نظرية إعطاء الحرب فرصة!

الاستراتيجية الجديدة للغرب تجاه ثورات الربيع العربي، وإمكانية تطبيقها في تلك البلدان!

يقول الدكتور محمد المختار الشنقيطي، في برنامج أسمار وأفكار، وفي أثناء حلقة نقاش حول كتابه (الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية)، يقول في معرض بيانه حول موقف الغرب من ثورات الربيع العربي، أن المفكر الإستراتيجي الأمريكي ذو الأصول اليهودية( إدوارد لتوان)وصاحب نظرية

( إعطاء الحرب فرصة) كتب مقالا قبل ثورات الربيع العربي لمجلة فورن إفِّرست، وعند كتابته لذلك المقال، كان المسلمون حاضرين في ذهنه، حتى جاء بمثال حرب البوسنة، حيث يلوم فيه الأمريكان على إيقاف هذه الحرب. يقول في المقال ما مضمونه: 

*ينبغي للقوى الدولية ألّا توقف الحروب، وإنما تتركها حتى تنضج، وحتى ينهك المتحاربون، خصوصاً لمَّا يكون أي من المتحاربين ليس في صالحهم*. 

وبعد ثورات الربيع العربي، في أغسطس 2013 م تقريبا،دعا إلى تطبيق نفس النظرية

*( إعطاء الحرب فرصة )* على الحرب في سوريا... عندما كتب مقالا في نيويورك تايمز عنوانه

*(في سوريا إذا فاز أي طرف خسرت أمريكا)*، ويقول وجدنا أمامنا فرصة ذهبية أن كل أعداء أمريكا يذبحون بعضهم البعض على صعيد واحد، فأحسن إستراتيجية هو *إبقاؤهم يتقاتلون*.

متسائلا كيف نفعل ذلك؟ يقول: *سلّحوا الثوار، لكن لا تسمحوا لهم، بالانتصار، أرخوا للأسد، لكن لا تسمحوا له بالسيطرة.*

دعوها هكذا لسنوات ... *في الأخير حرب عدمية، استنزافية لكل الأطراف، ومصهرة دموية دائمة، لا غالب، ولا مغلوب.* 

وهذا هو الموجه الأساسي والاستراتيجية الجديدة للموقف الأمريكي والأوربي من ثورات الربيع العربي. 

لأن الغرب يعادي 4 أمور لدى المسلمين - بحسب الدكتور الشنقيطي وهي:

*( التدين، والحرية السياسية، وامتلاك أسلحة نوعية، واستقلالية القرار السياسي)* وما عداها تفاصيل. 

فإجهاض ثورات الربيع العربي، وإدخالهم في مواجهة بعضهم البعض،  في حرب استنزاف معناه منعهم من تحقيق الأربعة الأمور؛ وضمان عدم خروجهم عن بيت الطاعة الغربي. 

طبعاً هذه النظرية لم تطبّق على الحرب في سوريا فحسب، بل هي تطبّق الآن في ليبيا بطريقة أو بأخرى، من خلال دعم حفتر، وإدخال ليبيا في حرب استنزاف مستمرة لا غالب ولا مغلوب وفقاً لتلك النظرية. 

والحال نفسه ينطبق على الحرب في اليمن بدليل أننا في السنة الخامسة من هذه الحرب اللعينة، حيث تطبّق نظرية( إعطاء الحرب فرصة) بكل وضوح من قبل التحالف أداة الغرب في المنطقة العربية، لإجهاض ثورة الشعب اليمني، وحلم  اليمنيين بيمن أفضل ومزدهر، عندما دُعم الحوثي في البداية لضرب إسلاميي اليمن، فلما فوّتوا الفرصة على خصومهم، اضطر المتآمرون إلى العمل بنظرية لتوان

*(إعطاء الحرب فرصة)* من خلال دعم أطراف الصراع(الحوثيين)، الذين يُدعمون عبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سواء معنوياً أو مادياً، بينما يدعم التحالف ولو شكليا(الشرعية المتهالكة)، تحديداً المكونات الأكثر فاعلية مضطراً، وذلك لإنهاك الكل، والدخول في حرب عدمية لها خمس سنوات إلى الآن، حرب استنزاف لا غالب فيها ولا مغلوب، إنها فرصة ذهبية لجعل أطراف الصراع يذبحون بعضهم البعض، وإبقاؤهم يتقاتلون، حتى ينهكوا. 

وقياساً على تنظير إدوارد لتوان.. وبناءً على معطيات الواقع يمكن أن نقول: *سلّحوا الشرعية (الجيش الوطني والمقاومة في الجبهات)، وإن لم تكن القوى الفاعلة فيها في صالحكم، لكن لا تسمحوا لهم بالانتصار، أو التقدم، وإن تقدموا أقصفوهم، بل حتى التسليح لاتسلحوهم سلاحاً نوعيا، ولا تعطوهم ذخيرة إلا بالتقطير، ولا تسلموا لهم الرواتب شهرياً؛ حتى ينهكوا ويستنزفوا، أرخوا للحوثي، لكن لا تسمحوا له بالسيطرة.*

*لأنه فوز أي طرف خسارة للتحالف ، وللغرب معا، لا سيما ثوار فبراير.*

كون البديل المناسب لهم غير موجود إلى حد الآن.

وفي الأخير تستنزف كل الأطراف، بما فيها حتى التحالف نفسه، الذي يطبّق هذه النظرية، وهو يخطط ويطبّق نظرية استنزاف وإنهاك خصومه في اليمن. 

وحتى الأمريكان أنفسهم ربما أوعزوا للتحالف بتطبيق هذه النظرية، وفي مخططتهم ضرب عدة عصافير بحجر واحدة، منه استنزاف السعودية وإنهاكها وابتزازها، ورواج سوق سلاحها، وتشغيل شركاتها  ببيع المزيد من صفقات الأسلحة لأطراف الصراع بمليارات الدولارات؛ لأنهم في نظرها كلهم مسلمون ويجب أن يستنزفوا وينهكوا. 

وفي الجنوب تدعم الإمارات المجلس الانتقالي المعارض لشرعية عبدربه، استكمالاً لمخطط إضعاف الشرعية وإنهاكها وخلق مزيد من التشظي والفوضى، وربما ما تقوم به في الجنوب من أعمال هو قياما بالدور الموكل لها حسب نظرية لتوان، وذلك من خلال افتعال إشكاليات، وحروب داخلية مع الشرعية في المناطق المحررة، ودعم وتسليح بعض الأطراف في مواجهة الشرعية، إمعانا في إنهاك الشرعية وإهانتها وإبقائها ضعيفة. 

وهذا يعني تطويل أمد الحرب، وانعدام وجود نية حقيقية لحسمها على المدى القريب، مما يعني استمرارية الاحتراب، والاقتتال، والإنهاك لكل أطراف الحرب؛ حتى لا ينتصر أحد، مما يؤدي إلى مزيد من الدماء والدمار.

فتزداد الأوضاع سواءً، وبالتالي ينسى كل من أراد أن يغير الأنظمة الفاسدة والمستبدة، فكرة التغيير وثورات التحرر من الاستبداد والطغيان، فيحجمون عن ذلك، وربما يقف البعض ضد من يدعو مرة أخرى إلى الثورة في أي بلد عربي رغم زخم ثورتي الجزائر والسودان، لكن هذه الرسالة ربما هي ما يريد الغرب إرسالها للشعوب العربية؛ لأن هناك نماذج مشوهة من الثورات مازالت مستمرة ولم تنتصر إلى الآن كالثورة السورية، واليمنية، والليبية... 

الأسئلة التي تطرح نفسها، هل تنطلي مثل هذه المهزلة والكيد والمكر على شرفاء الأمة، وأحرارها؟ 

أما آن لكل أعداء المشروع الأمريكي والصهيوني والغربي أن يتحدوا ويفشلوا هذه النظرية والخبث السياسي الغربي؟

أما آن لأطراف الصراع أن تثوب إلى رشدها؟ وتدرك أنهم مجرد أدوات لتنفيذ تلك الأجندة الغربية، فالمال من ثروات بلدانهم، والدماء من رؤوس شعوبهم، وبالتالي هم الخاسر الأول والأخير!. 

أما آن لهم أن يصطلحوا ويقفوا على أرضية مشتركة؟ بحيث يعيش الكل، ويقدمون مصالح بلدانهم على المصالح الشخصية، ويلغوا كل المشاريع الصغيرة السلالية، والطائفية، والمناطقية، ويتجهوا لمشروع الوطن بناء الكبير الذي ليتسع لكل أبنائه. 

أما آن لهم أن يبتعدوا عن ثقافة الاستئصال والاستئثار؛ لأن ثقافة الاستئصال مستحيلة، وثقافة الاستئثار مقيتة. 

بلى والله قد آن، فشواهد هذا المشروع الخبيث ماثلة للعيان، ومازالت مستمرة. 

لكن رغم شدة المكر وخطورته، إلا أن الله خير الماكرين، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره.

ويبقى السؤال الجوهري، *ما الحل الأنسب لكل الأطراف للخروج من هذه المتاهة، وإفشال هذه اللعبة*؟

وسوم: العدد 830