الضمانات الفردية والجماعية : بين الأخلاق ، وموازين القوى !
في التعاملات الفردية ، بين شخصين أو أكثر( ديون ، مبايعات ، إيجارات ، كفالات ) .. تكون الأخلاق الشخصية ، أحد عناصر الضمان ، للحقوق ! وهي ، في العادة ، أضعفُها ، في توثيق الحقوق وضمانها ، إلاّ في حالات قليلة ، تكون فيها الأخلاق الشخصية ، سامية نبيلة؛ فتكون ، بمثابة صكّ أمانة ، لصاحب الحقّ ، لدى من عليه الحقّ !
الضمانات ، في التعاملات الفردية :
ذكر القرآن الكريم ، نموذجين ، من أهل الكتاب ، هما : الصادق الأمين ، والكاذب الخائن! فجاء في الآية الكريمة ، مايلي :
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
وقد حضّ القرآن الكريم ، المسلمين ، على كتابة الدَين ، بينهم ، ضماناً للحقوق ! وكانت آية الدين ، أطول آية ، في القرآن ؛ لِما للتعامل ، بين الناس ، وحفظ حقوقهم ، من أهمية بالغة ! وفَصّلت الآية ، تفصيلاً بليغاً ، في كيفية ضمان الحقّ ، من حيث : إشهاد الشهود ، والكتابة عند كاتب بالعدل ، ونحو ذلك ، ممّا يحتاجه تثبيت الحقوق ، احتياطاً، لما يطرأ، على الناس، من طوارئ النسيان ، والموت ، وغيرها ! أمّا طرائق تحصيل الحقوق ، فلها حديث آخر!
الضمانات ، في التعاملات الدولية :
يَرى بعض الساسة - وربّما أكثرُهم – أن صكوك المعاهدات والاتفاقيات ، مجرّد حبر، على ورق ، وأنها لا تساوي ، الحبر الذي تكتب به ، ذلك ؛ لأنها خاضعة للتمزيق ، من قبل الطرف الأقوى ، الذي يرى له مصلحة ، في تمزيقها ! والضمانة الوحيدة ، للالتزام بها ، هي قوّة الطرف الآخر، الشريك فيها !
والوقائع الماثلة ، أمام أعيننا ، ونراها كلّ يوم ، تثبت ذلك !
وإذا كانت الاتفاقية ، أو المعاهدة ، شاملة ، لعدد كبير من الناس ، ويجب عليهم ، الالتزام بها، كانت أسرع انهياراً ، من غيرها ؛ لأن الشعوب ، فيها البَرُّ والفاجر، وليسوا كلّهم ، على درجة واحدة ، من الفهم ، والأمانة ، والالتزام بالعهود !
بعد صلح الحديبية ، الذي أُبرم ، بين المسلمين وقريش ، حين اعتدى بعض حلفاء قريش ، على بعض حلفاء المسلمين ، في خرق واضح ، للمعاهدة .. جهّز النبيّ جيشاً ، لفتح مكّة! وحين جاء أبوسفيان ، لتجديد الصلح ، رفض النبيّ ، تجديده ، لأنه رأى ، أنّ لديه قوّة كبيرة، تمكّنه ، من فتح مكّة !
وما رآه شعب سورية ، في الأيام القليلة الماضية ، من عبث النظام الأسدي ، بقادة المصالحات ، وبعناصرهم ، برغم ضمانة الروس ، لهذه المصالحات .. يوضح هذه الأمور، جيّداً !
فالضمان الوحيد ، في المعاهدات السياسية ، هو تكافؤ موازين القوى ، الذي يؤهّل قوّة الطرف ، الذي يجري عليه الحيف ، من منع نقض الاتفاقية ، ولا سيّما الاتفاقيات ، التي يجريها المسلمون ، مع غير المسلمين ، الذين قال الله عنهم :
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ.
وسوم: العدد 803