أعوْدٌ إلى عَالَمِ الحُصونِ والأبْوابِ المُؤصَدةِ ..؟! -2

د. حامد بن أحمد الرفاعي

مُصْطَلَحُ الفَتْحِ مُصْطَلَحٌ قُرآنيٌّ لم تعْرفهُ الثقافات قبل الإسلام قط.. والفتح : مصطلحٌ استخدمه القرآنُ الكريمُ بعد جولة من الجدل والحوار بين فئتين متناقضتين بالاعتقاد والتوجهات.. بين رسولنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممثلاً للإسلام والمسلمين .. وبين سُهيل بن عَمْر ممثلاً لقريش .. المسلمون يريدون زيارة الكعبة البيت الحرام تعبداً وتعظيماً ..وقريش تُصْرُ على منعه بدون استئذان مسبق منها فهي صاحبة السيادة في مكة .. والمسلمون يعتقدون أنهم أيضاً أنَّهم أصحاب سيادة في مكة فهم أهلها وسادتها أُخرجُوا منها ظلماً وعدواناً .. وهم لا يريدون دخولها عنوة عن قريش ولا يريدون أن تكون زيارتهم سبباً للحرب وسفك الدماء ..وقد أعلنها صريحة مدوية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ خروجه من المدينة قاصداً مكة فقال: " لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرّحِمِ (وفي رواية أخرى أحقن بها دماء النَّاس) إلّا أَعْطَيْتهمْ إيّاهَا ". وفي ختام الحوار والجدل الصعب والتنازلات المؤلمة من قبل القيادة النبويَّة الحكيمة الراشدة ..انتصرت ثقافة الأمن والسلم على ثقافة الحرب والاقتتال ..وقهرت منهجيَّةُ حقن الدماء وصلة الرحم عنجهية حماقات سفك الدماء والكراهية والبغضاء .. ووصف الله تعالى ربُّ النَّاس وربُّ الكعبة ذاك الاتفاق والصلح الأحكَم والأرشد في التاريخ البشريِّ بالفتح المبين فقال جلَّ جلاله :" إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ، لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا " أجل فما جاء في الصلح من شروط قاسية اعترض عليها أذاك بعض الصحابة وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما واعتبروها: (تنازلاً ودنيَّةً) .. لهي في معايير رسالة الإسلام الساميَّة السمحة .. رسالة الأمن والرحمة والسلام ..ورسالة تعزيز قُدسيَّة حياة الإنسان وحقن الدماء ..أجل كانت عند الله تعالى فتحاً ومغفرة ونصراً وهديَّاً مستقيماً.. ولِمَ العجب إنَّه الإسلام الذي عظَّم من قُدسية حياة الإنسان فقال سبحانه : "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ". أما ابن الخطاب رضي الله عنه المعترض على بنود الصلح فقد نظر ذات مرة إلى الكعبة وهو يردد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ , مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ , لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ , نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا " أما صنوه بالاعتراض على شروط الصلح علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال للخوارج وهو يجادلهم في قُدسيَّة حرمة دماء المسلمين:" أدعوكم إلى اتباع حكم رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبة ". يتبع بعون الله تعالى.

وسوم: العدد 807