تركيا إيران والعرب تكامل أم تنافر
(تركيا إيران والعرب تكامل أم تنافر) عنوان حلقة برنامج (في العمق) التي بثتها قناة الجزيرة يوم الاثنين 14 حزيران 2010، وأدار الحوار فيها الإعلامي السعودي علي الظفيري، الذي تم الضغط عليه ليستقيل من قناة الجزيرة ويعود إلى بلده، وكانت هذه الحلقة مع المفكر الكويتي عبد الله النفيسي التي دارت حول المشروع الإيراني والمشروع التركي في المنطقة، والتنافس فيما بينهما على تلك الرقعة الذهبية، وعوامل الربح والخسارة والتأييد والمعارضة لكل منهما في غياب المشروع العربي، وركزت باهتمام شديد حول ما طرحه النفيسي من مخاوف من المشروع الإيراني وطموحات الإيرانيين وأطماعهم في المنطقة، كون النفيسي كما قال: (كل سنة أزور إيران وألتقي بالنخب الإيرانية منذ أكثر من عشرين سنة)، وقد استشف، كما يقول من هذه النخب، اعتقادهم أن (الإيرانيين يشعرون بالغبن، وينظرون للعرب أنهم كانوا غزاة لفارس وليسوا فاتحين).
لقد كان كل ما جاء على لسان هذا المفكر يشعرك بالخوف من الجارة إيران، ويجعلك تحسب لها ألف حساب، دون إدارة الظهر إلى العدو الصهيوني، كونها صاحبة مشروع طموح وكبير في المنطقة والعالم، في غياب أي مشروع عربي، رصدت له كل إمكانياتها وطاقاتها وثرواتها المتعددة، وحشدت له آلاف العقول المتعلمة والمثقفة والمتخرجة من أشهر جامعات الغرب وأمريكا، إضافة إلى تلقينهم العلوم الدينية القائمة على المذهب الجعفري وولاية الفقيه، الذي هو عماد الثورة الخمينية التي نجحت بإزاحة الشاه رضا بهلوي عام 1979.
ومن قادة الفكر عندهم أفراد عائلة (لاريجاني) الذين يقفون في الصف المتقدم من أصحاب اتخاذ القرار الإيراني السياسي والأمني والدعوي، فالأخوين اللذين كانا يجلسان إلى جانبي الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في المناسبات الرسمية، على لارجاني رئيس السلطة التشريعية وشقيقه صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، هذه الأسرة الأكبر نفوذاً في إيران اليوم، حيث يترأس الأخوان في نفس الوقت اثنين من فروع الحكومة الثلاثة، ويعتمد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عليهما، ويؤكد على ذلك المعارض الإيراني عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة استنافورد فيقول: إن (خامنئي يشعر بأن هذان الشقيقان هما الشخصان الوحيدان القادران على مساعدته في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد).
ويعتبر الأخ الثالث محمد جواد لا رجاني وهو أكبرهم – كما يقول النفيسي – المنظّر الرئيس للثورة الإيرانية الذي يدعو: (لجعل قم هي أم القرى بدلاً من مكة، وأن تكون قم أم القرى عاصمة العالم الإسلامي).
وأشار النفيسي في حديثه مستشهداً بكتاب (التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية)، وقد نشر مركز الشرق العربي للأستاذ علي حسين باكير يوم 15 أيار عام 2008 دراسة حول الكتاب وما كشف عنه الكاتب وهو "تريتا بارسي" الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز"، المولود في إيران والذي نشأ في السويد وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية، ثم على شهادة ماجستير ثانية في الاقتصاد من جامعة "ستكوهولم"، لينال فيما بعد شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة "جون هوبكينز" في رسالة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية.
و تأتي أهمية هذا الكتاب من خلال كم المعلومات الدقيقة والتي يكشف عن بعضها للمرة الأولى، إضافة إلى كشف الكاتب لطبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران – أمريكا) خلف الكواليس شارحاً الآليات وطرق الاتصال والتواصل فيما بينهم في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والسجالات الإعلامية الشعبوية والموجّهة.
كما يكتسب الكتاب – كما يقول باكير - أهميته من خلال المصداقية التي يتمتّع بها الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية "تريتا بارسي". فعدا عن كونه أستاذاً أكاديمياً، فإنه يرأس "بارسي" المجلس القومي الإيرانى- الأمريكي، وله العديد من الكتابات حول الشرق الأوسط، وهو خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو الكاتب الأمريكي الوحيد تقريبا الذي استطاع الوصول إلى صنّاع القرار (على مستوى متعدد) في البلدان الثلاث أمريكا، إسرائيل وإيران. ولما كان ما جاء في هذا الكتاب محل جدل وقبول ورفض، فإن العودة إليه الآن هو مضيعة للوقت رغم أهميته، ووجدت من الفائدة العودة إلى موضوع نظرية محمد جواد لاريجاني حول جعل (قم أم القرى بدلاً من مكة لتكون عاصمة للعالم الإسلامي). وبعد بحث مضن وجدت دراسة مستفيضة حول نظرية تحويل قم إلى أم القرى بدلاً من مكة للأستاذ خالد الزرقاني، نشرت على شبكة البصرة يوم 25 تشرين الثاني عام 2009، أقتبس أهم ما جاء فيها:
يقول الزرقاني: (إن نظرية أم القرى الإيرانية، منسوجة بشكل كامل على قياس ما يسمى ولاية الفقيه وإيران. فهي مبنية على أن دولة (أم القرى) أي إيران، لديها موقع جغرافي ممتاز لتنطلق منه، وكذلك لقائدها صلاحيات واسعة كبيرة للحكم (الولي الفقيه). يقول لاريجاني، أحد أكبر منظّري هذه النظرية الإيرانية الاستعمارية: إنه إن كان علينا أن نعتبر إيران اليوم هي (دار الإسلام!) وأم القرى، وهي كذلك فعلاً- على حد زعمه - فيجب أن يخضع أولاً كافة المواطنين لإرادة الولي الفقيه، وأن يبايعوه في كافة ما يريد.
ووجد لاريجاني هذا ثغرة تناسب خميني الهندي الأصل في نظريته. حيث أكد أنه يمكن لقائد غير إيراني الأصل، مثل خميني، أن يستمر بزعامة الدولة. وبخصوص الدخل النفطي، يؤكد لاريجاني أنه يجب أن يتم صرف الكثير منه خارج الحدود التي لا نعترف بوجودها أصلاً. وذلك في مخطط توحيد (أي احتلال) أراضي الأمة! ويؤكد لاريجاني هذا بأنه ينبغي على جميع قادة الدول في الأمة (العربية)، طاعة أوامر ولي الفقيه؛ لأنه الأصلح لحكمهم جميعاً!).
ويضيف الزرقاني في دراسته قائلاً:
(تسيطر نظرية أم القرى على العقيدة الإيرانية السياسية الدينية. وهي أخطر من خطط الاستعمار الماكيافيلية السرية، وهي مبنية على عدد من النقاط الأساسية، أهمها:
أولاً: أن إيران "قم وطهران"، هما مركز أو عاصمة مسؤولة، عليهما واجبات، يحكمهما إمام واحد مسؤول وهو خامنئي اليوم، عليه زعامة أمة واحدة! .. (ومن الواضح جداً أن الأمة العربية هي المستهدَف الأول).
ثانياً: الأرض التي يجب أن تكون عاصمة دولة أم القرى (يقصدون إيران)، هي مكة المكرمة. وبعد أن تصبح مكة المكرمة عاصمة الدولة، يتم الإعلان الرسمي عن ولادة أم القرى. (والجدير بالذكر أن هذه النقطة سرية، غير معلنة في السياسة الخارجية الإيرانية، لكنها تُدرّس في حوزات قم وتُطرح في جامعات إيران، كحلم إيراني يعملون على تحقيقه).
ثالثاً: أن أساس وجوهر الدولة الموعودة في هذه النظرية، مبني على عنصرين مهمين. الأول، هو ولاية الفقيه. والثاني، حكومة الولاية هذه. (ومن الملاحظ أن كل حزب أو جماعة عميلة تزرعها إيران في العالم العربي، تؤمن بولاية الفقيه! يعني هذا أنها تنفذ أجندة خامنئي بأن يتم إعلان تلك الدولة الموعودة يوماً ما).
رابعاً: حسب النظرية الإيرانية هذه، فليس للحدود المتفق عليها دوليا أي دور، أو أهمية في الخطط المرسومة للوصول للغاية الإمبراطورية الموعودة. إذ إن الشعوب الإسلامية!! جميعاً يتبعون رأي ولي الفقيه، وإن مسؤولياته غير قابلة للتقسيم أو الطعن. وعلى هذا فلا يمكن لأحد تقسيم أراضي الأمة! للحد من سلطات ولي الفقيه عليها.
ثم تؤكد هذه النظرية أن القيادة لا تعترف بشيء اسمه حدود جغرافية البتة. ويؤكد منظّرو النظرية الإيرانية هذه، وعلى رأسهم محمد جواد لاريجاني، وخميني وخامنئي أن اعترافهم بالحدود الجغرافية بشكل رسمي، هو من باب التقية.
فهم لا يعترفون إلا بما يسمونه الحدود الشرعية، والتي يحددها الولي الفقيه. وأما عن حدود أم القرى (أي إيران)، فتكون حسب وسعها، وتغيُّر ذلك. فهم يعتبرون حدودهم اليوم ناقصة!
خامساً: أن الدولة التي سوف تقام، وتصبح أم القرى (على حد زعمهم)، ستكون فيها قيادة العالم الإسلامي! لتتزعم الأمة.
سادساً: أن قيادة اليوم بزعامة ولاية الفقيه، تعتبر هي القيادة الفعلية للدولة الموعودة (حسب نظرية أم القرى)، وإن لم تصبح مكة المكرمة عاصمة لها، لكن لا يعني ذلك التخلي عن المسؤوليات!
سابعاً: سبب العداء ضد أم القرى (يقصدون إيران)، هو أنها تحاول استرداد الحقوق من المستكبرين (يقصدون العرب)؛ لهذا فهم يحاولون تقويضها وتحطيمها.
ثامناً: دور الأمة (يقصدون الشعب العربي)، في الحفاظ على دولة أم القرى وحمايتها، والطاعة لأوامرها فرض عين. (يقصدون بذلك تحويل كافة أبناء الأمة إلى عملاء لإيران!).
تاسعاً: كل الدول في العالم (يقصدون العالم العربي والإسلامي)، فيها نواقص ومشاكل، إلا دولة فيها نظام ولاية الفقيه، هي دولة ذات نظام سليم، وشرعي. أما عن الإعمار والتنظيم وحماية الظواهر الشرعية (على حد تعبيرهم)، وأمثال هذه الأشياء، إنما هي أمور فرعية!
عاشراً: إننا إذ حاولنا ونحاول تطبيق النظرية هذه، إنما نجد أهدافنا ووسائلنا لا تخرج عن اثنين. أولهما، تصدير الثورة. وينقسم إلى شقين: عقَدي، وعسكري. أما ثاني الهدفين، فهو حفظ أم القرى (أي فارس).
الدكتور المفكر النفيسي قدم عرضه في الحلقة بكل هدوء وموضوعية، وتقديم الحقيقية لا يصح أن يرمى صاحبها لا بالطائفية ولا العنصرية أو غيرها، وأتمنى أن تتسع صدور الإيرانيين والمفتونين بهم للنقاش حول هذه الحقائق بكل موضوعية ومسؤولية، دون الترهيب والرمي بالتهم التي يقصد منها حجب الحقيقة عن الآخرين.
وسوم: العدد 826