سلطة متعددة الجنسيات
أوضح جيوفري جينز (Geoffrey Geuens) في كتابه "السلطات المختلطة" (Tous pouvoirs confondus) خطورة التباس السلطة. وذلك حين تتداخل السلطات كلها: الدولة ورأس المال والإعلام في عصر العولمة. في كتابه هذا أثار جينز حديث المائة شركة الأضخم عالميا وأكبر المؤسسات احتكارا ماليا على الكوكب. في السياق نفسه يحدثنا لورون جوفران (Laurent Joffrin) في كتابه "الحكومة الخفية" (Le Gouvernement invisible ) عن ولادة ديمقراطية في غياب الشعب. ولذلك يصف فرنسا بكونها بلدا ديمقراطي المظهر، أوليغارشي الحقيقة والباطن، وذلك لأنه لا سلطة للشعب. لكن ما سبب هذا الوضع؟ يجيب جوفران إنها الحكومة الخفية. ذلكم التكتّل جامعُ أصحاب المال ومديري الصناعات الكبرى والمتحكمين في الإعلام، ومؤسسات مستقلة عالمية، مؤازَرة بانعدام سلطة المنتخبين. هذا التكتل هو مَن استولى على السلطة. باختصار إنها أوليغارشية خفية احتكرت السلطة لحفظ مصالحها الخاصة.
يضاف إلى ما سبق أن سلطة الشعب نفسها أصبحت محل نزاع. إذ غدا من الممكن خداع الرأي العام والتلاعب باستطلاع الرأي والتحايل على الجماهير. هكذا يُعطَى الجمهور طعاما دون قيمة غذائية بإفراط (junk food)، في حين يُحرَم ما يحتاجه حقا. ولقد أوضح كتاب "صناعة الكذب" (L'industrie du mensonge, John Stauber et Sheldon Rampton) بعض قواعد فنِّ ممارسة التأثير في القرار السياسي الذي لا يتقنُه غير المجموعات الصناعية الكبرى، فتجدها تُروِّج منافعَ التبغ والسلاح النووي وتُسوِّق فضائل الحرب! وباسم المصلحة العامة لا تتوانى مجموعات الضغط هذه في الدفاع عن مصالحها ولو اقتضى الأمر تسميم لحوم البشر وإفساد هواء الأرض.
ومجمل القول، إن من يملك السلطة هم أسياد العالم الجدد وليست الحكومات. إنها المجموعات المالية والصناعية المتعددة الجنسية، والمؤسسات الدولية غير الشرعية. أما ما يميز هذه المجموعات فنذكر من ذلك السمات الثلاث الآتية:
أولا: مُسيِّرو هذه المجموعات ليسوا منتخَبين ومع ذلك تؤثر قراراتهم في حياة الشعوب تأثيرا بالغا.
ثانيا: تملك هذه المجموعات سلطة ذات بعد عالمي.
ثالثا: تملك تفوقا ماليا على الدول القُطرية.
إن العالم واقع تحت هيمنة منظمات فوق القانون ومؤسسات فوق الديمقراطية. أما لعبة الديموقراطية فانتهت حين أخْلت الدولة المكانَ للشركة، وغدت تبعيةُ السياسة للمال أمرا لا مفر منه. ولا نحسب أن حلولَ ترقيع يمكن أن تُسهِم في تقويم عدالة العالم العرجاء. وليتَ أسياد العالم الجدد يمتلكون صِدقَ لصِّ داريان (Darien) الذي صرّح قائلا: "لا أريد أن أكون سارقا باسم الشرعية القانونية، أريد أن أكون لصا بدون أي نعت". فانظرْ كم بينه وبين من يسرق باسم القانون!
وسوم: العدد 792