لمن نقرع الأجراس ...
لمن نقرع الأجراس ...
مهادنات أو مصالحات :
ينزل علم الثورة عن ببيلا ويرتفع علم بشار
زهير سالم*
لمن نقرع الأجراس ؟! ولماذا الإصرار على الكتابة ؟! يقولون إن الإنسان أحيانا يغني ليدفع عن نفسه الخوف أو الوحشة أو ليؤنس نفسه أو تعبيرا عن حاجته إلى أن يقول شيئا ما أو أن يسمع شيئا ما ، لنفسه يقول ومن نفسه يسمع ، حين يعز أن يجد من يقول أو من يسمع ..
ولأن المشهد السوري للثورة التي عملنا عليها وحلمنا بها سنين طوالا سار ويسير في سياق لم يكن نتصوره أو نقبل به ، ولأننا لا نظن أن الثورة تجربة ميكانيكة يمكن أن تحصل كلما ضغط أحدهم على زر ، من الخارج كما يرى بشار الأسد ، أو من الداخل كما يتصور الذين يظنون أن الشمس يمكن أن تنتظرهم ؛ فإن الكتابة وإن كانت غير مقروءة تبقى فعلا تاريخيا وتوثيقيا يحمّل المسئولية لأصحابها الذين أقصوا واستأثروا وقرروا غرورا بكفاءتهم أن ينفردوا ...
على اضطرار كُتبت تلك المقدمة لتوصيف مشهد لا يسر السوريين الذين ضحوا بكل شيء في سبيل ثورتهم أنه يسمعوه . يستعينون في بعض المختبرات الطبية المتقدمة بخبراء نفسيين مساندين لييجدوا الوسيلة الألطف ليبلغوا المريض أو أسرته نتيجة التحاليل الطبية المؤلمة ..
مفتونو حزب البعث العربي الاشتراكي وهم عائدون من هزيمتهم الكبيرة – وليس الأكبر – في السابعة والستين استطاعوا أن يروا تلك الهزيمة نصرا وأن يفلسفوا هذا النصر وأن يتباهوا به ويعلنوه ، ويبدو أن هذه القدرات الخارقة العجيبة ليست وقفا عليهم وحدهم ..
بالأمس وبينما كان بعض الناس يحتفل بنصره العظيم في جنيف ، وبينما كان فريق آخر يصفق لقيادة جديدة للجيش الحر ، وكان فريق ثالث يعلن عن تشكيل تمثيل جديد للمعارضة السورية ، و فريق رابع متكئ على أريكته ...؛ كانت بلدة ببيلا في ريف دمشق تطوي علم الثورة وترفع علم بشار الأسد ..
تمر الواقعة بهدوء كما مرت سابقاتها من قبل ، لا يلقي لها أحد من القيادات الملهمة المظفرة بالا . تمر الواقعة النكسة وسط ضجيج معركة يبرود حيث يحشد تحالف الشر خيله ورجله ، طائراته ودباباته وصواريخه ومدفعيته ، وحيث تترك يبرود لمواجهة مصيرها كما فعل بأخواتها القصير وما تلاها من قبل .
وما جرى في بيبلا الاثنين 17 / 2 / 2014 جرى في بلدات كثيرة وعديدة وسط اللامبالاة نفسها ، والاستهتار نفسه ، وسوء التقدير للحدث نفسه ، والعجز عن قراءة الدلالة نفسها ، وإلا أي لو قرؤوا الحدث بدلالته لأحدث في موقفهم هزة ولو بمستوى قول القائل ( كما انتفض العصفور بلله القطر ) قبل بابيبلا كان هناك قدسيا – والمعضمية – وبرزة – وبيت سحم – ويلدا – واليرموك – وحمص – ويدور التفاوض اليوم على حرستا ..
وليس من غرض هذا المقال التثريب على أطفال أنهكهم الحصار والجوع والعطش والبرد والمرض والجراح وقلة العدة ، وانقطاع المدد ، وعجز الخليّين وخذلان القريب بل الغرض منه التنبيه إن كان ما زال هناك فرصة للانتفاع من تنبيه ..
إنها استراتيجية تصفية الثورة والثوار بالعزل والحصار والقضم . الحصار يحول الفضاء الثوري إلى جيوب ، وبإحكام الحصار على هذه الجيوب يتم تصفيتها جيبا جيبا . هاهنا استراتيجية وخبراء دوليون يخططون وينفذون فالثورات أو قمعها لا يقودها ( أبو الهنا توكلنا ) . والثوارات أو قمعها لا تقاد بالتفاريق وإنما بالاستراتيجية الواحدة المحكمة ..
ونلحظ في استراتيجية الكيد هذه أنها بينما ترفع شعار ( المصالحات ) في سوار دمشق الجميلة تدك بالبراميل المتفجرة حلب العصية تمهيدا للحظة الصلح المنشود ..
نعلم أن بقية الثوار في هذه البلدات ترفض تسمية ما يجري ( مصالحات ) ويؤثرون تسميته ( الهدن ) ولكن العبرة في العقود بالمعاني وليس الألفاظ والمباني , وأكثر الفقهاء أجازوا العقود بألفاظ الكناية حيث قالوا ويغني زوجتك عن أنكحتك ...
منذ أكثر من عام واستراتيجية القضم هذه تفعل فعلها : فمع امتداد الزمان ، وتراخي الناس ، وذوبان القيادات السياسة في الكؤوس الدولية ، وغياب المشروع الثوري عن الأعين ، وفقدان الصوت الوطني الذي يلهب المشاعر ويشد العزائم ويرفع الهمم ثم مع كلب الجوع والعطش والمرض والبرد والخوف ؛ دبّ الضعف والوهن إلى القلوب فالعقول ، وتحرك من سموا أنفسهم سعاة الخير بالصلح بين الناس وقال اليائسون والضعفاء ( والصلح خير ) وأصبحنا أو أمسينا نحكي كان يا ما كان في حديث الزمان ..
إلى الذاهبين إلى جنيف وإلى القاعدين عنه هذا سقف ما يبذله بشار الأسد لكم ..
تدخلون بيت الطاعة وترفعون علم بشار وتطوون علم الثورة ..
وتسلمون سلاحكم الثقيل ..
ومقابل ذلك تأكلون وتشربون .... وللنقاط تفسير
وتستسلمون بتسليم سلاحكم الخفيف فيحصل من لم يقاتل منكم على عفو عام فقط لتشهدوا بالغد على أنفسكم أنكم الإرهابيون وأن بشار الأسد رؤوف رحيم ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية