن أكتب إنه شرف ما بعده شرف أن نتقرب إلى الله بالكتابة عن هؤلاء الرجال ممن حفروا أسماءهم في الذاكرة حين كان الوطن مشروع يتسابق نحوه الشهداء، فلعلي الرحمة وللصابرة أم معاذ كل التحية على صبرها، ولمعاذ هنيئاً لك ما تركه لك والدك من فخر وفخار ولرفاقه وأهله كل الحب والتقدير.