وجيز التفسير : " اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً "
واضطرب المفسرون في تفسير الآية وأكثروا . وحملها جلهم على ما لا خصوصية فيه فقالوا : ولما خصكم الله به من سابغ النعم بالغوا بشكره في العبادة . وقالوا الصلاة شكر ، والزكاة شكر ، والقيام بأمر الله في كل حال شكر ..
وأقول والكلام لا يلغي بعضه بعضا ، ولايرد آخر على أول : إن قوله تعالى " شكرا " هي نائب مفعول مطلق والتقدير : اعملوا عملا شكرا ..أي عملا شاكرا وعملا مشكورا أيضا. شاكرا لصاحب الفضل والنعمة الأول ، وهذا ما سبق إليه سيدنا سليمان عندما رفع إليه عرش بلقيس قبل ارتداد الطرف فقال " هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ " . أو عندما سمع خطاب النملة " لقومها " ادخلوا مساكنكم .." فقال " رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ .."
نعم شكر المنعم يكون بمشاعر العرفان والامتنان وبعبارات الحمد والثناء وبضروب العبادات والطاعات فلم لا يكون بالإحسان إلى خلقه ، والعدل بينهم ، والقيام على أمرهم بما أراد المنعم الأول " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ "
فيكون المقصود الإضافي من قوله تعالى اعملوا آل داوود شكرا أي اعملوا عملا تشكرون عليه من الناس الذين حولكم ، والذين على أثركم ، فكم مر على هذه القرون من ملوك وعظماء وقادة وحكماء ..وبقي لكل واحد من ذكره شكره فيما أحسن وذمه فيما أساء ..
قبل كل خطوة يخطوها الإنسان ، قبل كل فعل أو كلمة لعله يتذكر كيف سيكون وقعها في ميزان الله ؟ أهي من الشكر الذي يستوجب المزيد أم من الكفر الذي يقتضي العذاب الشديد ؟! ثم كيف سيكون أثرها بين الحكماء الصلحاء أصحاب الأحلام والحجا ؟! وفي أي فريق سيسلكه فعله أو قوله بين العالمين في سلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد أو في سلك قابيل والنمرود وفرعون وأبي جهل والطغاة من بعدهم ..
وتنداح دائرة الشكر في الزمان والمكان على عظم العمل المشكور . ونذكر بالشكر والدينا وكبار معلمينا ولكن يبقى للتاريخ كلمته في تخليد ذكر الشاكرين المشكورين.
ورب كلمة من صبية أعرابية خلدت ماتح البئر وأدخلته التاريخ حين نادت عليه :
أيها الماتـح دلـوي دونكـا
إني سمعت الناس يحمدونكـا
وسوم: العدد 810