حملة تلقيح نخيل الشوارع

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز

ليس عجيبا إن عشقنا النخلة، هذه الشجرة العربية المباركة التي تظللك فصلا وتطعمك بلحا شهرا، ثم رطبا جنيا فترة، ثم تمرا ليكفيك عاما كاملا؛ أليست هذه الكريمة خليقة بالحب.

إلا اللهم أن تكون جحودا ناكرا للجميل لا تنتمي إلى عروبتك! في هذه الحالة فقط يمكنك أن لا تولع بها ولا تعيرها كل الاهتمام.

كان الوقت ظهرا وأردت أن آخذ قيلولة قصيرة، لكن الفكرة راودتني ومنعتني من النوم!

نهضت وأرسلت رسالة إلى بعض الأصدقاء أشاورهم في أن نبدأ حملة تلقيح نخيل شوارع المحمرة والتي كانت تبقى كل سنة بلا لقاح فيصير ثمرها (شيصا) لا يصلح للأكل.

ودعوتهم أن ننطلق يوم الجمعة ...

رحب الأصدقاء بالفكرة، وعلينا الآن أن نحضر أدواتنا لهذا الأمر التطوعي الذي لا تكتسب من ورائه سوى المتعة وأنت تقدم خدمة لنخلتك العربية، والأجر إذا ما أصاب ثمرها الفقراءَ من شعبك، وفي ظل هذا الغلاء الظالم ما أكثرهم.

ذهبت يوم الخميس إلى سوق الصفاء في المحمرة لأشتري اللقاح، لكني لم أجد! عجيب! في الأيام الماضية كنت أرى الكثير منه في هذا السوق.

فقصدت السوق الشمالي والذي يقع وسط المدينة، وهناك لم أحصل إلا على ثلاث طلعات، وكان صديقي محمد الشويكي قال لي إننا نحتاج خمسا منها على أقل تقدير.

فاتصلت بأبي وسام باقر حته، أدري أنه كان مديرا في قرية الحفار والفلاحون يعرفونه، ذهبت برفقته إلى الطويجات أولا، لكننا لم نحصل إلا على طلعة واحدة؛ فتوجهنا نحو قرية الحفار، وهناك غنمنا ثماني طلعات. فأصبح لدينا 12 طلعة، وهذه الكمية تلقح أكثر من مئة نخلة. وقد أسعفنا في آخر اللحظات صديقنا حامد المحسني من المحرزي بلقاح جاف من نخيلهم أيضا.

استغرقت عملية البحث عن اللقاح أربع ساعات ... ولم تكن مملة طبعا.

أعلنت في مجموعات التواصل أن اللقاح جاهز وسننتظر يوم الجمعة صباحا مجيء من يحب أن يشاركنا في هذه الحملة التطوعية.

في صباح الجمعة حضر الشاعر محمد الشويكي بسيارته النيسان وكان قد جلب معه سُلما خشبيا ومنشارا، لديّ علّاوة ومنشاران وقد أضاف أبو وسام على أدواتنا علاوة أخرى لنصعد عليها، وحضرنا على ضفاف نهر كارون في الساعة المحددة... في التاسعة صباحا.

وقد رافقني ابني ماجد، ورافق أبا وسام ابناه وسام وسراج، ثم التحق بنا الأخ مصطفى دريس أبو طارق والذي اصطحبنا من بداية حملتنا وحتى نهايتها. 

ثم التحق بنا صديقنا عادل الخاقاني أبو مرتضى من عبادان وبدأنا الحملة من يسار الجسر، كانت النخيل مصطفة بنظم خاص وسط الشارع، يختلف ارتفاعها من مترين إلى خمسة أمتار؛ لقحنا بعضها بالسلم وبعضها بالعلاوات، والمرتفعة بالصعود إلى قلبها؛ ولولا الشاعر محمد الشويكي وعادل الخاقاني لما استطعنا أن نلقح المرتفعة لصعوبة الصعود إليها؛ فقد أجاد هذان الرجلان في الصعود والتلقيح ما يدل على أن لهما علاقة وطيدة مع النخيل... ونعم العلاقة.

حضر لمساعدتنا ما يقارب 30 شخصا، أخذ عماد نواصري مقدارا من اللقاح واتجه مع موعود المسعودي إلى ضفة النهر الثانية، إلى نخيل كوت الشيخ.

لقحنا بعدها نخيل شارع المستشفى، وانتقلنا إلى شارع الدرة الذي ينتهي إلى السوق، ثم رجعنا إلى ضفاف النهر وتحديدا إلى يمين الجسر.

وفي هذا اليوم المبارك تم لقاح أكثر من 120 نخلة.

فشكرا لمن دعم هذه الحملة التطوعية...

يقال إن هناك متعة في العطاء لا تستطيع أن تقارنها مع متعة الأخذ، وقد أحسسنا بهذه المتعة حقا هذا اليوم الذي قضينا خمس ساعات منه مع النخيل.

وسوم: العدد 816