رجاءً دعوا عنكم هذا الزهد المدمر

خلال الفترة الماضية انتشر بكثرة عجيبة فيديو للفنان لطفي بوشناق يقول فيه " خذوا المناصب والكراسي واتركوا لنا الوطن".

ويمثل هذا الفيديو مشاعر، نحسبها صادقة، لكثيرين من شعوبنا عن حب الوطن والزهد في الكراسي والسلطة، التي كثيراً ما يجنح أصحابها إلى الاغتراف من خيرات الوطن بلا رقابة من دين أو ضمير.

لكن - للصراحة - هذا الزهد كان من الأسباب التي دمرت بلادنا في التاريخ الحديث.

لقد قامت في بلادنا ثورات صادقة، نجحت في طرد الاستعمار منها بعدما قدمت ملايين الشهداء، وجميعنا يعلم هذا الأمر.

ثم لما جاء دور تشكيل الحكومات وتسلم السلطة، قام كثيرون من الذين قدّموا وضحّوا بالابتعاد عن الساحة بدعوى الزهد في المناصب والحفاظ على الأجر...

ولا يزال كثيرون منهم اليوم يحملون العقلية نفسها والمبررات عينها..

فماذا كانت النتيجة ؟

بكل بساطة، استلم الانتهازيون وأذناب الاستعمار السلطة من جديد، وعادت الأمور أسوأ بكثير من أيام الاستعمار نفسه.

فمتى يدرك الشرفاء الذين يُعرضون عن المناصب العامة أنهم يرتكبون - دون قصد - أكبر جرم بحق بلادهم التي يزعمون حبها.

علينا أن نوقن أن الكراسي جزء من الوطن، بل هي من أهم أجزائه، وأن السعي لها واستلامها ليس شراً، طالما توفرت الأمانة والكفاءة..

وأن الإعراض عنها بزعم الزهد والبعد عن الأضواء يعني تسليمها إلى الصوص والعملاء.

وخير ألف مرة أن يتقدم لها شريف يتهم نفسه ويحاسبها، من تركها لمن يلهثون ويتكالبون للحصول عليها.

آن لنا أن نفهم ونعقل أنه في سبيل الحفاظ على الوطن لا بد للصادقين والشرفاء أن يقدموا أنفسهم وأن يظهروا وأن يثيروا إعجاب الناس ويسعوا إلى نيل حبهم.

وإلا فالنتيجة هي ما نراه اليوم ونعيشه.

وسوم: العدد 816