شعب سورية .. وطريق الإصلاح
1_ قول وتفسير
منذ فترة ليست بالبعيدة قال الرئيس "بشار الأسد" في مقابلة له مع التلفزيون التركي: ( إن الشأن السوري، شأن عائلي، ولا يهمه رأي الآخرين) .
وفيما بعد قال لإحدى الصحف الغربية: إن الإصلاح قد يحتاج إلى جيل آت حتى يتحقق! ثم قالوا بلسانه: الأسد أو نهدم البلد.
هذه مقاطع تؤشر إلى سياسة محددة، فماذا يعني أسد ولسانه بهذه المقولات؟
إن الحوار الذي يراود المقولتين مباشرة، ولا يُربِكُ أحداً في تفسيرُ معنى ما في قلب الشاعر كما يقولون، لا بد له أن يمرّ مروراً قسرياً على ما تصرف به الأسد، وما مارسه من مذابح في درعا وفي اللاذقية وحمص ودمشق وغيرها من المدن السورية، في شهر آذار من عام 2011م، وما بعد ذلك التاريخ وذلك في مواجهة شعب أعزل، تظاهر سلمياً، مطالباً ببعض حقوقه التي حُرِمها منذ خمسة وأربعين عاماً ونيف؛ إذ هُمش هذا الشعب ، وأُقصي من دائرة تقرير مصيره، ومن مساحة الحد الأدنى من حقوقه، التي انتهكتها المادة(8) من دستور عام 1973م، تلك المادة التي حصرت العمل السياسي وتقرير مصير الناس في سورية بحزب واحد هو الحزب الذي يُدَّعى أنه حاكمٌ اليوم في سورية، إنه حتى الطائفة التي زعم البعض أن الحكام في سورية يمثلونها، جاء تصرف بشار ليثبت أن حكمه عائلي، لا يمثل أحداً في سورية سوى المتسلقين والنافقين والمستفيدين من الفساد الذي بثته عائلة الأسد في المجتمع السوري، خلال نيف وأربعين عاماً من تسلطها على الحكم بانقلاب أطلقوا عليه اسماً مزيفاً (الحركة التصحيحية) تشرن الثاني/1970م، فقد غدا الحكم في سورية حكم عائلة وحكماً فردياً؛ إذ أعطى الدستور الذي ذكرناه آنفاً صلاحيات للرئيس تجعله حاكماً فرداً لا ترد إرادته ولا يسأل عما يفعل..!! وعلى ضوء ذلك كله نستطيع فهم مقولات الرئيس بشار من أن الشأن السوري شأن عائلي، ومن أن الإصلاح يحتاج إلى جيل قادم، فلعل ابنه حافظاً يكون في ذلك الوقت محتاجاً إلى تعديل دستوري جديد، يوافق عمره العمر الذي يعدل الدستور من أجله.
2_ فليعلم الجميع:
_ أن (درعا) ذبحت في عام 2011م، كما ذبحت (حماة) عام1982م، وأن اللاذقية لحقتها في الذبح وذلك على يد أزلام عائلة الأسد، وأن شهداء الحرية بمئات الألوف وليس بعشراتها كما أخبرت وسائل الإعلام، والمدن السورية محتلة محتلة حتى اللحظة من قبل الجيش ومليشيات الحكم العائلي، ومليشيات الرافضة الإيرانية والعراقية الشيعية المرتدة، ومعهم مليشيات حزب حسن نصر اللات من لبنان.
وفي أثناء مذبحة درعا، نُبِّه على الفلسطينيين في (درعا) أن يدخلوا بيوتهم، ويغلقوا على أنفسهم، وأنهم غرباء لا دخل لهم فيما يجري!! في حين أن الحكم كان يجرهم قسراً إلى صناديق الاستفتاء أيام الاستفتاءات المزيفة على الأسد، تحت شعار أنهم مواطنون، ويحق لهم تعبئة الصناديق المزورة الخاوية, يا لها من مفارقة..!!
_ لقد عمّـ المجازر في حوران بداية الثورة حتى لحقت الأرياف، فهذه بلدة ( الصنمين) شمالاً، شهدت مجزرة ادّعت وسائل الإعلام أن عشرين شهيداً فيها ارتقوا، وفي الحقيقة التي أكدها أهل البلد، كان الشهداء أكثر من خمسين، وكذلك كان الأمر في اللاذقية المحتلة.
_ لقد فعلوا ما لم يفعله أي مجرم عدوّ؛ إذ أبعدوا وسائل الإعلام عن ساحات جرائمهم: كي تبقى الحقيقة خافية، وتبقى صورة البطش الذي وصل أمداء غير مسبوقة مغلقة على العالم، و ذلك كي لا يتأثر ادعاؤهم أنهم نظام مقاومة وممانعة، وليبق تخفيهم خلف ذلك الادعاء واقعاً لا يصدقه إلا ساذج أو متسلق منتفع؛ ففي الوقت الذي لا يقاوم الحاكمون في سورية إلا شعبهم، فإن يهود في الجولان آمنون مطمئنون؛ لأن النظام الحاكم في سورية كان وفياً بعهوده معهم؛ فأمّنهم أي أمان، بينما حَوّل أيام السوريين ولياليهم إلى طقس راعب، أطفئت قناديله، وتجهمت آفاقه، واحتلت جهاته الأربع بالقبور الجماعية، والحياة اليومية البائسة، وساقوه إلى مصير وصفه الشاعر وصفاً دقيقاً إذ قال:
/ضياء النهارات ظلاماً يصير/ العطور مستنقعات/ والعصر مزرعة والغضب اليعربي القديم صار شائعة..كذبة/ وحزني كحزن البلاد/ وحزني كحزن العباد/.
3_ خطاب المجرم
إن من يريد أن يتأكد من أن كلام مغتصب الحكم في سورية عن الإصلاح، إنما هو ذر للرماد في العيون وأنه محاولة لكسب الوقت، فليرجع إلى خطاب بشار أمام ما يسمى بمجلس الشعب صاحب التصفيق والبصم على أي كلام يقال، وذلك يوم الاربعاء 30/3/2011م؛ فهو لم يأت بجديد بل إنه لم يَحِد عن طريق أسلافه: مبارك وعلي زين العابدين والقذافي وما قالوه من توجيه الاتهام للمطالبين بالإصلاح، بأنهم قلة وتابعون لمؤامرة خارجية، تريد إنهاء موقف النظام المقاوم؛ مع أن قادة إسرائيل بينوا لنا كم كان هذا النظام مقاوماً ، وذلك حين دافعوا عن مريض العقل بشار، وطالبوا ببقاء حكمه واستمراره؛ لأنه يحافظ على عهوده مع دولة الصهاينة، و يقدم لهم أمناً دائماً في الجولان، لا يجدونه حتى في المدن الداخلية من كيانهم، وقد قال ذلك شارون وقيادات أمنية وعسكرية من الصهاينة، كما قاله رئيس وزرائهم أولمرت، مضيفاً أنه تدخل لدى أمريكا، كي تكف عن الضغط على النظام إعلامياً، وزاد بأن قال: إن الرئيس السوري يستحق تقديرنا واحترامنا!
وإذن ليكن مفهوماً أن ما جرى في سورية من خروج الناس سلمياً للمطالبة بالإصلاح، لم يكن فتنة أو مؤامرة على مقاومة النظام كما قال المريض، بل هو الأمر الذي كان يجب أن يحدث منذ زمن بعيد، ليستقيم أمر سورية بين الشعب والحكم، ولتكون سورية لجميع أهلها، وليست لعائلة أو حزب فرد أو فئة أو قلة، لقد راوح الرئيس في خطابه بين الاتهام وحديث الفتنة، وبين مسودات القيادة القطرية في الإصلاح الخادع، الذي لم ير منه الشعب أية بادرة..! بل إنه ووجه بسلميته طوال سبعة شهور بالرصاص والمدافع وانتهاك الحرمات والقتل والنهب، مما فاق احتمال صبر الناس، فامتشقوا الدفاع عن أعراضهم وأموالهم وكرامتهم، عندما لن يُجْدِ مع الحكم مداخلات المتدخلين الناصحين من أبناء سورية ومن العرب الحريصين على سورية وشعبها، بأن يكونوا بأمن وأمان، بعيداً عن جنون المسؤولين وخيلائهم البئيس.. وكان ما كان من خراب تقصدته العائلة بدفع من المارقين الصفويين والمتصيدين، لقمع الشعوب من روس وأمريكان وغيرهم.
أخي أيها السوري، أخي أيها العربي، أخي أيها الإنسان: تعالوا معي، نتوكأ على عقولنا، ونركب شراع حرية الحوار بقبلة الفهم الحق، وتقديراتنا المذخورة داخل تلك القبلة وذلك لنصافح وجه الحقيقة، فنلقي عن كواهلنا عبء تلك التفسيرات، التي يدلي بها المتسلقون، ليسلِّكوا بها اتهامات الرئيس للشعب السوري؛ إذ يعدّه غير صالح الآن لتسلم أمره وتدبيره، خصوصاً أنه متآمر مع الخارج كما وضح في خطابه الأربعاء 30/3/2011م
تعالوا أيها الإخوان، لننصت إلى زئير الحقائق في الميدان، حيث نجتمع في لحظة دافئةـ، تتعاضد فيها العقول، وتكتشف القلوب حقيقة الادعاء أن الحكم والشعب عائلة واحدة. فالشعب السوري عاش على أمل عريض بأن يتحقق ذلك الادعاء يوماً على الأرض منذ أربعين عاماً وحتى اليوم، لكنه وضع ألف علامة تعجب أمام هذا الادعاء؛ فهو ما كاد ينسى مآسي تدمير حماة عام 1982م وقتل عشرات الآلاف من أهلها بلا ذنب إلا أنهم قالوا نريد الحرية ،و ما كاد ينسى مذبحة سجن تدمر عام 1979م، عندما قتل أكثر من ألف أسير في ذلك السجن بدم بارد، وما كاد ينسى مذابح دمشق وحلب وجسر الشغور واللاذقية وإدلب، نقول: إنه ما كاد شعبنا ينسى تلك الجرائم التي ارتكبها النظام في ثمانينيات القرن الماضي، حتى جاء النظام الحالي الوريث ليؤكد أن المسيرة الأسدية واحدة، والعائلة هي هي، لا يختلف فيها طبيب العيون عن الجنرال المنقلب على رفاقه؛ فالطبيب الدارس في بلاد الغرب، الذي رأى كيف هي الحرية في تلك البلاد، وكيف تتحرك شعوبهم بلا قيود ولا عوائق من قوانين وقرارات وتنظيمات، وكيف أنهم يشاركون بكل أريحية باتخاذ القرار وتقرير المصير بلا رقيب، وكذلك رأى كيف أن الرأي هناك حرٌّ شفيف مهما كان ناقداً أو منفعلاً، أو حتى منادياً بإزاحة أي كان مهما كان له من مكان ومكانة .
نقول: إن هذا النظام يذكرنا بما فعل في درعا ودمشق وحمص وحلب واللاذقية بما كان في حماة عام 1982م وما قبله وما بعده.. وهذه حقائق لا تنمحي آثارها مهما امتد الزمن، وجرح المواطن الغريب في وطنه لا يسقط بالتقادم، وإن القتل اليوم في (درعا) هو القتل في (حماة) منذ ثلاثين عاماً، وليعلم الذين يظلمون شعوبهم أي منقلب ينقلبون، وإن ذلك سيكون قريباً إن شاء الله؛ فخطاب الرئيس لم يسعد إلا قلة من المتسلقين .
وسوم: العدد 813