شتان بين القول بغزو عربي لشمال إفريقيا و القول بفتح إسلامي
يأبى بعض الذين أعمى بصرهم وبصيرتهم التعصب العرقي للجنس الأمازيغي إلا تسمية الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا غزوا عربيا للنفخ في النعرة الطائفية والعصبية المنتنة ،علما بأنه لا يوجد بعد مرور قرون طويلة على الفتح الإسلامي عرب أقحاح أو أمازيغ خلّص لأن العرقان آخى بينهما دين الإسلام واختلطت دماؤهم وأنسابهم ، ولا يستطيع أحد سواء كان عربي الأصل أو أمازيغيا أن يثبت علميا أن الدم الذي يجري في عروقه دم عربي أو أمازيغي خالص ، ورحم الله صاحب المقولة المشهورة : " الفروج ليس عليها أقفال " .
وإنه من سخيف القول أن يظل بعض المتعصبين التعصب الطائفي الأعمى والسخيف يرددون مقولة متهافتة تسمي الفتح الإسلامي لبلاد المغرب غزوا عربيا لأن بين التعبيرين بون شاسع، ذلك أن الغزو قد يكون عدوانا على الغير في عقر داره بغرض النهب والسلب والقتل والاغتصاب والأسر والاستعباد ، وقد سجل التاريخ البشري نماذج من هذا النوع المقيت من الغزو قديما وحديثا ، وقد يكون بغرض نشر رسالة الله عز وجل ،ويسمى فتحا ، و قد ارتبط اسم الفتح بدين الإسلام، ولم يستعمله غير المسلمين من الأمم ، واللفظة قرآنية ذلك أن الله عز وجل سمى دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحا ، وهي يومئذ دار كفر لنشر الإسلام فتحا في قوله تعالى : (( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستفغره إنه كان توابا )). وحتى حين تطلق لفظة غزوات على الفتوحات الإسلامية لا تعني ما تعنيه عند غير المسلمين من عدوان ونهب وسلب وغصب واغتصاب .
ومعلوم أن الذين فتحوا بلاد شمال إفريقيا ومنها المغرب لم يفعلوا ذلك كعرب بل كمسلمين لإيصال دعوة الإسلام وفق تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يحذر المسلمين من الانحراف عن الفتح إلى الغزو ويقول لهم حين يتحركون لنشر دعوة الإسلام : " أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا باسم الله تقاتلون في سبيله من كفر به ، لا تغدروا، ولا تغلّوا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا ، ولا منعزلا بصومعة ، ولا تقربوا نخلا ، ولا تقطعوا شجرا ، ولا تهدموا بناء " .
هذه أخلاقيات المسلمين الذين فتحوا شمال إفريقيا وبلاد المغرب في فتوحاتهم ، ولم يسجل التاريخ أنهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يقرءون القرآن وفيه أن طاعة الرسول عليه السلام من طاعة الله عز وجل، وأن معصيته من معصية الله عز وجل .
ولا توجد أمة في التاريخ البشري القديم والحديث والمعاصر عرفت بمثل هذه الأخلاقيات في خوض الحروب . ولا يقبل اليوم ممن أعماه التعصب العرقي أو الطائفي أن يتهم المسلمين الفاتحين الأوائل لبلاد المغرب بأنهم قتلوا ودمروا وغصبوا واغتصابوا ، ويتخذ ذلك ذريعة لمناصبة الإسلام العداء بجعله عربيا وهو ليس كذلك بل هو كوني تنصهر فيه جميع الأعراق والأجناس وتتساوى ذممهم . ولو كان الفتح الإسلامي غزوا كما يسميه هؤلاء لما استقر الإسلام في بلاد المغرب ، ولانتهى كما انهى كل غزو سابق . ولقد دخل الأمازيغ في دين الله أفواجا لما رأوا في الفاتحين من أخلاق الإسلام السامية . ولقد صان الفاتحون المسلمون أرواح وأعراض وأموال الأمازيغ ،الشيء الذي حبب إليهم هذا الدين ، وتحولوا هم أنفسهم إلى فاتحين أوصلوا دعوة الإسلام إلى القارة العجوز ، وإلى القارة السمراء .
وسوم: العدد 791