ضياعُ عقول وأخلاق .. أم ضياعُ امرأة ، في أحد الأسواق ؟
فطيم : هل ذهبت تبيع غزلاً ، في السوق ، أم تشتري غزلاً ؟ هذا هو السؤال !
بعد سنين طويلة ، من سيرورة المثل الشعبي المعروف : (فلان يبحث عن فطيم، بسوق الغزل)!
اختلف رجلان، في مجلس، حول ضياع فطيم، في السوق: هل كانت تبيع غزلها، أم تشتري غزلاً ؟
أحدهما : حدّثه جدّه ، عن والد زوج فطيم ، بأنهما ذهبا ، لشراء غزل ، من السوق ، فضاعت فطيم ، وبدأ زوجها يبحث عنها ، في السوق ، ويسأل المارّة عنها، ذاكراً لهم بعض صفاتها!
والآخر: حدّثته جدّته ، عن والدة أمّ فطيم ، بأنها ذهبت تبيع غزلها ، في السوق ، ومعها زوجها، الذي ضاعت منه ، فطفق يبحث عنها ، ويسأل العابرين ، وأصحاب المحلاّت : كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً !
فأيّهما أصدَق : جدّ الأوّل ، أم جدّة الثاني ؟
وإذا كان كلّ منهما يروي ، عن ثقة ، عالم بحقيقة الأمر؛ فأيّ الثقتين أصدق ، وأوعى للمسألة؟
تحوّلت القضيّة ، بين الرجلين المتجادلين ، في المجلس ، إلى قضيّة ، مَن الأصدق : جدّ الأوّل ، أم جدّة الثاني ؟
وإذا كان الراويان ، عارفين بحقيقة المسألة ، وصادقين في نقل الحكاية .. فأيّ الرجلين المتجادلين ، أوعى للمسألة ، وأصدق في نقلها؟
ودخل عنصر( الكرامة !) ، لدى كلّ منهما ؛ فكلّ منهما يدافع ، عن ناقل الحكاية : عن معرفته بالمسألة .. وعن صدقه ، في نقلها .. كما يدافع كلّ منهما ، عن فهمه للمسألة ، وصدقه في نقلها! ومَن كانت كرامته مصونة ، فكرامة الجهة التي ينقل عنها، على المحكّ: جدّ الأوّل، أو جدّة الثاني ! وكرامة الجدّ والجدّة ، من كرامة الحفيد!
بدأ الشجار بالألسن ، ثمّ تحوّل ، إلى عراك بالأيدي ، ثمّ إلى قتال بالسلاح ؛ فالأمر، لدى كلّ منهما ، يتعلّق بالكرامة ، وهذه تراق الدماء ، في سبيل المحافظة عليها!
وشاركت العشيرتان ، في القتال ؛ كلّ منهما ، تحمي ابنها ! ثمّ دخلت القبيلتان ، في المعركة، كلّ منهما تحمي العشيرة ، التي تنتمي إليها ، وكلّ منهما تدعمها جهة ، تزوّدها بالسلاح !
فرجال القبيلتين يُقتلون ، وتجّار السلاح يربَحون ! وما تزال هذه المعارك مستمرّة ، في صور مختلفة، وفي مناطق شتّى، حول هذه الحكاية، ومثيلاتها من الحكايات، الملبسة ثياب الكرامة!
فهل هذه المسألة : هي مسألة امرأة ضاعت ، في أحد الأسواق ، أم هي مسألة عقول وأخلاق؟
وسوم: العدد 839