نظام الاحتلال يتهاوى
د. ضرغام الدباغ
تنحدر إلى الحضيض ككرة الثلج سمعة الحكومة العراقية، بل النظام بأسره الذي خلفه الاحتلال، ورعاه ومنحه الدعم السياسي داخلياً وخارجياً، كما منحه أفضليات اقتصادية وتسهيلات وأئتمانات لا مثيل لها على أمل أن يقوم نظام غربي الملامح، لتكن ما تكن مفرداته وملامحه، فهذا أمر لا يهم كثيراً دول الاحتلال ومن يسير في فلكهم من الأوربيين.
ولكن الإيغال في الفساد بشكل خيالي، والإفراط في القتل والإجرام، وكأنهم في سباق للقتل، في مشاهد لا تصدق، حمل الأوربي والأمريكي للتساؤل : أي جنون يدفع إلى سعار القتل هذا، قتل بشع يطال النساء والأطفال والشيوخ في مشهد تبدو الفاشية الهتلرية حياله كملائكة رحمة، أليس بالإمكان استيعاب رغبات بسيطة لمواطنين كانوا حتى الأمس القريب متعاونون ومنظوون في العملية السياسية، وتجنب حمامات دم ليست ضرورية ؟
وبرغم أن كثير من مظاهر التصدي الدموي المفرط في العنف والقسوة لا تشير إلى أيدي عراقية، بل أنها تدور بتخطيط وتنفيذ أيدي أجنبية (إيرانية) فالعراقي ليس دموياً بهذا القدر، ولا يتشفى بالتمثيل بالجثث والإجهاز على الجرحى، فهذه أخلاق فارسية صفوية بأمتياز، وربما أن حفنة من العراقيين ممن غسلت أدمغتهم ساهموا، إلا أن الدور الريادي حتماً لإيرانيين، بيد أننا مضطرون في نهاية المطاف أن نسجل هذه الاحداث الدموية على سجل السلطة، وبالتالي لتدخل في مستحقات سياسية وقانونية لابد منها.
قبل حوالي الاسبوعين، كان أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قد وصف رئيس الحكومة المالكي بوصف نربأ عن ذكره لبشاعته، وقبل أيام فحسب، ذكرت صحيفة غربية (أمريكية على الأرجح) أن وزيراً عراقياً يشغل وزارة غير سيادية، يمتلك رصيداً خارج العراق يبلغ 16,8 مليار دولار، وهي ثروة تضاهي ثروات أكبر الصناعيين في العالم.
بيد أن الأحداث الدموية ترغم الأخرس على الحديث، فهاهم حلفاء الأمس في الاحتلال والعملية السياسية، يطلقون التصريحات وينفضون أيديهم عن ما ساهموا بصنعه، وأشهر تلك التصريحات وأهمها هي لرئيس لمندوب الاتحاد الأوربي للشؤون العراقية سيتروان ستيفنسون، الذي يشير فيها دون مواربة أو تحفظ إلى الأساليب الدموية للحكومة، في كل ملف تولت معالجته. ولكنه في أحدث تصريحاته يعبر فيها عن سقوط تام لشرعية السلطة بتحدي سلطة مجلس النواب (المنتخب)، وإحالة ملفها للمحاكم.
والنائبة في البرلمان العراقي السيدة الدكتورة مها الدوري، وضعت النقاط على الحروف في تصريحات لا تعوزها الصراحة، عن انحدار الوضع الحكومي والشعبي إلى درجات غير مسبوقة، في تاريخ العراق، من الفساد الذي أستشرى بالبلاد درجة أنه أصبح يمثل إحدى العوائق الرئيسية التي تحول دون عمل أجهزة بمستوى الدولة، ناهيك عن عجز واضح للحكومة في معالجة ملفات مهمة، اقتصادية وسياسية، واندلاع الاحتجاجات والتظاهرات والثورة في عموم محافظات العراق، في مشهد يضع البلاد على فوهة بركان قد يعصف بكل شيئ.
والإشارة الأهم كانت قد جاءت من سماحة السيد مقتدى الصدر الرجل الذي ينتمي إلى أسرة عريقة في فضاء السياسية العراقية، فشخص أبرز ظواهر ومظاهر الموقف السياسي في العراق (18 / شباط / 2014) بل ودعا إلى معالجة جذرية، ولكنه نأى بنفسه عن دخول دهاليز هو أدرى بأجوائها، منتظراً نضوج ظروف موضوعية ربما تلوح في الأفق القريب.
وبتقديري ان الامر برمته ينبغي ان ينظر إليه هكذا: أن الجوهري في المسألة يكمن في فشل النظام السياسي الذي أنتجه الاحتلال، فشلاً ذريعاً، تاماً وشاملاً، هو ما أثبتته التجربة الدامية لكونه يتناقض بصورة تامة مع جبلة العراقيين وتكوينهم العقلي والنفسي، فالعراق لم ينقسم يوماً منذ نيف وعشرة ألاف سنة، فهم في وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافية نادرة. والتقسيم أمر فشلت فيه قوى الطبيعة والقوى الوضعية من دول وامبراطوريات وقوى الاستعمار، والإمبريالية وأخيراً العولمية، والولايات المتحدة نفسها أدركت استحالة ذلك، ولكنها لم تيأس منه، فأولت إكمال المهمة القذرة لمقاول ثانوي وهي إيران الصفوية.
ليس هناك من يهوى القتال والتقتيل، ونتمنى أن تشعر قوى الاحتلال والهيمنة أن مشروعها قد أندحر وفشل نهائياً وأنها فشلت في إقامة الدولة الطائفية التي تتولى تقسيم العراق. نعم بوسع الاسلحة الطائفية أن تدمر فحسب ولكنها لن تبني مجتمعات متطورة أو تنسج علاقات، ونتمنى أن يقتنعوا من ذاتهم بهذه الحقيقة الناصعة، ولكن الواقع يشير أن الأمر ليس كذلك، وأن وعي هذه الحقيقة متفاوت بين أطراف التحالف الأسود، نعم لقد تضرر العراق كثيراً، ولكنه ما يزال موجوداً وسنعيد بناؤه، فالنهوض من بين الأنقاض هو ديدن العراقيين.
مع وعينا التام، والواقعي لكل ما يدور في العالم والمنطقة والوطن العربي ومع عدم تجاهلنا للثوابت الاساسية لشعبنا ووطننا العراقي، نخوض في العراق تجربة فريدة من نوعها، هي ضرب من معركة تحرر وطني من الاستعمار الجديد والهيمنة الاجنبية وأعلى أشكال العولمة. في العراق الجديد لا مكان للطائفية نهائياً، ولا مكان سوى لدستور حديث لدولة مدنية عصرية، لقد كان المؤتمر يعبر تعبيراً قوياً لا لبس فيه ويشير إلى عراق المستقبل. في عراق جديد لا يوجد فيه خوف ولا ظلم أو أستبعاد أو تهميش لأحد. وستكون أصغر فئة في العراق محترمة ومسموع رأيها في خدمة العراق وتتساوى مع سائر فئات الشعب الواحد الموحد.
في خضم هذه التطورات، يتقدم المجلس السياسي العام بتصورات واضحة لجمع شمل العراقيين، وتأسيس واجهة سياسية تمثل إرادتهم من أجل التقاط الموقف السياسي، وليكون جامعة الشعب وممثلة لإرادته الواحدة المتحدة، وإنقاذ البلاد من نفوذ القوى الاجنبية، والمباشرة بأسرع ما يمكن بإعادة إعمار العراق وترميم العلاقات، وأستنهاض للقدرات بما يؤدي إلى تجاوز هذه المرحلة السوداء. أن المجلس السياسي العام يفتح الآفاق لعراق ديمقراطي جديد يليق بتضحياته الجسيمة التي قدمها في مرحلة التحرير والاستقلال الحديث.
كافة القوى العراقية الرافضة للاحتلال والهيمنة البغيضة، والعراقيين كأفراد مدعوون للألتفاف حول مجلسهم السياسي العام أمل العراق الجديد بمستقبل حر ديمقراطي.
يداً بيد وكتفاً لكتف، نبذاً للطائفية، والمناطقية، كنا وسنبقى عراقيون أبناء الرافدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات الفضائية بتاريخ 7 / آذار / 2014