وفي الغارة السابعة تخبط وثرثرة!
فادي شامية
الخميس 27 شباط 2014 - العدد 4961 - صفحة 2
لا يوجد أجمل من وصف الشاعر أحمد مطر لجوقة "الممانعين" في لبنان وسوريا. في قصيدته الشهيرة يصف بشار الأسد بما يأتي: "مقاوم بالثرثرة. ممانع بالثرثرة. يكاد يلتف على الجولان والقنيطرة. مقاومٌ لم يرفع السلاح. مقاومٌ لم يرسل إلى جولانه دبابة أو طائرة. لا يطلق النار على العدو، لكن حينما تكلم الشعب صحا من نومه وصاح في رجاله: مؤامرة مؤامرة".
منذ اندلاع الثورة السورية في 15/3/2011 ولغاية مساء الإثنين 24/2/2014؛ وقّعت "إسرائيل" على سجل "الممانعة" سبعَ غاراتٍ؛ استهدفت مواقع داخل الأراضي السورية، ولم يصدر عن النظام السوري أي ردٍ غير بيانات التوعد بالرد في المكان والزمان المناسبين، كما هي دارج عادة النظام السوري، منذ عقود في التعاطي مع الاعتداءات الإسرائيلية.
في أيار الماضي بلغت ثرثرة النظام السوري أوجها عندما ضج إعلامهم بتهديد العدو الإسرائيلي في حال أقدم على تنفيذ أي غارة جديدة على مواقع سورية، وقد انضم أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله في التاسع من الشهر نفسه إلى هذه الحملة عندما أعلن حرفياً: "فتح الباب في المقاومة الشعبية في جبهة الجولان"، وأن جيش النظام "جهز منصات صواريخ ووجهها في اتجاه أهداف في فلسطين" للرد فوراً بعد أي غارة جديدة.
جاء هذا التهديد من النظام السوري و"حزب الله" بعد الغارة التي نفذها العدو الإسرائيلي على موقع سوري يحتوي على صواريخ مضادة للطائرات قيل إن النظام السوري كان ينوي نقلها إلى "حزب الله" أو أنها كانت في طريقها إليه. ومن فرط "ارتعابه"؛ شن العدو الإسرائيلي غارة جديدة على أهداف ثابتة أو متحركة داخل الأراضي السورية بتاريخ 26/1/2014، استهدفت منصات لإطلاق الصواريخ الروسية S300في حي الشيخ ضاهر في مدينة اللاذقية، وكانت هذه الغارة هي السادسة على التوالي منذ الثورة السورية، ومعها انعقدت الألسن فلم يصدر أي تأكيد أو نفي أو تعليق أو تهديد على الغارة، وكأن تفاهماً قد تمّ بين الجهات المعنية بعدم الحديث عن الموضوع، لدرجة أن الإذاعة الإسرائيلية نفسها لم تشأ نسبة خبر الغارة -التي سمعها أهالي اللاذقية- إلى مصادر عبرية؛ فنسبت خبر وقوعها إلى المعارضة السورية.
ليل الاثنين 26/2/2014 شنت طائرات العدو الإسرائيلي الغارة السابعة. هذه المرة جاء الهدف على الحدود اللبنانية-السورية، وقد طالت الغارة – وفق أرجح الروايات- هدفين لـ "حزب الله" دفعة واحدة، أحدهما متحرك في منطقة وعرة بين بلدة النبي شيث اللبنانية وبلدة سرغايا السورية. وقد بدا الارتباك -الذي سببته الغارة- واضحاً في مواقف "حزب الله" على وجه التحديد.
أولاً: بقدر ما كشفت الغارة الجديدة حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي، في لبنان وسوريا، بقدر ما كشفت بالمقابل ازدراء "إسرائيل" بالثرثرة الكلامية، التي تترك لها المجال بلا رد، ما لم يصل الأمر إلى ما تعتبره مضراً بأمنها، سيما أن العدو الإسرائيلي يدرك مدى هشاشة النظام السوري حالياً من جهة، وحجم انغماس "حزب الله" فيما بات يسميه حرباً مصيرية من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل اليد الإسرائيلية أكثر قدرة على التحرك.
ثانياً: حرص "حزب الله" على نفي استهداف أي هدف داخل الأراضي اللبنانية. "المنار" استندت إلى مصدر أمني لبناني لتؤكد ذلك، ورئيس بلدية النبي شيث (حزب الله) طمأن الجميع "أنه لم تحصل أي غارة في جرود النبي شيت ولا في القرى المجاورة بل داخل الحدود السورية". فيما قالت صحيفة "الأخبار" المقربة من الحزب إن "إسرائيل (نفذت) غارة جوية في منطقة قريبة جداً من الأراضي اللبنانية، قبالة بلدة جنتا البقاعية"... وقد وصل الأمر إلى حد تكذيب الصحافة الغربية التي تحدثت عن الغارة، في إصرار عجيب على نفي بعض التفاصيل، لا سيما أنها وقعت داخل الأراضي اللبنانية، لكن التخبط ظهر في بيان أصدره "حزب الله" بعد ظهر يوم الأربعاء (أمس) أكد فيه وقوع الغارة معتبراً أنها "اعتداء صارخ على لبنان وسيادته وأرضه"، دون أن يوضح البيان كيف تكون غارة -يؤكد الحزب وقوعها داخل الأراضي السورية- اعتداءً على سيادة لبنان وأرضه!
ثالثاً: يزيد البيان إياه من إحراج الحزب للسلطات الأمنية اللبنانية؛ لأنه أكد استهداف موقع ثابت للحزب على الحدود اللبنانية السورية أو داخل الحدود السورية -كما سبق للحزب أن قال-، وليس هدفاًً متحركاً كان ينقل السلاح. وجه الإحراج واضح؛ إذ باتت حدود لبنان كلها، سواء مع فلسطين المحتلة أو مع سوريا بقبضة الحزب، الذي يعترف بأن له مواقع حدودية وفق بيانه، فيما يعتبر خروجاً عن بديهيات السيادة للدولة، وفلسفة المقاومة التي قامت في مواجهة العدو الإسرائيلي فقط كما كان الحزب يزعم على مدى سنوات خلت!
رابعاً: مع نفي الحزب وقوع أي "شهيد أو جريح، وقد لحقت بالموقع بعض الأضرار المادية فقط"، إلا أنه تعهد بـ "رد من المقاومة (في) الزمان والمكان المناسبين" (شيع الحزب في بلدة أنصار عصر يوم الثلاثاء حسن منصور، وقد قيل إنه قضى في الغارة)؛ الأمر الذي يثير مزيداً من العجب؛ فإذا كانت الغارة استهدفت موقعاً أو أكثر داخل الأراضي السورية، فما شأن لبنان (حزب الله) بالرد. وإذا كانت الغارة استهدفت مواقع داخل الأراضي اللبنانية، فهذا واجب الدولة اللبنانية أن تدافع عن سيادتها؛ تجاه كل من ينتهكها، وبتوافق أهلي لبناني على الزمان والمكان المناسبين، إذ لا يعقل أن يستمهل الحزب في اختيار كيفية الرد ولا يكون للشعب اللبناني كله هذا الحق، فضلاً عن حقه أصلاً بسؤال دولته؛ ماذا يفعل "حزب الله" على الحدود اللبنانية- السورية أو داخل الحدود السورية، ولماذا لا تعتبر الدولة أن هذا التواجد انتهاك للسيادة الوطنية من طرف محلي مرتبط بالخارج ويريد توريط لبنان في صراعات إقليمية أكبر منه؟!
في مكان ما من لبنان وسويا وإيران ثمة سؤال يطرح اليوم؛ ما السبيل لردع "إسرائيل"؟! في وقت ما متعلق بمجريات الأحداث في سوريا سيكون الجواب؛ إما مزيداً من القبول بالواقع، أو تغييره. القرار لا بد أن يصدر من طهران، وما على الشعب اللبناني إلا أن يتحمل النتائج... أليس عجيباً أن يحاول "حزب الله" استغلال الغارة لإدراج مفهومه للمقاومة في البيان الوزاري، فيما الأولى أن يخجل من نفسه وقد نقل مقاومته إلى سوريا لدرجة أن صارت له مواقع حدودية، يستعملها منطلقاً وقاعدة لقتل المعارضين السوريين؟