صوَر، لبطولات السلم : قياساً ، أو استئناساً !
البطولات ، في الحروب ، معروفة ، وأنواعها كثيرة ، والأمثلة فيها ، كثيرة !
لكن : أليس ، في السلم ، بطولات !؟
نزعم ، أنّ بطولات السلم ، أكثر تنوّعاً ، وأكثر دواماً ، وأشدّ أهمّية ، في بعض الأحيان ، من بعض بطولات الحرب ، برغم الأهمّية الشديدة ، لهذه الأخيرة !
الصورة الأولى :
في الحديث الشريف : سيّد الشهداء حمزة ، ورجلٌ قام ، إلى إمام جائر، فأمَره ونهاه ، فقتله!
وإذا كان حمزة ، معروفاً ، لدى المسلمين ، عامّة ، بشخصيته ، وبطولته الفذّة ، وهو حالة مميّزة ، في تاريخ الأمّة ، وأمثاله قليلون ، جدّاً ، أو نُدرة .. فإنّ الحالة الآخرى ، ذات أهمّية خاصّة ، وأصحابُها نَكرات : ( رجلٌ قامَ إلى إمام جائر) ! فأيّ رجل ، يقوم ، إلى حاكم ظالم، يبطش بالناس ، دون خلق يردعه ، أو قوّة تمنعه .. ويتحدّى هذا الحاكمَ ، بكلمة حقّ ، تكفّ ظلمه وبطشه ، عن الناس ، فيقتله هذا الحاكم .. فإنه يُعدّ نموذجاً مميّزاً ، في البطولة ، ويُعدّ سيداً للشهداء ؛ لأنه ضحّى ، بنفسه ، لإنقاذ المسلمين ، من بطش الظالم المتجبّر! وهو، كما أشرنا ، نكرة ؛ فيمكن ، أن يأتي رجل ، نكرة ، مثله ، فيفعل فعله ، فيكون سيداً ، للشهداء !
الصورة الثانية :
ورد في الحديث الشريف : ليس الشديد بالصُرعة ، إنّما الشديد ، الذي يملك نفسه ، عند الغضب !
قد نرى كثيراً ، من الناس ، أقوياء الأبدان : بعضهم يصرع أسداً ، وبعضهم يصرع ثوراً ! إلاّ أنَّ القادرين ، على صرع غضبهم ، أو السيطرة عليه ، قلّة ! ويمكن تسمية هذه القدرة : بالحلم ! والحلم المطلق ، هو ، من صفات الله ، لكنّه وهبَ بعض عباده ، شيئاً ، من هذه الصفة ؛ فوصف نبيّه إبراهيم ، بأنه : حليم أوّاه منيب ! وقد اشتهر الصحابي الجليل ، الأحنف ابن قيس ، بالحلم ، في أشد الحالات إثارةً لغضبه ! كما اشتهر معاوية بن أبي سفيان ، بالحلم كذلك !
الصورة الثالثة :
الطبيب ، الذي يضحّي بوقته، وراحته ، لمعالجة المرضى ، من منطلق إيماني، أو إنساني.. يُعدّ شخصية مميّزة ، بين الناس ! فالذين يعملون لأجل المال ، قد يضحّون بأوقاتهم ، للعناية بمرضاهم ، لقاء ما يحصلون عليه ، من مال ! أمّا الذين يضحّون ، بالوقت والراحة ، وما يرتبط بهما ، من الاهتمام بالأسرة ، من زوج وأولاد .. للعناية بالمرضى ، ومعالجتهم ، ومراقبة أحوالهم ، من منطلقات إيمانية ، أو إنسانية .. فليسوا كثيرين ، بين البشر !
الصورة الرابعة :
الذي يضحّي ، بوقته وماله ، للإصلاح بين الناس ، نموذج مميّز، من البشر! وقد اشتهر، من هذا الطراز ، من الرجال، في الجاهلية : هَرمُ بن سِنان ، الذي أصلح ، بين قبيلتي : عبس وذبيان ، بعدما تطاحنتا ، في حرب طويلة مريرة ! ودَفعَ ديات كثير من القتلى ، من ماله الخاصّ ، ليتمّ هذا الصلح التاريخي النبيل ! وقد مدحه زهير بن أبي سلمى ، بشعر مميّز، لهذا النبل ، الذي لديه !
الصورة الخامسة :
الرجل ، الذي يتحدّى العادات السيّئة ، والأعراف الفاسدة ، في تزويج بناته وأبنائه ، وذلك : باختبار الزوج الصالح ، والترفّع ، عن الإنفاق العابث ؛ لإرضاء أمزجة الناس ، المنحرفة والفاسدة ! فيكون ، في ذلك ، قدوة لغيره ، من الناس، الذين وقَعوا أسرى، للأعراف الفاسدة ، والتقاليد السيّئة ، التي يصعب عليهم تجاوزها ، مهما كان تأثيرها مدمّراً، على أبنائهم ، وأبناء مجتمعاتهم ، الذين لايجدون نفقات الزواج .. وعلى بناتهم ، اللواتي يعانين ، من مرارة العنوسة ؛ لتشبّث أهليهن ، بالمهر الباهظ ، الذي يعجز عنه ، الشباب الراغبون بالزواج ، والذين يعيشون سنين طويلة ، من أعمارهم ، في حالة العزوبة ، التي قد تدفع ، إلى الانحرافات الخلقية المتنوّعة ، التي ترتدّ آثارها السيّئة ، على الأسر ، ذاتها !
وسبحان القائل : ومَن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً !
وسوم: العدد 792