صفحات مجهولة من تاريخ العلاقات السورية الأمريكية 9

(أمريكا تمهد للانقلاب على الحكم الديمقراطي)

الحلقة التاسعة

لم تكن الولايات المتحدة راضية عن حكم ناظم القدسي الديمقراطي، لذلك مهدت لانقلاب زياد الحريري من خلال انقلاب مبدئي في العراق في 8 شباط عام 1963م، الذي كان من تدبير السي أي إيه، وهذا ما أكده علي صالح السعدي. كما قام نظام البعث بعد عام 1963م بعقد اتفاقيتين مع الشركات الأمريكية النفطية، مما حدا بالحوراني أن يفضح هاتين الاتفاقيتين من خلال حزبه الجديد وهو (الاشتراكيون العرب)، حيث وزع صورة وثيقة البترول التي تؤكد أن النظام الجديد قد سلم موارد البترول السورية للشركات الأمريكية، مما حذا بنظام أمين الحافظ إلى زجهم في السجن حتى تشرين الأول عام 1965م، حتى أن السفير الأمريكي في بيروت (أرمان ماير) قال بعد انقلابي البعث في سورية والعراق: (إن من حق حكومتي أن تؤيد حزب البعث الحاكم في سورية والعراق، لما أظهره من شجاعة في مكافحة الشيوعية)، ومن هنا كان اعتراف الولايات المتحدة السريع بنظام الحكم الجديد في كل من سورية والعراق بعد الانقلابين الأخيرين، وتسلم البعث الحكم في البلدين المتجاورين، ودعم سياسة الحكومتين السورية والعراقية التي ترمي لمكافحة الشيوعية. كما أكد (مايلز كوبلاند) في كتابه لعبة الأمم هذه الحقيقة بقوله: (إن المخابرات الأمريكية مطالبة بخلق تيارات أكثر تطرفاً وتقدمية في الساحة العربية)،حيث وصل التيار الماركسي المتطرف الذي يؤيده صلاح جديد إلى الحكم، عقب انقلاب 23 شباط عام 1966م، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي بثته قناة الجزيرة، أن اتفاق المعسكرين الشيوعي والرأسمالي هو الذي عين الرئيس نور الدين الأتاسي بعد انقلاب 23 شباط عام 1966م، والدليل على ذلك أنه رغم التطرف الظاهري لنظام الحكم الذي ساد في عهد الأتاسي وعدم استعداده لخوض أي معركة مع إسرائيل في ظل الفرق الشاسع بين الطرفين لصالح إسرائيل، إلا أن النظام خاض الحرب في حزيران عام 1967م وَهُزم، وكانت الولايات المتحدة قد أكدت لوزير الدفاع الإسرائيلي قبيل الحرب أن إسرائيل سوف تكسب الحرب بسهولة وفي مدة قصيرة، وحدث ما توقعته الولايات المتحدة، ورغم إلحاحها الظاهري على مشروع القرار 242 في 22 تشرين الثاني عام 1967م إلا أن النظام لم يقبل به بسبب تطرف النظام بدون مبرر، وقد أكد السفير السوري في مدريد العقيد دريد المفتي أن النظام عمل من خلال وزير الخارجية إبراهيم ماخوس، على حث إسبانيا للتدخل لدى الولايات المتحدة لقبول نتائج حرب 1967م، حيث سلم وزير خارجية إسبانيا بعد ذلك للسفير السوري في مدريد المذكرة التالية: (تهدي وزارة خارجية الحكومة الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية بمدريد، وترجو أن تعلمها أنها قامت بناءً على رغبة الحكومة السورية بالاتصال بالجهات الأمريكية المختصة، لإعلامها برغبة سورية في المحافظة على الحالة الراهنة الناجمة عن حرب حزيران (يونيو) سنة 1967م… وتود إعلامها أنها نتيجة لتلك الاتصالات، تؤكد الحكومة الأمريكية أن ما تطلبه الحكومة السورية ممكن، إذا حافظت سورية على هدوء المنطقة، وسمحت لسكان الجولان بالهجرة للاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري، وتعهدت بعدم قيام نشاطات تخريبية من ناحيتها، تعكر الوضع الراهن). وقد نفذت الحكومة السورية بالفعل ما طلب منها، وعلى ذلك كانت هدية نظام الأتاسي، للولايات المتحدة وإسرائيل هو تدمير الجيش السوري بالتسريحات أولاً وبالهزيمة ثانياً، والانسحاب من الجولان وتوريط مصر التي خسرت سيناء وقطاع غزة، وأيضاً الأردن التي خسرت الضفة الغربية والقدس، بهذه الحرب دون أن يتخذ النظام تدابير وقائية أو أن يقوم بحرب فعلية، كما أن الولايات المتحدة قد دعمت إسرائيل بحوالي 200 طائرة سكاي وفانتوم، ولم يستطع النظام استعادة هيبته، رغم تصريحاته التي أخذ يطلقها ليدفع عن نفسه محنة اللاشرعية الملازمة لنظامه منذ البداية وزادت حدتها عقب هزيمة 1967م، مما دفعه لخوض حرب استنزاف بدأت عام 1969م، ثم رفض مبادرة روجرز في 9 كانون الأول عام 1969م لحل النزاع العربي الإسرائيلي، برغم قبول إسرائيل وعبد الناصر لها في حزيران عام1970م، حيث ندد النظام بالمبادرة وحرض عليها الفلسطينيين، مما حذا بإسرائيل ومصر إلى رفضها بسببه، رغم أنه كان الأولى بهذا النظام أن يأخذ ويطالب لكن المنهج اللاعقلاني الذي اتبعه كان يملي عليه التطرف في كل شيء، ومن المؤكد أن تطرفه هذا لم يكن بدافع ذاتي بل بتأثيرات خارجية، لأنه لا يعقل أن يرفض نظام منافع ذاتية، في ظل وضعه المتردي والذي في ظله استحالة تحقيق أي إنجاز أو نصر، لهذا كان الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد عام 1970م وعرف بـ(الحركة التصحيحية) كرد على تطرف النظام واتجاهه اللاعقلاني في السياسة الخارجية والداخلية كما أعلن عن ذلك. 

يتبع......

وسوم: العدد 820