ولكِنَّكُم غُثاءٌ ..فَمَا هي الغُثَائيَّةُ ..؟
حَذَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين من خطرٍ وخطبٍ جللٍ قادمٌ فقال: :"يُوشكُ أن تتداعى عليكُم الاممُ كما تتداعى الأكلَةُ إلى قصعتِها.. قالَ قائلٌ: أومِنْ قِلَةٍ نحنُ يومئذٍ يا رسولَ اللهِ..؟ قالَ: بل أنتم يومئذٍ كثير.. ولكنَّكم غُثاءٌ كَغُثاءِ السيلِ.. ولينّزعنَ اللهُ المهابةَ منْ قُلوبِ اعدائِكم منكم.. وليَقّذفنَ اللهُ في قُلوبِكم الوهن.. قالوا: وما الوهنُ يا رسولَ اللهِ..؟ قالَ :حبُ الدُنيا وكراهيةُ الموتِ". هذا الحديث يؤكد أمراً مهماً وهو أنَّ الغُثائيِّةُ هي عِلةُ ضَعفِ الأمَةِ المُسلمَةِ وهوانِها على النَّاسِ.. ولكنْ ما المقصودُ بالغثائيِّةِ ..؟ أهي غُثائيِّةُ إيمانٍ..؟ أم غُثائيِّةُ تخلُّفٍ في ميادينِ الحياةِ..؟ عبارة "غثاءٌ كغُثاءِ السيلِ" تُوحي بأنَّها غُثائيِّةُ قوةٍ ومكانةٍ وأداءٍ.. فالغثاءُ كما هو معلوم:: ما خفَّ من حُمولةِ السيل الجارفِ يُلْقي بها على جوانبِ مجراه.. وهي (الزبدُ) في التعبير القرآني لقولِه تعالى: "فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا" وهذا مما يستبعد احتمال غُثائيِّةَ الإيمانِ عن الأمة لقولُه صلى الله عليه وسلم :"بل أنتم يومئذٍ كثير" وهذا ممَّا يُرجحُ بفهمي أن الغثائية: غُثائيِّةَ قوةٍ ومهابةٍ وتخلُّفٍ في ميادين العمل والإنتاج والإبداع.. وليست بحالٍ غثائيِّةَ إيمانٍ وبعدٍ عن اللهِ تعالى كما يفهم البعض !.. فالحالةِ الإيمانيِّةَ للمسلمين إذاك سليمة.. بل جاءَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يؤكدُ إشادتَه بحالة المسلمين كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أتدرونَ منْ إخواني..؟ قالوا: نحنُ يا رسولَ اللهِ..! قالَ: بل أنتُم أصحابي.. أمَّا إخواني فهم أولئك الذين يؤمنون بي دونَ أن يَروني ووصفَهم بأوصافٍ حميدةٍ" لذا فإنَّ حالةَ هوانِ الأمةِ - بفهمي- لا تتعلقُ كما يَحلو للبعضِ بمسألةِ تراجعِ إيمانِها وبعدِها عن اللهِ.. بل تتعلقُ بالضعفِ والتخلفِ في ميادينِ الحياةِ.. فالمهابةُ لا تسقطُ إلا معَ سقوطِ القوةِ والمنَعةِ كما في قولِه تعالى: "قلْ هو منْ عندِ أنفُسِكم" وحالةُ الوهنِ تُنتجُها حالةُ الخلل في فهم البعض لقولِه تعالى: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" فيسترخون وتنمو عندهم ظاهرةُ التواكل والقعود عن العمل.. وقد سمعت مرة أحد طلبة العلم يقول : أمتُنا ليست مكلفة بالانشغال بمسألة الرزق والتكنولوجيا.. لأنَّ الله سخر النَّاس جميعا بهذه المسائل ليتفرغوا هم للعبادة والدعوة ؟! وذلك اسناداً إلى فهمه الخاطئ المدمر لقوله تعالى: " أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ " . أجل فالغثائيِّةُ: هي هجرُ عبادةِ اللهِ تعالى في محاريبِ السوق والنهوضِ بمسؤولياتِ الاستحلاف في الأرضِ.. وبهذه الغثائيِّةِ يُرتبُ اللهُ تعالى على الأمةِ عقوبتين:(انتزاعُ مهابتِها منْ قُلوبِ أعدائِها، وقذف الوهن في قُلوبِ أجيالِها)..ولا نجاة للأمةِ من هذه الغثائيِّةِ المدمرةِ.. إلا بالعودةِ إلى التكاملِ والتلازمِ بين محاريبِ عبادتِها الروحيِّةِ ومحاريب عبادتها العمرانيَّة.. وإلى ثقافة التواصلِ بينَ محاريبِ المسجدِ ومحاريب السوقِ.
وسوم: العدد 821