حنين..
بأي حالٍ يسرد الإنسان أوجاعه؛ وفي أي وقتٍ يستخلص أنجاعه؛ وأنّى للصور استنطاق أرشيف الذاكرة؟!
نعم، المنون مُسجل، والعيش مقفل، والكتاب مُسربل، وكيف لنا لملمة الدموع، وأُمنيات الرجوع، وصحوى المفجوع.. لامرأةٍ تسيدت حيسه، وتحسست عيشه ثم ارتحلت بكل التفاصيل!
أعتقد بأن الرابط خمسة عقودٍ ونيفٍ كفيلة بمعرفة الزيجة السامية، والرقة العالية لها، ولوالدها "علي البن صالح"، ذاك البهي بشيبته، والعفيف في مشيته، والكريم بعطيته، والجواد بما تجود يده على جيرانه وأحبته..
فسل عنه فريج البر والفاضلية، وأمهر سيرته بارتعاشة إبهام حبيب الشوارب، وأنهار القوارب لعوائل شتى تعرف داره، وتمدح جواره.. كالسعيد والسعد والبقال والعلوي، وتذكر ذاتك في ( نخج) الزوار، وتسابيح الأطهار بكاميرة الحج ومزامير الرافدين..
أم لسيرة أمها المطوعة "بتلة البحراني" (أم فوزي أوحسن)، ودعاء المحن، لتذليل الوهن..
اتذكرها كفيفة البصر، ودائمة الابتسامة، تتحسس الجدران في مشيتها، وأخال البركات تُستجاب وتُطوع لأجلها، لقربها وقرابتها من تلاوة القرآن، والسيرة النبوية الشريفة، فتذكر هذا الأثر، وتطيب ببقايا العطر.. وأيُّ فخرٍ يا فخرية الطفولة؛ وأيُّ قولٍ يا شمعة الحمولة؛ وكيف لنا العادة والإشادة؟!
قبل أيام معدودة مررت على عمي "عبد الله" زوجها ورفيق دربها (رحمها الله)، بهذه الحياة الفانية، حيث ذهبنا لأكثر من مكان، ووثقنا الزمان بين الفريج الشمالي والقيصرية..
كان وما زال يذكرها بكل جميل، وبأدق التفاصيل بالوفاء والصفاء.. ولم أبرح أتذكر قصصهما الكوميدية والتراجيدية في حلهما وترحالهما بالسفر بين البحرين والعراق.. وأعتقد بالجزم بأن ابتسامة العم عبد الله وضحكاته ومقالبه تسكن كل دار لمن عرفه أو عبره به (جانا بن قرين، أو بو أحمد)..
فيا دعاء الرب ترفق بالأمانة، وتحنن بالحصانة بمن خلفت في بعلها وأولادها وبناتها وأحفادها "بكن فيكون" بين سناء الذكر، وعطايا الصبر، وأيادي الفكر بالمقبرة..
وسوم: العدد 807