مرثاة على أستار الهرم الرابع
لا أعرفُ الهيروغليفية وإلا حشدتُ من أبجديتها كل الصقور وكل الطيور النبيلة ، فلا تليق بمثلك الكتابة إلا الحروف المجنحة.
ولا أجيد الحفر لأنقشك على حجارة "باليرمو" كوجه حورس وأرفعك مسلة بيضاء في أجمل ميادين التاريخ.
واستسمحك العذر فلم تعد أنهار العرب تنتج أوراق البردي لأكتبك ترنيمة من ترانيم النداء الأبدى لأوزوريس أو أخلدك في الحوليات الملكية القديمة.
ورغم أنك كنت الأشبه بملوك الأسرة السابعة التي تعبر الكراسي كالحلم ، فما أن يتربع أحد ملوكها على العرش في "منف" إلا ويغادره بعد أيام فقط لملك آخر من ملوك عصر الإضمحلال ، ومع ذلك فإن بواكيك كثر في مصر بفسطاطيها وخارج مصر ، وإنْ لم تؤطر شاشات العرب بخط السواد المائل في حضرة الموت.
ورغم قصر فترتك التي لم تمكنك السير على خطى سلفك توت عنخ آمون فتحكم فيما شجر بين الإخوان والسلفيين والصوفيين وتصلي بهم الجمعة في الأزهر وتوحدهم على خطبة واحدة من على منبر الحسين ، أو تجمعهم لصلاة التراويح في السيدة زينب إلا أن الكثير من المتشاجرين أدوا صلاة الغائب لرحيلك في طيبة ووادي الملوك وتل العمارنة وكان من بينهم الأزهر والصوفي والسلفي وإنْ لم يغردوا بذلك وإنْ لم ينقل الواتسب الصور.
ولعل قصر بقائك في الكرسي لم تسنح لك لتشيد مدينة في دلتا النيل على أنقاض عاصمة الهكسوس كما شيد رمسيس الثاني مدينة "بي رمسيس" ، ولم تحارب الحيثيين في قادش ، ولا حفرت بأظافرك الجبال لتشيد معبد أبي سمبل فتتعامد الشمس على قدس الأقداس إلا أنك نجحت في أن تعلي في الوجدان الكثير من المسلَّات البيضاء باتساع أرجاء المعمورة ، وتحتل الكثير من عروش القلوب وكأنك حكمت بطول حكم رمسيس الثاني وتحوتمس الثالث وبطليموس.
وكما جلس من سبقوك في القصور المنيفة جلست في قصر الإتحادية وباتت بيدك مفاتيح قصور عابدين والعروبة ورأس التين إلا أنك لم تنجح كسلفك خوفو في إحاطة نفسه برجال من طراز الوزير "حم إيونو" ليخلدوك في الجيزة هرما يعدُّ أكبر ما أنجز الإنسان من بناء ، فكان نصيبك زنزانة بمساحة أقل من حجرة الملك في هرم خوفو.
لقد جئت أيها الثابت في عصر الإرتباك وحقيبتك التي خرجت بها من السجن ما زال بها مصحفك وسواكك ومسبحتك فدخلت بها الإتحادية على عجل ، وخرجت بها بعد عام لسجن آخر وقد ثَقُلْتَ بجبال من التهم التي توصمك بكل اتهامات التاريخ التي لاحقت "تاعا" و "سقنن رع"و"وادج خبر رع" وكل ملوك الهكسوس.
ولأنني لست بشاعر لأرثيك فسأكتفي بالصقور الهيروغليفية التي أحشدها وأنا أتخيلها أجمل ترجمة هيروغليفية لبكائية الشاعر العماني الكبير سالم بن علي الكلباني:
"كان لا بد أن تموت شهيدا
مثلما عشت فارسا صنديدا
جئت باسم النبي تحمل حبا
وسلاما وعزة وخلودا
فأبى الشر أن تعيش بخير
إذ رٱى فيك حتفه الموعودا
لست مرسي الوحيد مليون مرسي
واجهوا الغدر والأذى والجحودا
نحن لا نستحق مثلك فارحل
ودع الذل حظنا والجمودا"
وسوم: العدد 830