الحروبُ لا تدوم، و الكيِّسُ من يُوقف رَحاها
لمَّا رأى الإمام الخميني أنّ الحرب مع العراق دخلت في باب الاستنزاف المفرط، أعلن قبوله بقرار مجلس الأمن، و شبَّه ذلك بتجرّع السُمّ.
و لمّا رأى الرئيس علي عزت بيكوفتش، أن الحرب ستأتي على المسلمين في البلقان، إن استمرّت بتلك الوتيرة، فضّل أن يسعى لوقفها، و ذهب إلى أمريكا و رجا الرئيس كلينتون أن يوقفها، رحمة بشعبه؛ و كان اتفاق دايتون.
و ذا ما كان من الرئيسين: بوتين و أردوغان، حينما رأيا أن الحرب أخذت تخرج عن أهدافها الأولى، فبوتين رأى فيها غوصًا في المستنقع السوريّ، و دفعًا له للعلق في وحوله، ولاسيما أنّ إدلب مقبلة على شتاء قاسٍ، و أردوغان رأى فيها مشغلة له عن حزمة البرامج التي تبنتها حكومته للسير قدمًا في برامج التنمية و الإصلاح الشاملة للسنوات الخمس القادمة، مثلما هي مهلكة للسوريين المناهضين للنظام .
صحيحٌ أنّ الأزمة السورية حالها كحال أزمتي ليبيا و اليمن، اللاتي توصف بحلولها الإقصائية، و صحيح أنّه يراد لطرفي الأزمة فيها أن يخرجا منهكين، و لكن ما ينبغي تذكره أنّه من غير المسموح فيها أن تخرج عن أطرها المرسومة، و أن تدوم إلى ما لانهاية، و أن المعارضة تمّ الرهان على صمودها من أفرقاء كُثُر، و لا يسمح للطرف الآخر أن يخرجها من المعادلة.
و أنّ ما كان من دفعها لتصل إلى المرحلة الراهنة، أمرٌ متفق على خطوطه العامة، وفق خطة مؤسسة راند، التي أوكل إلى روسيا شقُّها العسكريّ، و للأمريكان الشق السياسي، و لأوروبا الغربية و دول الخليج تمويل إعادة الإعمار.
و عليه فإنّ إدلب، و الخطوات المتخذة بخصوصها، بما بات يسمى اتفاق سوتشي، أمرٌ يمثل بداية مرحلة، و ليس نهاية أزمة، كما يحلو لبعض الأطراف أن تتعامل معه، فهو بداية مرحلة ستلج فيها الأطراف جميعها في الحلّ السياسي، و هو ما يفسر الحضور الكثيف للأمريكان و حلفائها مؤخرًا؛ إشعارًا لروسيا و حلفائها أنّه لا فكاك لهم من الانخراط فيه، و أنّ أي تلكؤ في ذلك يعني إيقاف عملية إعادة الإعمار، التي ليس بمقدور روسيا و حلفائها الشروع بها لوحدهم.
و قد باتت تركيا تدرك أن هذا الاتفاق بتوقيتاته الزمنية، كرة لهب تدحرجت إلى ملعبها، و ستحرق كثيرًا من أوراقها؛ إن لم تفِ بتعهداتها في حلحلة عُقَد هذا الملف الشائك.
و قد نجحت إلى الآن في البند الأول منه، بخصوص المنطقة منزوعة السلاح، و أمامها تحديات ليست سهلة في تطبيق البنود الأخرى، و من أهمها: فصل المهاجرين عن الفصائل المسلحة فيها، و تفكيك هيئة تحرير الشام، و تشكيل مجالس محلية تتولى إدارتها، و فتح الطرق الدولية.
و يشار في هذا الصدد إلى تسويق تركيا لفكرة إقامة " معسكر أشرف منبج "، للمهاجرين الجهاديين، على غرار " أشرف ديالى " لمجاهدي خلق، لإخراجهم من إدلب، من أجل طمأنة روسيا بإبعادهم عن أسوار حميميم، و فصلهم عن المعارضة المعتدلة.
و تذكر مصادر محلية مطلعة وجود لجان تركية في إدلب، أخذت تستطلع الأجواء لتشكيل إدارة مدنية للمنطقة، تشترك فيها مؤسسات الائتلاف الوطني، الذي زار وفد منه المنطقة منزوعة السلاح، برئاسة عبد الرحمن مصطفى، برفقة نذير الحكيم و أنس العبدة، و كذا الحكومة المؤقتة برئاسة جواد أبي حطب، كأحد مخرجات سوتشي، و يتوقّع أنها لن تقصي أطرافًا سورية من الهيئة، منخرطة عمليًا في سوتشي، و إن لم يصدر عنها بيان بخصوص موقفها منه، بزعامة الشيخ أبي محمد الجولاني.
في مقابل تجفيف الموارد المالية عنها؛ حملًا لها على المزيد من التناغم مع الرؤية التركية في التعاطي مع هذا الملف، و هو ما يفسِّر شروعها في تجهيز معبر " الحَمَّام: جنديرس "، ليكون بديلًا تجاريًا عن معبر " باب الهوى "، و ذلك بعد انسحاب عدد لا بأس به من المنظمات الأجنبية و المحلية من إدلب، بدعوى فرض الهيئة أتاوات عليها، و استغلال موارد معبر باب الهوى لصالحها.
كما أوقفت بريطانيا تمويل عدد من برامج مساعداتها المقدمة إلى المنطقة، و من ضمنها برنامج المساعدات السرية " أجاكس"، المخصص لتمويل الشرطة الحرة، مثلما أوقفت الولايات المتحدة مشروعًا بتكلفة 200 مليون دولار، كانت مخصصة لإعادة الاستقرار في سورية.
و بذلك يذهب عددٌ من المراقبين أنّه لا رصيد للدعوات التي تدعي فرص استمرار المعركة على إدلب، مثلما تروّج أطراف في كلا طرفي الأزمة، فهي لا تعدو أن تكون جوائز ترضية لحواضنها الشعبية، و هروبًا من استحقاقات الحلّ السياسي لفريق منها، و خشية من تلاشي المشروع الآيديولوجي للفريق الآخر.
وسوم: العدد 794