براغماتية الخطاب الخارجي العراقي، قراءة في موقف العراق من القمة الإسلامية الأخيرة
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ردود فعل كثيرة خّلفها موقف العراق من القمة الإسلامية الأخيرة التي عقدت في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية يومي 30-31 أيار/ مايو 2019، والتي خالف فيها بعض المواقف العربية المنددة بالسلوك الإيراني في المنطقة.
على الرغم من أن العراق كان يتحفظ على اغلب البيانات الختامية للقمم الإسلامية والعربية، دون أن يسجل اعتراضه بشكل واضح وصريح كما حدث في القمة الأخيرة التي دعا إليها ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز من أجل مواجهة التهديدات الإيرانية للمملكة بعد حادثة "الأنشطة التخريبية" في المنطقة في أعقاب هجمات استهدفت ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات ومحطتين لضخ النفط في المملكة.
بهذا الصدد سجل العراق اعتراضه على البيان الختامي الذي القاه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط إذ جاء فيه "إن العراق يعارض البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الطارئة في مكة المكرمة والذي ندد بتدخل إيران في شؤون الدول الأخرى". هذا الموقف فُهم بأشكال وصورة متعددة، ووظفه البعض لصالح المحور الإيراني على حساب الموقف الخليجي الذي يحاول جر العراق إلى ساحته أو إلى الحياد على "اقل تقدير" وتقويض التأثير الإيراني، لاسيما مع الجهود الكبيرة التي يبذلها الطرفان "السعودية والعراق" في الفترة الأخيرة من أجل إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية بينهما والمساهمة في تقليل العداء السياسي بين الجانبين.
وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت إلى الموقف العراقي من القمة الإسلامية، إلا أن هناك اعتقاد بأن رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح كان موفقاً في موقفه من البيان الختامي عندما وجه خطاباً منطقياً وواقعياً، واعترض على البيان الختامي؛ لكون العراق لم يشترك في صياغته، وهذه النقطة في غاية الأهمية؛ لكونها تسجل موقفاً عراقياً خاصاً بعيداً عن التأثر والتأثير، ومختلفاً عن المواقف السابقة، لاسيما وأن رئيس الجمهورية العراقي اعطى تبريراً واقعياً "براغماتياً" لموقفه، في ظل مشاكل المنطقة وسياسة المحاور والتصعيد غير المسبوق بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. هذا الموقف، ربما اعطى أو يعطي للعراق مساحة وحجم أكبر في المناورة السياسية في الأيام القادمة سواء على صعيد عقد القمم العربية والإسلامية، أو على صعيد المواقف السياسية في المنطقة بشكل عام.
إن وضع العراق في خانة إيران أو حصره بالمحور الإيراني بمجرد تحفظه على البيان الختامي، اعتقاد خاطئ ولا يمكن القبول به، على الرغم من الدور السلبي الكبير الذي تلعبه إيران في العراق، لاسيما وأن اغلب الدول العربية والخليجية لم تدين السلوك السياسي الإيراني في المنطقة، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يدين الدور الإيراني في المنطقة أو يشير في كلمته إلى دور إيران في زعزعة الأمن العربي "على أقل تقدير"، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأردن والكويت وقطر وعُمان، فضلاً عن ذلك، فإن كلمة رئيس الجمهورية العراقي ادان فيها التدخلات الإيرانية بشكل غير مباشر في العراق والمنطقة، وأكد على وحدة الصف العربي والخليجي وحرصه على أمن المملكة العربية السعودية وأمن الخليج بشكل عام. هذا الموقف لا يفند أو ينفي التدخل الإيراني الكبير في عملية تشكيل الحكومة العراقية أو التأثير على القرار السياسي العراقي، على الرغم من أن قراءتنا للموقف هنا، قراءة مجردة، بعيدة عن الدور الإيراني في العراق. اي بمعنى هل كان الموقف، موقفاً عراقياً بمصلحة وإرادة عراقية بعيداً عن كل التأثيرات؟
ربما نقول وبنسبة كبيرة (نعم) الموقف العراقي، كان موقفاً براغماتياً لمصلحة العراق وليس لمصلحة أي طرف أخر، على الرغم من التوظيفات السياسية التي وظفها البعض في هذا الموقف، وإن الرئيس العراقي كان شجاعاً جداً حينما ابدى اعتراضه على البيان الختامي. وهذا الموقف ربما سيقوي شوكة العراق في المحافل الإقليمية والدولية، وهو بحاجة إلى تعضيد سياسي وحكومي، من خلال تهذيب السلوك السياسي العراقي على الصعيدين (الداخلي والخارجي) وتوحيد المواقف الداخلية اتجاه القضايا (الداخلية والخارجية) والوقوف بوجه التدخل الإيراني ورفضه بشكل علني؛ من أجل اعطاء رسالة واضحة للعالم بشكل عام، بأن العراق كدولة وكشعب يرفضان جميع اشكال التدخل في الشأن الداخلي سواء تلك التي تهدف إلى زعزعة الأمن الداخلي بغرض تحقيق مصالح ذاتية أو غيرها من التدخلات التي تهدد السلم والأمن المجتمعي وتؤسس لخلايا عسكرية في الأراضي العراقية والعربية.
وبهذا الشأن، هناك سؤال يطرح، هل سيؤثر الموقف العراقي من القمة الإسلامية على العلاقات العراقية – السعودية أو على العلاقات العراقية – العربية والخليجية بشكل عام؟
إن المملكة العربية السعودية وحلفائها في المنطقة يدركون جيداً بأن إعادة العراق إلى المحيط العربي لا يمكن أن يتم خلال سنة أو سنتين من العمل السياسي أو الدبلوماسي، وأن تقويض التأثير الإيراني في العراق بحاجة إلى وقت وإلى نُضج سياسي داخلي، وهذا النُضج بدأ يتبلور في الساحة السياسية العراقية في الآونة الأخيرة، لاسيما في عهد حكومة السيد العبادي، فضلاً عن ذلك، فإن موقف العراق لم يكن موقفاً إيرانياً بـ "النيابة" أو بالوكالة، وإنما كان موقفاً عراقياً ينبع من مصلحة وإرادة عراقية، يأخذ بنظر الاعتبار المشاكل والتحديات في العراق والمنطقة بشكل عام، والمشتركات الذي تربطه بإيران والموقف العراقي منها. بهذا القدر نعتقد بان العلاقات العراقية العربية لا تقف عند هذه الحدود أو عند موقف معين.
بهذا الإطار، وعلى الرغم من تأكيدنا على موضوعية الموقف العراقي من القمة الإسلامية الأخيرة بعيداً عن التأثير الإيراني، لكننا نؤكد على ضرورة الحد من التدخل الإيراني في العراق مع التأكيد على سياسة الاحترام المتبادل للسيادة الداخلية، ونأمل أن تكون إيران دولة تحترم الحدود القومية للدول وليست دولة ثورة تتجاوز الحدود والمواثيق والمعاهدات الدولية التي نصت على حقوق وواجبات الدولة الحديثة.
لذلك نعتقد بأن كلمة الرئيس العراقي في القمة الإسلامية كانت تحمل واقعية كبيرة في ظل الصراع الحالي في منطقة الشرق الأوسط وهشاشة الوضع الداخلي العراقي بذريعة عدم اشتراك العراق في كتابة البيان الختامي.
وسوم: العدد 833