أحلام زوجتي
قال لي :
زوجتي شديدة التشاؤم ، تنظر إلى المستقبل نظرة سوداوية ، فهي لا تطمئن لشيء ، وتكاد تقلق من كل شيء . ولقد أثر تشاؤمها هذا في حياتنا الزوجية حتى صارت تشك فيَّ وفي إخلاصي لها لأسباب واهية ، وأضرب لك مثلاً بمنام رأتني فيه متزوجاً عليها ، فاستيقظت غاضبة تطلب مني أن أذكر لها متى تزوجت عليها ؟ ومن هذه التي تزوجتها ؟ ولم تنفع محاولاتي في إقناعها بأن ما رأته إنما هو أضغاث أحلام .
تعبت من شكوك زوجتي وسوء ظنها وتشاؤمها فكيف أفعل لأجعلها متفائلة ، تحسن الظن بي ؟
قلت له :
هدى الله زوجتك ، ونزع ما فيها من تشاؤم وسوء ظن لتكون من اللواتي يسلّمن أمرهن إلى الله تعالى ، ويتوكلن عليه سبحانه حق التوكل .
وأشير عليك بما يلي :
أولاً : ادعُ الله تعالى لها كثيراً بمثل هذا الدعاء : اللهم اشرح صدر زوجتي ، وأنزل عليها السكينة ، وأبدل تشاؤمها تفاؤلاً ، وسوءَ ظنها حسن ظن .
اللهم إني أعيذها بك من شر الشيطان ونفثه .
اللهم أرها الحق حقاً وارزقها اتباعه وأرها الباطل باطلاً وارزقها اجتنابه .
اللهم اجعلها متوكلة عليك ، مسلِّمة أمرها إليك ، لا تثق بما في يديها كما تثق بما في يديك .
ونحوها من الأدعية .
ثانياً : اقرأ عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (( الرؤيا ثلاثة ؛ فبشرى من الله ، وحديثُ النفس ، وتخويفٌ من الشيطان )) وفي رواية أخرى (( الرؤيا ثلاثة : منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )) .
وبعد أن تنتهي من قراءة الحديث عليها قل لها : ما رأيتهِ تخويفٌ من الشيطان ، وتهاويل منه ليحزنك ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، لأن إبليس وجد فيك استعداداً لتصديقِ مثلِ ذلك فأراك ما رأيـت . وكان عليك أن تفعلي ما أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نفعله إذا رأينا في منامنا ما نكره ، وأنت رأيت ما تكرهين . يقول صلى الله عليه وسلم (( الرؤيا من الله والحلُم من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فليبصق عن يساره ثلاثاً ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثاً ، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه )) .
ثالثاُ : ذكِّر زوجتك بأن الإسلام نهى عن التشاؤم فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديـث الذي أخرجه البخاري ومسلم (( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر )) . وقال صلى الله عليه وسلم (( ليس منا من تطير ولا من تُطيِّر له )) . وقل لزوجتك بأن عليها أن تكون متفائلة كما كان صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البخاري (( لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الحسن )) وجاء في الأثر (( كان النبي صلى الله عليه وسلم (( يتفاءل ولا يتطير )) .
رابعاً : اقرأ على زوجتك قوله تعالى (( يأ أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراًُ من الظن إن بعض الظن إثم )) . واقرأ عليها حديثه صلى الله عليه وسلم الذي ينهى فيه أيضاً عن الظن السيء يقول عليه الصلاة والسلام (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث )) البخاري ومسلم . قال سفيان الثوري : الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به ؛ فإن لم يتكلم لم يأثم .
وقال الخطابي : المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به ، وكذا ما يقع في القلب بغير دليل .
وقال القرطبي : المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها ؛ ولذلك عطف عليه قولَه ( ولا تجسسوا ) وذلك أن الشخص يقع له خاطرُ التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويسمع ؛ فنهى عن ذلك ، وهذا الحديث يوافق قولـه تـعالى ( اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً ) فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة .. لتقدُّم النهي عن الخوض فيه بالظن ، فإن قال الظان : أبحث لأتحقق قيل له : ( ولا تجسسوا ) .
خامساً : قل لزوجتك : إن توكلك على الله تعالى حق التوكل يضمن لك ما تخشين فواته من الرزق ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول (( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ؛ تغدو خماصاً وتروح بطاناً )) . حديث صحيح أخرجه الترمذي وأحمد والحاكم وابن ماجة .
ويقول صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب (( هم الذين لا يرقون ولا يَستَرْقون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون )) صحيح مسلم . قال الجمهور : يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ، ويوقن بأن قضاءه واقع ، ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لابد له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدو بإعداد السلاح وإغلاق الباب ونحو ذلك ، ومع هذا فلا يطمئن إلى الأسباب بقلبه ، بل يعتقد أنها لا تجلب بذاتها نفعاً ولا تدفع ضراً ، بل السبب والمسبب فعل الله تعالى ، والكل بمشيئته ، فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قُدِح في توكله .
شرح الله صدر زوجتك ، وأبعدها عن أوهام الأحلام وأضغاثها .
وسوم: العدد 791