المجتمع المصري .. إلى أين؟
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
لم تكن واقعة التحرش بفتاة كرداسة ثم قتل شقيقها؛ عقوبة له على قيامه بالدفاع عنها .. لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ لسبب غاية في البساطة وهو أنَّ طبيعة المجتمع تغيرت وصبغته تبدلت، فلا يغضب لدم ولا يستثار لعرض، ولا صوت فيه يعلو فوق صوت البلطجة، ولست ألوم المجتمع بقدر ما ألوم الذين أخذوه إلى شفير هذه الهاوية، ثم ما فتئوا يدفعونه من ظهره ويحفرون تحت قدمه؛ حتى وجد نفسه في لحظة من عمر الزمان قد خرّ من قمته السامقة إلى قاعها السحيق.
لم يمض زمان طويل على هذا المجتمع الذي كنا نرى فيه المرأة - من أي طبقة ومن أي شريحة ومن أي مستوى اجتماعي - تغدو وتروح آمنة، تتهادى بين جبال النخوة وتلال المروءة، توقن في قرارة نفسها أنها - بما يلفها من عناية الرجال - أعزّ من الملك بين حاشيته وجنده، وأبعد عن أيدي العابثين من الزهرة البعيدة تلفها الأفنان وتحوطها الأغصان، لم يمض زمان طويل حتى رأيناها - متحشمة كانت أو متبذلة - تتلفت في كل خطوها وتمضي واجفة كأنها لا تسير في بلدها وبين أهلها.
من هؤلاء الذين جروا المجتمع برمته إلى هذا المنحدر الهابط؟! أهم (البلطجية) الذين ينتشرون في طول البلاد وعرضها؛ ينشرون الخوف ويشيعون الذعر؟ أم هم أولئك الذين فكوا وثاق هؤلاء البلطجية وأطلقوهم من القمقم؛ ليحققوا بهم مقاصدهم الدنيئة في ترويع المجتمع وتأديبه على ثورة يتيمة ثارها، وفي نشر الخبال في ربوعه والفساد في أرجائه؟ أم إنهم الذين وراء هؤلاء وأولئك من القوى الإقليمية والدولية التي تدعم وتمول العملاء والدخلاء؛ بغرض إحلال الفوضى تمهيداً لمرحلة جديدة تراد للمنطقة كافَّة ولمصر خاصة؟ أم هم هؤلاء الغائصين في لجج الزحام فلم تجرحهم نصال السهام ولم تخدشهم شفار الأقلام، من أهل الفكر والعلم والدين والوعظ، الذين شغلهم هم دنياهم عن هم دينهم؟
والراجح لدى كل العقلاء أن التهمة تعم كل هؤلاء، لكننا بحاجة إلى إدراك للواقع يفتح لنا طريقاً للفكاك يمهد لنا سبيلاً للخلاص، إنَّ المجتمع المصريّ كان إلى عهد قريب يحيا تحت ظلال الهيبة وجلال الوقار، هيبة الدين ووقار المتدينين، فقد كان للجماعات والمؤسسات الدينية وقار ولخطابها هيبة؛ ومن ثم كان للدين أثره في السلوك العام للمجتمع، فمن لم يستجب للدعوة وينفعل بخطابها لم يجترئ على انتهاك حرمة ما دعت إليه أو تجاوز الحد فيما أولته عنايتها واهتماماها، إلى حدّ أنك إن زعمت أن الدولة كانت تحكم أبدان الناس والدعوة كانت تحكم نفوسهم لم تكن مغالياً ولا راكباً متن الشطط.
إلا أنَّ هذه الهيبة سقطت وهذا الوقار انهار؛ لسبب غاية في البساطة والتلقائية، وهو أنَّ الضربة القاضية واحدة، ترفع في لحظة خاطفة أحد المتصارعين وتخفض الآخر، وقد كان قبلها ملء العين والبصر، تهتف الجماهير له مثلما تهتف لقرنه، هذا هو الواقع، لم يستطع العمل الإسلاميّ أن يوجه الضربة القاضية لخصمه اللدود في وقتها المناسب عندما مرغت الموجة الثورية وجه النظام في التراب، أجل .. لم يستطع؛ وإن شئت فقل لم يشأ! فكانت النتيجة التي لم يتوقعها خلق الله كافة في أرض الله قاطبة هي أنَّ الضربة التي كان يجب عليه أن يسددها ارتدت عليه؛ فانقلب المغلوب غالباً والمهزوم منتصراً، وكذلك - ولكن بمشهد أكثر تراجيديا - انقلب الغالب مغلوبا والظافر مهزوماً؛ فغدت الهيبة حمى مستباح، وأسلم الوقار ساقه للرياح.
والنفس البشرية مطبوعة على احتقار المغلوب المهزوم، وازدراء كل ما يحمله من أفكار ومعتقدات وقيم ونواميس، ومن ثمَّ تغيرت طبيعة المجتمع وتبدلت صبغته، والمسئول عن هذا كله هو نحن، أجل .. نحن وحسب، لا تقل سيسي ولا عسكر، ولا تقل بشار ولا حفتر، فإن أبيت إلا أن تردّ قولي فردَّه؛ لكنني سائلك سؤالاً واحداً: هل تستطيع إن سألت عن مشروعنا ما هو أن تحصل على جواب يشفي الصدر؟
وسوم: العدد 791