وقفة بين: "على أيّ أساس نقاتل؟" و "على أيّ أساس نتعايش؟" 2
[باختصار، من مقال منشور في مجلة البلاغ – العدد 1159 – آب 2007م
(الحلقة 2 من 2)
[كانت خلاصة الحلقة الأولى أن أمريكا تريد أن تبسُط نفوذها وتُذلّ المسلمين بذرائع شتى، وتريد مع ذلك أن يكون المسلمون معها في حربها على المسلمين!.]
2- الحوار.. سبيله وجدواه:
والحوار، كما يذكر الأساتذة، خطوة نبيلة لإعادة طرح الأسس الأخلاقية!. ولكن هل قَبِلَ "الآخر" الحوارَ؟!. كلما طلب ضعيف الحوار من القوي المتكبّر زاد القوي المتكبر من بطشه وعدوانه واستكباره!.
الأساتذة، كما يبدو، أحسنوا الظن بالفريق الآخر، ويأملون أن يُنهي الحوار لغة الصراع والتطاحن! إنه أمل ضائع! لأنهم متشبّثون بقضيّتهم وهي العدوان والظلم والاستعلاء ونحن نتنازل عن قضايانا. لن يوقفوا ظلمهم وعدوانهم أبداً! إنه منهج حياة لهم، ولن يسمحوا بمستقبل أفضل لأجيالنا الذين ينتظرون الكثير. إن مستقبل أجيالنا يتحقق بإصلاح أنفسنا ومعالجة عيوبنا وأخطائنا. فما أصابنا الذل والهوان إلا بما كسبت أيدينا، وأول ذلك التنازل بعد التنازل في مسلسل استمر أكثر من قرن!.
إذا أراد الإخوة الأساتذة أن نقيم مشروع حوار مع هؤلاء وأن ندعو جميعاً لمشروع حوار نقدّمه لعالمنا تحت مظلة العدل والأخلاق والحقوق، مبشرين العالم بمشروع يصنع الخير له، كما يذكرون في المذكرة المشار إليها، فليس هناك إلا مشروع واحد: أن ندعوهم إلى الإسلام دعوة واضحة جليّة صريحة، بعد أن نكون نحن التزمنا الإسلام في فكرنا ورأينا ومواقفنا، مجاهرين بذلك، رافضين الفتنة والفساد والعدوان، عدوان القوي على الضعيف، صريحين بما ندعو إليه وبما نرفضه وننكره.
إن السبب الأول لصراعهم معنا هو قناعتهم التامة التي تولّدت لديهم خلال أكثر من خمسة عشر قرناً، أنه يتعذّر التفاوض مع هذا الدين كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم يريدون الفتنة والفساد في الأرض، والإسلام يمنعهم من ذلك، يريدون أن يصدّوا عن سبيل الله، والإسلام يدعو إلى سبيل الله. لم يترددوا أن يلقوا بالقنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي، لم يترددوا بارتكاب أبشع الجرائم في مختلف أنحاء العالم إذا اقتضت مصالحهم ذلك.
إننا لا نملك أهدافاً مشتركة إلا حين نتخلى عن هدفنا الأول والأكبر وهو ديننا كما أنزله الله، دون تأويل فاسد لنطوّع الآيات والأحاديث على أهواء الواقع وضغوطه.
أعجب كيف يجرؤون على دعوتنا إليهم، ومشاركتهم أهدافهم، والوقوف معهم في حربهم، ويجرؤون على دعوتنا إلى ديمقراطيّتهم وأنظمتهم ومذاهبهم، ونحن لا نجرؤ أن نصدع بما أمرنا الله به، فندعوهم صراحة إلى الإسلام، إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، دعوة جلية بيّنة، لنُنهي حالة التردد والمساومات والتنازلات!. إنها الدعوة المباشرة لرؤسائهم وقادتهم ليدخلوا الإسلام! إنها الدعوة الصريحة التي أمرنا الله بها، ندعوهم إلى هذا الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، ونبذل الجهد الحق لتتألف قلوبهم على هذا الدين العظيم، ففيه وحده نجاتهم في الدنيا والآخرة.
كيف نعتبر أنفسنا مسلمين مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مؤمنين بأن هذا الدين هو الدين الحق، وأن الله لا يقبل من أحد غيره، وأن من مات على غير دين الإسلام فقد هلك، كيف نعتبر أنفسنا حملة رسالة الإسلام إلى الناس كافة، ثم نرى الناس يتهاوون في نار جهنم كافرين أو مشركين أو منافقين، ولا نسرع لإنقاذهم من هلاك محقّق؟!.
إنهم لن يقبلوا دعوتنا حين نعرضها على استحياء، وحين نغفل القضية الأولى وننشغل بالجزئيات، وحين نجعل من مفردات الحق والعدل مصطلحات عائمة، بعد أن حدّدها الإسلام.
3- حقيقة تكريم الله للإنسان! فبماذا كرّمه؟!.
نعم! إن الله كرّم الإنسان وميّزه من سائر مخلوقاته بأن جعل له مهمة عليه أن يوفي بها في الدنيا ليُحاسَب عليها في الآخرة، وأخذ عليها العهد منه، وأنعم عليه بنعم لا تحصى لتُعينه على الوفاء بهذا العهد وهذه المهمّة، ولكن من الناس من ينسى تكريم الله له، فيهبط بنفسه أسفل سافلين، ويذهب بعض الناس بتكريم الله لهم بمعصيته، حتى يكونوا كالأنعام أو أضلّ سبيلاً. إن ما أنعم الله به على كل إنسان يظل تكريماً له ما دام يسعى للوفاء بالمهمة التي خُلق لها: العبادة والأمانة والخلافة والعمارة، حتى إذا ابتعد عن الوفاء بهذه المهمة، فقد التكريم الذي كرّمه الله به، وحلّت عليه لعنة الله بنصّ القرآن الكريم.
ولكن من الذي أضاع تكريم الله للإنسان؟ إنهم هم وليس المسلمون بعامة.
وكذلك قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)! نعم! هذا حق! ولكنه لا يلغي واجب المسلم في أن يبلّغ دين الإسلام بكل الوسائل التي شرعها الله، وأن يمضي بهذه المهمة عسى الله أن يهدي به الناس. ومسؤولية تبليغ الدعوة واجب المسلم من ناحية وواجب الأمة كلها.
وسوم: العدد 813