لا حكومة إسلامية إلا برضا الناس
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
كثير من الناس يتخوفون من مصطلح (حكومة إسلامية) ليس غير المتدينين وحسب، بل المتدينون أيضا. وسبب ذلك الخوف؛ قد يرجع إلى الاعتقاد أن الحكومة الإسلامية تعني حكم الله، وحكم الله نافذ على الناس على أي حال. وقد يرجع إلى الممارسات والتطبيقات السلبية التي نشأت عن وصول الأحزاب الإسلامية أو الشخصيات الإسلامية إلى السلطة، سواء في السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية.
وقد يرجع إلى الحملات الإعلامية الكبيرة التي تشن على الإسلام كونه سببا في تأخر الأمة وتخلفها في إطار الصراع المتأصل بين العلمانيين والإسلاميين. وأخيرا قد يرجع هذا التخوف إلى ابتعاد الناس، لاسيما الشباب منهم عن المفاهيم والقيم والإسلامية التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، في ظل النظام الإسلامي، على أسس متينة تحفظ حق الله على الناس، وحق الناس على الحاكم الإسلامي.
في هذا الإطار؛ وفي ذكرى وفاة المرجع الراحل الإمام المجدد السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) نحاول أن نتلمس مفهوم (الحاكم الإسلامي) أو (الحكومة الإسلامية) من خلال مجموعة كبيرة من البحوث والآراء والفتاوى للإمام الشيرازي التي يبين فيها حقيقية العلاقة بين الحاكم الإسلامي (الحكومة الإسلامية) وبين المحكومين (الناس) وأن هذه العلاقة تقوم على أسس متكافئة؛ ومتعادلة؛ ومقيدة ومحددة بشروط وضوابط، كلها تصب في رضا الله ورضا الناس عن الحاكم الإسلامي، حيث وجعل رضا الله ورضا الناس (الشعب) في مرتبة واحدة، من حيث أن رضا الناس عن الحاكم الإسلامي (الحكومة الإسلامية) كاشفا عن رضا الله عنه.
إذ يرى الإمام الشيرازي (رحمه الله) ليس لأحد أن يحكم أمة من الأمم، أو شعبا من الشعوب، تحت عنوان (حكومة إسلامية) إلا توافرت فيه مجموعة من الشروط، وأهمها الآتي:
1. لا حكومة إسلامية إلا برضا الله سبحانه وتعالى: يشترط الإمام الشيرازي أن يكون الحاكم الإسلامي مرضيا لله سبحانه وتعالى. فلا يحق لأحد تولي الأمر بدون رضاه سبحانه، فهو خالق الخلق ومالك الملك، فكما لا يجوز أن يتصرف أحد في ملك أحد إلا برضاه، كذلك لا يجوز التصرف في ملك الله إلا برضاه.
ويتحقق رضا الله في الشروط المطلوبة لمرجع التقليد، ومنها الاجتهاد والعدالة. فإذا لم يكن (الحاكم الإسلامي) عادلاً فلا ولاية له أبداً، ومن الواضح ان ظلم الناس ومصادرة حقوقهم المشروعة من المحرمات، بل من الكبائر. فالحاكم الذي يقوم بسرقة أموال الشعب، وغصب أموال الناس ظلما وعدوانا تسقط عنه العادلة، وتبعا لذلك يسقط رضا الله عنه. والحاكم الذي يكذب على الناس، جهارا نهارا، وينقض العهد ويخون الأمانة، يسقط عنه رضا الله، وتسقط حاكميته على الناس.
2. لا حكومة إسلامية منصبة من الله: ينفي الإمام الشيرازي إدعاء بعض من حكام المسلمين أنهم إنما يحكمون الناس بتنصيب من الله، وباسم الله، فلا ولاية تكونية لغير الأنبياء والرسل والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين. بل رضا الله هو المعيار، وهو يتحقق من خلال تهذيب الأنفس وترويضها (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى) فعن علي عليه السلام قال: احذروا على دينكم ثلاثة إلى أن قال ورجلا اتاه الله سلطاناً، فزعم ان طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله وكذب، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إلى أن قال: لا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الامر.
3. لا حكومة إسلامية غير منتخبة: يشترط الإمام الشيرازي، لكي يتولى الحاكم الإسلامي (الحكومة الإسلامية) أمور الناس وتسيس مصالحهم أن يختاره أكثرية الأمة بانتخابات حرة، وذلك للجمع بين أدلة التقليد وأدلة الشورى، فحال رئاسة الدول حال إمامة الجماعة، ومرجع التقليد والقاضي. ويقول الإمام (إن اشتراط رضا الناس هو على الأصل إذ لا يحق لأحد التصرف في غيره – نفساً ومالاً وحقاً – إلا برضاه، فلو رضوا كان إما من الوكالة أو من الاذن أو من العقد المستأنف فتكون مدة ولاية الفقيه وحدود صلاحياته تابعة لحدود توكيل الناس له أو اذنهم أو على حسب شروط العقد).
4. لا حكومة إسلامية تمنع الناس من إبداء آرائهم: لا تجوز مصادرة حريات الناس التي جاء بها الإسلام وجعلها من أوليات حياة الإنسان، فإن الإنسان المسلم حر في كافة شؤونه، وفي كل الدول الإسلامية: سواء في السفر والإقامة، أو الزراعة والتجارة، أو البناء والعمران، أو الكسب والعمل، أو نشر الكتب والمقالات، أو المجلات والجرائد، أو تأسيس محطات البث والإعلام، أو تأسيس الأحزاب والجمعيات، أو التأليف والخطابة، أو اختيار السكن والزواج، فإنه حر في جميع النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إلا في المحرمات الشرعية، ولا يحق لأحد منعه من الأمور المذكورة.
وعليه، تفقد الحكومة الإسلامية شرعية وجودها في الحكم إذا ما اعتدت على حرية الناس، لاسيما العلماء منهم. ذلك لأن مبدا الشورى في الإسلام يقتضي أخذ رأي الناس فيما يتعلق بشؤونهم، كما أن للشعب بجميع أفراده حق الإشراف والمراقبة على الحكومة الإسلامية، وأن فلسفة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقتضي ذلك. ولا يجوز منع الناس من تأسيس الجمعيات والنقابات والاتحادات والأحزاب، بل يحرم عند الإمام الشيرازي سجن المعارض السياسي، ومصادرة أموال الناس، ومنع التظاهر والاعتصام، وغيرها. لا حكومة إسلامية من دون عدالة أو مساواة: يرى الإمام وجوب أن تحكم الحكومة الإسلامية بين الناس بالعدل والمساواة، وأن فقدان العدالة والمساواة بين الناس موجب فقدان شرعية الحكومة الإسلامية، حيث إن مبدأ المساواة هو من أشرف المبادئ والقوانين التي تنادي بها السياسة الإسلامية، وهو أس العدالة وروح القانون.
5. لا حكومة إسلامية من دون مراعاة المصلحة العامة: يرى الإمام الشيرازي أن الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي ملزم في حكمه أن يراعي المصلحة العامة للناس، ويشترط في تصرفات رئيس الدولة الإسلامية أن تكون تابعة للمصلحة، فلا يصح التصرف الذي ليس بمصلحة، وإن لم يكن مفسدة. وليس له ان يستبد بالرأي وينفرد فيه، بل عليه الاسترشاد بآراء أهل الخبرة فانه نوع فحص واجب، وقد ورد في الأحاديث (من استبد برأيه هلك) (ما خاب من استشار) إلى غير ذلك.
6. لا حكومة إسلامية تظلم الأقليات: ومن أروع ما ذكره الإمام الشيرازي أنه قال: ينبغي للحاكم والحكومة الإسلامية أن تتعامل بالتي هي أحسن مع غير المسلمين مما يصطلح عليهم اليوم بـ (الأقليات)، ولا فرق بين كون الأقليات أديانا كالنصارى، أو غير أديان كالبرهمية، وقد حرم ظلم الأقليات، لا ولاية للفقيه على الأقليات إلا في حدود طاعة الله تعالى، بل أوجب الاحسان إليهم. قال أمير المؤمنين(ع): وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
7. لا حكومة إسلامية تنقض عهودها مع الدول الأخرى: يرى الإمام الشيرازي أنه لا يجوز للحاكم الإسلامي (الحكومة الإسلامية) أن تنقض عهودها مع الدول الأخرى، وذلك لكون نقض العهد معصية، ولا ولاية للحاكم على فعل المعاصي والمحرمات كما هو بديهي، ومن المعاصي الكبيرة نقض المعاهدات الدولية التي وقعتها الحكومة المنتخبة للناس وفقاً للضوابط المشروعة. فيقول الإمام (يجب على الحاكم والحكومة الإسلامية أن تحافظ على حسن تعاملها مع جميع الدول، سواء المجاورة منها أو البعيدة، مسلمة أو غير مسلمة، وأن تراعي جميع المعاهدات الدولية التي تعقدها مع الدول الأخرى، حتى غير الإسلامية منها، فان الإسلام قد أمر باحترام كل ذلك).
8. لا حكومة إسلامية من دون عمران البلاد وازدهارها: يقول الإمام الشيرازي إن مهمة الحاكم والحكومة في الإسلام هي: إدارة البلاد والعباد، إدارة تؤدي إلى عمران البلاد وازدهارها، وصلاح العباد وتقدمهم تقدماً مطلوباً في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك يلزم على الحاكم والحكومة أن تكون انتخابية واستشارية، ومتواضعة وخدومة، وحكومة الرسول (صلى الله عليه واله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) خير أسوة في ذلك.
9. لا حكومة إسلامية من دون مساءلة ومحاسبة: ليس الحكومة الإسلامية ولا الحاكم الإسلامي مصان من المساءلة والمحاسبة، بل هو مسؤول دائما عن إدارته، وأن للناس (الشعب) حق محاسبة الحكام والمسؤولين عن تصرفاتهم، وللناس الحق في إعلان الرأي المعارض بالكلام أو الكتابة أو ما أشبه. قال سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ومن الواضح، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة أوسع وأكثر عمقاً، فليس الأمر مجرد محاسبة عابرة، بل هي محاسبة يسأل عنها الإنسان أمام الله وأمام الشعب وأمام الأجيال. كما أن الرقابة ضرورية بالنسبة إلى الإدارة، سواء كانت إدارة صغيرة، كإدارة شركة أو مدرسة أو ما أشبه، أو إدارة كبيرة كإدارة الدولة.
وبناء على ما تقدم، فان الحكومة الإسلامية هي الحكومة التي يتحقق فيها رضا الله ورضا الناس معا، وهي حكومة منتخبة؛ وشورية؛ وعادلة؛ وغير مستبدة، وفي حال انحرف الحاكم الإسلامي (الحكومة الإسلامية) عن هذه الأصول تسقط عدالته، وإذا سقطت لزم على المسلمين إسقاطه، وسحب الثقة عنه، وتبديله بالرجل الصالح، وانه لا طاعة له على المسلمين.
وسوم: العدد 834