الوطن جوهره الإنسان
سالم الزائدي
تعيد الحياة في بعض من مجتمعاتنا العربية صياغة واقعها بعد أن عانت مرحلة ركود سياسي، اقتصادي، اجتماعي، وثقافي... اختلفت درجة حدته من بلد إلى آخر.
في هذه المرحلة الحرجة والتحولات التي نشاهدها في وطننا العربي، تولد الحقائق من جديد لتكوّن نبراساً ينير الطريق للسائرين. فبعد أن كانت هموم الحلم العربي والقومية العربية هاجساً للأجيال السابقة، أصبحنا على مشارف جغرافية عربية جديدة أفرزتها الثورات العربية حتى بات المواطن العربي من شدة اهتمامه بما يحدث في البلدان الأخرى يعرف المدن والقرى وكثير من التفاصيل عن تلك البلدان، مما يشير إلى إعادة التحام وارتباط المشاعر لدى المواطن العربي بما يمس جوهر عروبته وكرامته ودينه.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نعتبر ما يحدث مؤشراً على وجود وجدان عربي نابض يلوح في الأفق ؟ وهل يمكن لنا أن نوظف هذا الوجدان في إحداث تنمية شاملة، تحدث فرقاً في المرحلة القادمة من حياة الشعوب العربية ؟
مفكرينا ومشايخنا وأدبائنا تركوا لنا أمانة وبصمة آثارها باقية. أمتنا العربية فيها من الذوق والرفعة والإدارة الرشيدة ما يمكنّها من إستعادة ماضيها المشرق والوقوف أمام التحديات والخيارات الصعبة والتحولات الجذرية، نحن الآن على مفترق طرق، العالم ينظر إلينا بتمعن ويعيد تقييم ما لدينا بعد أن نفضنا عن أنفسنا غبار الجهل والظلم مطالبين بالحرية والكرامة.
لا نريد أن نشاهد ما يحدث في بلادنا العربية من ثورات على أنها ثورة على الظلم والاستبداد فقط، وإنما نريدها ثورة على المفاهيم والأفكار الخاطئة التي عطلت الإنسان العربي وقيدته داخل نفسه بعيداً عن فلك الإبداع والتواصل والتطور. إن البيئة الخصبة المُترعة بحرية الفكر والتطوير سوف تساعدنا على خروج العباقرة على اختلاف ملامحهم ومجالات إبداعهم، رواداً تحفر مجدها بكل صبر وإيمان.
إن المآسي التي يعيشها عالمنا العربي الآن والتي نسمع عنها كل يوم هي نتيجة حتمية للجهل والغموض الذي يكتنف علاقتنا بأنفسنا ومجتمعنا، إن واقع الإنسان وضميره يفرض علينا أن نبتكر رؤية تمكّن الإنسان العربي من تحقيق مواهبه ومعارفه بشكل توعوي ملموس.
إن هذه الأمة (العربية الإسلامية) بتجاربها وأوجه تمايزها أعظم من أن تستسلم أو تنزوي في هدوء وبهزيمة، آن الأوان أن نبدأ عصراً جديداً يكون لنا فيه حلم وحدث نستميت لتحقيقه.
إن مطلبنا هو مطلب إنساني تنموي، ولا بد أن نشارك فيه جميعاً بالفكر والقلم وتطوير مؤشرات التقدم. لا يمكن أن نبقى بعيداً عن مجريات الأحداث، والعربي صاحب العزة والكرامة والشموخ يستطيع مجابهة التحديات ويتسع فكره وعطاءه لظواهر مجتمعات المعرفة.
وحيث أن منابع المعرفة هي كافة الناس ومركز العقل فلا بد من البحث عن أدوات معاصرة وكفاءة أداء ومداخل تنموية تكون متحلية بفكر متطور وشفاف يسع الجميع بعقل الجميع في عالم جديد من أجل تعبئة الفعل لدى المواطن العربي. إننا ندرك أهمية المرحلة ومشقتها وإدراكنا ينبع من رغبة الانطلاق والاستمرار دون الإدعاء من خلال مشاهداتنا الحالية عبر مساحات المعرفة المختلفة.
إن التنمية المأمولة في هذه المرحلة ركيزتها الإنسان وأساسها تقدير تضحياته وتمكينه من الأدوات التي يستطيع من خلالها بناء ذاته وحياته ومجتمعه. الإنسان الذي صهرته أنواء الثورات العربية فخرج منها بمفاهيم وإيمان وتطلعات جديدة.
و اختم بقول الشاعر فرج أبو الجود بأبيات من قصيدته يا أمتي :
يا أمتي ضلت بنا الأهواءٌ وتلاعبت بمصيرك الفرقاءٌ
قومي فقد بلغ السوادٌ أشدهٌ لتزول تلك الغمة السوداءٌ
يا أمةً كتب الزمان نضالها وتواترت بنبوغها الأنبـــــاءٌ
عودي نُشيِّدٌ للحضارة سٌلماً بعلـوه يتفاخرٌ الأبنـــــــــــــــاءُ
عودي لننعم بالحياة أعزةً ويعمٌ أرضٌ الطيبين رخاءٌ
عودي فما أغنى الرقادٌ بأمةٍ والى النجومِ يكابدٌ العظماءٌ
نٌشر المقال في صحيفة المقال الالكترونية في 13 فبراير 2014