الرئيس الشهيد وهج الشهادة و رمزية الثبات

د. عبدالله الغيلاني

clip_image002_74fcb.jpg

لو بُعث الرئيس مرسي من مرقده، و أُذن له بالنطق لقال: "فزتُ و ربّ الكعبة". تلك العبارة الإفتراضية، التي قالها الصحابي الشهيد حرام بن ملحان و هو يتلقى طعنة رمح غادرة مزقت جسده، تلخص سيرة الرئيس الذي إرتقى إلى ربه شهيداً في السابع عشر من يونيو للعام 2019، اليوم الذي سيبقى هاجعاً في ضمير الأمة ، و محفوراً في ذاكرتها التاريخية. هو ثالث ثلاثة تجسد فيهم على نحو مفرط خصلتان: وهج الشهادة و رمزية الثبات . قدمت الجماعة أفواجاً من الشهداء عبر جهادها التاريخي الذي أضاء لهذه الأمة دربها و جدد لها دينها و صان حرماتها و تصدى لكثير من الغارات التي كادت أن تمزق أحشائها، غير أن لهذا الركب الثلاثي شأن آخر، فقد إلتحم كلٌ منهم بمبادئ الدعوة حتى غدت جزءاً من تكوينه و عشق ثوابتها حد الهيام و شرب من ينابيعها حد الثمالة، و مَن كان هذا شأنه فحقٌ على الله أن يحسن خاتمته و يعلي منزلته. حادي الركب كان الإمام المؤسس الذي لقي ربه شهيداً في فبراير من عام 1949، فكان لإغتياله غيلة من الوهج ما زاد دعوته رسوخاً و فتح لها مغاليق العقول و القلوب، فإنساحت في أرجاء الدنيا و بلغت أطراف الأرض. و ثاني الثلاثة كان مفكر الحركة الشامخ الإمام الشهيد سيّد قطب الذي أسقط عبدالناصر من عليائه الزائفة و لقّنه و زبانيته درساً في إستعلاء الإيمان و علو الفكرة و سمو الحق. 

ثم إتخذ اللهُ الرئيس الشهيد ليكون ثالث الثلاثة. لم يكن في مسيرة الرجل ما يشي بهذه النهاية و ليس فيها ما يرهص الى ذاك المصير، و لكنّ لعالَم القلوب نواميس لا تخضع لمعايير البشر، و أسرار خارج نطاق التصور البشري المحدود، فهي تعمل في فضاءاتها المحكومة بأقدار ربانية بالغة الدقة، عميقة الأغوار. لَحِقَ الرئيس الشهيد بصاحبيه و قاسمهما رمزية الثبات: ففي كل ظهور له أمام جلاديه كان يُسطّر فصلاً في الشموخ و الإستعلاء على الباطل، فلم تكسره رياحُ الطغيان و لم تنل منه إرجافات المنافقين، و قد ظن جلاوزة فرعون أنهم قد أحاطوا به و أذاقوه من ألوان العسف ما يفتت ثباته و يذيب عزماته و يبدد طاقته الإيمانية، و لكنه طرحهم أرضاً، فما  وهن و لا إستكان و لا أعطى الدنية في دينه. و هو بثباته ذاك صار مصدر إلهام لطلائع التغيير و إنتقل من مربع "الرئيس الأسبق" إلى منزلة "الرئيس الملهِم" (بكسر الهاء)، و هو بثباته ذاك حاز موضعاً في مسيرة التجديد السياسي، و هو بثباته ذاك إنتصب معلماً في طريق الدفاع عن حرية الإنسان و كرامته ، و هو بثباته ذاك أبهج صدور قومٍ مؤمنين و ملأ صدور المنافقين قيحاً و صديداً، و هو بثباته ذاك إكتسى رمزية تاريخية ما كان للحركة الإسلامية أن تجنيها و لو أنفقت ما في الأرض جميعاً، و كان فضل الله عليه عظيماً. 

أما وهج شهادته فقد أضاء الخافقيَن و أنار سبيل المؤمنين في أصقاع الأرض، و كما هي سنن التدافع، فإن التضحيات لا تندثر و دماء الشهداء لا تجف، و مآثرهم لا تندرس، بل تبقى متوهجة أبد الدهر ، تنير دروب السائرين و تجدد عزمات المجاهدين و تثير حمية المناضلين و تقذف بالحسرة تلو الحسرة في صدور المنافقين، و لنا في سيرة حمزة و سعد و جعفر شاهد على ما نقول، و ليس الرئيس الشهيد بدعاً من ذلك. 

"فزتُ و ربَّ الكعبة" تلك هي النهاية التي إختارها الله لرجل بذل عمره في نصرة الدين و تمكين المنهج الذي آمن به، و إرتضاه سبيلاً لنهضة الأمة.  

بنا من الحزن على وفاته حزنُ من ذُبح ولدُها في حجرها، فلا ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها، و بنا من الفخر بشهادته و ثباته ما يبعث على العزة و التيه و اليقين : "و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله". فلا نامت أعين المنافقين !!!!! 

وسوم: العدد 829