آراء واقتراحات وأفكار لمدرسي علم النحو
1- يقول العلامة ابن خلدون في المقدمة: «ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم، الجاري على أساليبهم من القرآن الكريم والسنة الشريفة وكلام السلف، ومخاطبة فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين في سائر الفنون، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور، منزلة من عاش بينهم، ولقن العبارة منهم» (8).
2- اعتبار حفظ النصوص الفصيحة وسماعها، من أهم وسائل التخزين السليم للغة في ذاكرة المتعلم، وخاصة في الفترات المبكرة من عمره من مراحل التعليم، ثم يأتي تعليم النحو بعد تخزين النماذج الراقية ليفسر الفصاحة ويعللها للمتعلم، ولأن حفظ النصوص من الضرورات الملحة في عصر فقد فيه الناس سلامة اللغة، وحرموا من نماذجها الراقية وبذلك نعوضه من انحرافات البيئة اللغوية، ونقود طبعه إلى أُلفة أساليب العرب الأصيلة، ونؤخر علم النحو كعلمٍ وظيفته تفسير اللغة وتعليل أحكامها، لأننا لا نعطي قاعدة للغة، قبل أن نوجد اللغة في نفس المتعلم، وهذا ما أراده ابن خلدون في النص السابق، ومالت إليه نظريات التربية الحديثة في أيامنا.
3- ونحن بحاجة أيضاً إلى إيجاد جو من الفصاحة وسلامة اللغة في المحيط الاجتماعي، لنزيد من القدرة العامة للجميع على مكافحة اللهجات، وحتى يألف الناس السلامة اللغوية وتصبح ذوقاً عاماً، فلابد من التكلم باللغة العربية السليمة، والتشدد في محاسبة من يهمل ذلك من المدرسين في المدارس والمعاهد والجامعات في ميدان التعليم الأولي والعالي، وكذلك لابد لوزارة الأوقاف أن توجه خطباء المساجد في الخطب والدروس إلى ذلك، ولا يقل دور وزارة الإعلام، ومؤسساتها من إِذاعة وتلفاز، أثناء مخاطبة الجمهور وفي البرامج، من الاهتمام بذلك والاختيار له بعناية فائقة.
4- وفي موضوع السماع للقرآن الكريم، من الإمام أو الإذاعة أو الشريط ميدان طيب للسماع السليم والتمتع بالأداء الفصيح، وخاصة عندما تخرج القراءة من قارئ نديّ الصوت، يتقن القراءة والتجويد، تذكرت ذلك وخطر ببالي أثناء شهر رمضان، عندما يواظب المصلي على صلاة التراويح شهراً كاملاً، يستمع للنص ويأخذ الفصاحة من أصولها، من القرآن الكريم الذي حفظ الله به هذه اللغة، وحفظه بهذه اللغة المباركة.
5- لا يحبذ استعراض القدرات في درس النحو أمام الطلاب، ليثبت المعلم قدرته وتبحره في هذا العلم، فيكثر من الشواهد والقواعد التي لا تناسب مستوى المخاطبين، مما يؤدي إلى شعورهم بصعوبة المادة، وبهذا ينجح الأخ المدرس في إِقناع الطلاب بعبقريته النحوية ولكنه يفشل في تعليمهم حب النحو. وقد قال الجاحظ قديماً في أحد رسائله: «وأما النحو فلا تشغل قلب الصبي به إلا بقدر ما يؤدي به إلى السلامة من فاحش اللحن».
6- لابد في دورات تدريب المعلمين من حل التطبيقات أو بحث القضايا النحوية التي تكسب المعلم الدربة العلمية، وتقوي ضعفه، بدلاً من إضاعة وقت الدورة في شكليات تنفيذ الحصة وأساليب التعامل مع الطالب.
7- توزيع مادة النحو على شكل مجموعات مترابطة على سنوات المنهاج، واستغلال حصة المحفوظات لتشجيع الطالب على الحفظ المبكر للنصوص، لتحقيق ما ورد في الفكرة الثانية من هذه الفقرة.
8- أن يتابع مجمع اللغة العربية حركة السلامة اللغوية في مؤسسات المجتمع من مدارس وجامعات ومساجد وإذاعة وتلفاز وصحافة ويذكر المسؤولين فيها ويتعاون معهم في ذلك، ضمن خطة مدروسة ومتابعة مستمرة، مع تقديرنا للجهود المباركة التي تقوم بها مجامع اللغة العربية على طول ساحة الوطن العربي الكبير.
9- الإنسان الذي اكتسب النحو بحكم تراكم الخبرة وبطول الجهد قد يكون ناجحاً في الإعراب أو في التكلم، ولكني أشك في قدرته على تعليم هذه المادة للآخرين، لأنه لا يتذكر كيف اكتسبها، ولابد من تدارك الأمر والتعرف على الأساليب التربوية لخدمة المادة وإيصالها بسهولة للآخرين.
*(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية )
وسوم: العدد 832