إلا نصرَه اللَّهُ في موطنٍ يحبُّ نصرتَه
د. محمود نديم نحاس
غمرني شعور بالفرحة وأنا أقرأ أمر خادم الحرمين الشريفين لتنظيم يوم للتضامن مع الأطفال السوريين يوم الثلاثاء المقبل على مستوى المملكة، لتغطية حاجة الأطفال السوريين، إكمالاً للحملة الوطنية لنصرة الأشقاء في سوريا، والمشاركة في هذا الواجب الإنساني، ورصد المأساة وإيضاحها، وإيجاد وسائل للتضامن المادي والعيني والمعنوي، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة للتسهيل على المواطنين للتعبير عن مشاعرهم، ومشاركة أشقائهم في سوريا في هذه المأساة الإنسانية. وقد فتحت الحملة المجال لتقديم التبرعات النقدية عبر حساب مصرفي معلَن، والتبرعات العينية عبر مستودعات منتشرة في مدن المملكة، كما أتاحت خدمة التبرع عبر الرسائل النصية من خلال رقم موحد لجميع شركات الاتصال.
إن المحنة التي يمر بها الشعب السوري، والأطفال السوريون على وجه الخصوص، لن تطول بإذن الله، وقد قال الشاعر:
إن للظلمِ جولةً ثم يهوي بعدَها راعشَ اليدين قعيدا
وهؤلاء الأطفال هم رجال المستقبل، وسيردّون الجميل لمن أحسن إليهم، ففي الحديث الشريف (البِرُّ لا يَبْلى)، رغم أن الذين يقدّمون العون لا ينتظرون من البشر ثواباً، وإنما تتجه أنظارهم نحو رب العباد، لاسيما وهم يقرأون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرَّاحمون يرحَمُهم الرَّحمنُ. ارحَموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السَّماءِ). وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قامت به العرب قبل الإسلام من نصرة للمظلوم، فقال عن حلف الفضول (لقد شَهِدتُ مع عمومَتي حِلفًا في دارِ عبدِ اللَّهِ بنِ جُدعانَ ما أُحبُّ أن لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولَو دُعيتُ بهِ في الإسلامِ لأجَبتُ). وهي دعوة لنصرة المظلوم، تجلت بشكل أوضح في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (ما منَ امرئٍ مسلم يخذُلُ امرَأً مسلمًا في موضعٍ يُنتَهكُ فيهِ حرمتُه ويُنتَقصُ فيهِ من عرضِه إلا خذلَه اللَّهُ تعالى في موطِنٍ يحبُّ فيهِ نصرتَه. وما منَ امرئٍ مسلم ينصُرُ مسلمًا في موضعٍ يُنتَقصُ من عرضِه ويُنتَهكُ فيهِ من حرمتِه إلا نصرَه اللَّهُ في موطنٍ يحبُّ نصرتَه).
وإن من أهم نتائج يوم التضامن مع الأطفال السوريين هو أن يعرف الأطفال في كل مكان حجم المأساة التي يتعرض لها أطفال سوريا. وقد ذكرتُ في مقال سابق أن قناة إخبارية ألمانية تقدِّم نشرة أخبار خاصة بالأطفال لتطلعهم على ما يجري حولهم، وأنها قدّمت برنامجاً خاصاً عن أطفال سوريا.
ولقد أبكاني صديق سوري منذ أيام، فقد قابلته ومعه كيس مليء بالنقود، وكلها من فئة الريال! ولو لم أكن أعرف أنه من أهل الكرم والشهامة لظننت أنه كان واقفاً على باب المسجد يجمعها! فسألته: ما هذا الذي معك؟ فأجاب: فاجأتني بناتي الأربع بأن أحضرن حصّالاتهن التي يدخرن فيها بعضاً مما يأخذون مني، وقلن: سنعطيك ما في الحصّالات لتتبرع به للأطفال السوريين الجرحى أو المشردين أو الجياع الذين نراهم على التلفاز. وها هي في الكيس، أكثر من ثمانمائة ريال، خرجتُ لدفعها لإحدى الجهات الإغاثية المعتمدة.
سألته: أَوَليس من المبكر أن تطلع بناتك الصغيرات على تلك المآسي؟ فقال: عندما كنت صغيراً كنتُ مغيَّباً عما يجري حولي، وكان ذلك بسبب والدي الذي كان يقدِّر أن معرفتي بالأمور قد تضرني بل وتضر الأسرة بأكملها، فقد كنا وقتها في سوريا، ولم يكن ممكناً أن تفتح فمك بكلمة! ولم أرَ من والدي إلا موقفاً واحداً صريحاً وشجاعاً! فقد كنت معه يوماً في السيارة، فلما رأى قوات الأمن تنزع الحجاب عن النساء في الشارع، أوقف سيارته ونزل يدافع عنهن، فأشبعته قوات الأمن ضرباً، فنزلتُ من السيارة لعلي أدفع عنه بعض الضربات، رغم صغر سني، فصرخ في وجهي وأمرني بالعودة إلى السيارة خوفاً علي منهم. فآليت على نفسي ألا أغيّب أولادي عما يجري حولهم، ولذا فأنا أطلع بناتي على مأساة الأطفال السوريين، كي يتفاعلن مع القضية ولا يعشن في أبراج عاجية.