هدَّني السقم..
هدَّني السقم..
سحر المصري
طرابلس - لبنان
[email protected]
تمزق أحشاءها الآلام.. وتلفّ على ظهرها محاوِلة إحكام السيطرة على محيطها كله.. فتعضّ على أناملها من الوجع.. وبعد كل جولة تستريح.. ليشتد أوار المعركة من جديد.. وتكون الضحية: جسدها المهدود! هي منذ أيام ليست "هي".. باتت تتحسّس من أية كلمة تخرج منه.. ويتقلّب مزاجها رغماً عنها.. فتقرأ تصرفاته بحساسية مفرطة.. وتنظر للأمور بسوداوية ملحوظة.. وتنكفئ على نفسها بين الحين والآخر لتجتر بعضاً من مآسيها الماضية.. فتبكي.. وتتفجّر براكين سابقة وحاضرة.. ظلام في كل مكان.. ويزمجر الضيق في كل ناحية.. تستجدي راحة نفسية وهدأة بال.. تمسك برأسها بين يديها علّها تجتثه من جذوره وتتحرر من ضغطه.. تحاول لملمة شعث نفسها فتنجح مرة.. وتخفق مرات!
يدخل زوجها في معمعة تعيشها "بينها وبينها".. لا تدري هل ستفلت من براثنها أم ستهوي! ورغبة جامحة في البكاء تسيطر على جنبات قلبها.. وهو لا يدري!
هو: حضّري لي المائدة فأنا جائع جداً.. كان يوماً مفعماً بالمراجعات والاتصالات.. لم أصدّق أن الدوام انتهى!
هي: دقائق ويكون كل شيء جاهزاً.. بدّل ثيابك وتعال..
هو: اتصل بي أخي يدعونا لنسهر عنده وأخبرته أننا سنلبّي الدعوة..
هي: ولِم لا تسألني إن كنت أرغب بذلك؟ ألا تشعر بمعاناتي؟ لا أريد أن أزورَ أو أُزار! نفسيتي لا تسمح لي بذلك..
هو: معاناتك؟! لَم تخبريني بشيء.. وأنا في عملي طوال اليوم فكيف لي أن أتحسس ألمك دون تصريح منك؟
هي: لو اهتممت.. لعرفت! أكاد أختنق! خذني إلى البحر أتأمّل الأفق الرحب!
هو: لو اهتممت؟! أَوَلا أهتم؟! وممّ تختنقين؟! ما بك منذ أيام ثلاثة وأنتِ لستِ على طبيعتك.. تتحسسين من أي كلمة.. تبكين وأحياناً ترفعين صوتك.. وتتهمينني بأشياء وأشياء!! كأنكِ امرأة أُخرى لا أعرفك!
تتشحرج الكلمات في عنقها.. وتذرف الدموع.. تدخل غرفتها وتغلق الباب! يتخبط هو.. ماذا يحصل؟! هل الموقف يستدعي كل هذا الحنق؟! ويتساءل عمّا يجري فلا يفهم!
كَم من الأزواج يعيشون وضعاً شبيهاً بما سطّرت.. والموضوع بكل بساطة يتمحور حول الدورة الشهرية التي تمر بها الزوجة كل شهر.. قد يعتقد البعض أن هذه الفترة هي كسائر أيام الشهر وأنه لا تأثيرات مباشرة على نفسية الزوجة أو تصرفاتها.. وهذا وإن كان صحيحاً بالنسبة لبعض النساء إلا أنه غير واقعي لأكثر من ثمانين بالمئة منهنّ.. وعلى الأزواج أن يفهموا فقه هذه المرحلة ليستطيعوا مراعاة زوجاتهم وتقدير حالاتهنّ ومساعدتهنّ على أن يقطعن هذه الأيام بأقل ألمٍ ممكن.. إن على الصعيد النفسي أم الجسديّ..
ففترة الطمث –وربما قبلها بأيام- فترة غير مريحة ومعقّدة بسبب التغيرات الهرمونية.. تشعر فيها الزوجة بآلام مبرحة في البطن والظهر والرأس وسائر الجسد.. وانتفاخ وتعب عام ونعس.. وتغيّر في الشهيّة.. وتقلّبات سريعة في المزاج.. وزيادة في الحساسية والانفعالات.. وتوتر نفسي قد يصل حد الاكتئاب.. وفقدان الثقة بالنفس والسوداوية في النظر للأمور..
فلو أدرك الزوج كل هذه التغيّرات "الطبيعية والخَلقية" عند الزوجة فهل سيبقى يتوقّع منها أن تكون "هي هي" مع أنها تمر بكل ذاك أو حتى بعضه؟! فقد تختلف تصرفاتها بشكل كبير.. يُهيّؤ للزوج بعد تكرار ذلك كل فترة أن زوجته تعاني من مشاكل نفسية وربما من الفصام! وبدل أن يساندها تجده يلقّنها دروساً "نظريّة" في إلزامية أن تكون "عادية" وأن ترتقي بنفسها فوق كل المجريات والمتغيرات والظروف المحيطة لتؤمّن له الراحة والسعادة التي يرتجي!
وقد يغيب عن هذا الزوج أن الزوجة تحتاج إلى المساندة العاطفية منه هو شخصياً وفي المقام الأول.. لتتخطّى المرحلة بهدوء.. فهي نصيحة للزوجة أن تخبر زوجها بما تحبه منه في هذه الفترة وبما تكره.. وبأخلاقه الراقية يستجيب لها للحفاظ على هذه العلاقة الزوجية من التخبط والفشل!
فيا أخي الزوج.. اقرأ عن هذه الفترة لتعرف ما تعانيه زوجتك.. وساهم في تحسين مزاجها عبر كلماتك وأفعالك الهنيّة.. ساعدها في البيت.. أو على الأقل لا تُرهقها بكثرة الطلبات بل تغافل عن تقصيرها غير المتعمّد.. أخبرها أنها الصديقة والحبيبة والزوجة واسأل عنها لتُشعِرها بالاهتمام.. حاول أن لا تتأفّف من وضعها حتى لا تزيد من ضيقها.. وأسعِدها بقصص مفرِحة ونكت "مهضومة".. شاركها في نزهات وتمارين رياضية خفيفة.. ضع يدك على موضع الألم من جسدها وارقِها.. إن حساسيتها في هذه الفترة زائدة فراعِها.. وهي قد تحاول تضخيم المشاكل الصغيرة أو إحداث مشكلة من لا شيء فتحمّلها ولا تأخذ الأمور على محمل شخصي! هي كالفتيل المشتعل لا تعرف حتى هي متى تنفجر!.. زوجتك متعبة وبحاجة لتنفيس ما تجده في داخلها! شاركها في مواجهة الأزمة لترتاح! ولا تجادلها في مواضيع مصيرية أو خِلافية حتى لا تنفعل أكثر وتتخذ قرارات أو تتفوّه بعبارات تسيء! أنصِت إليها واحتوِها! وتذكّر أنها زوجتك.. ولكن.. لا النفس هي نفسها.. ولا الجسد هو بنفس طاقته!
أما رأيت الإسلام وقد حرّم التطليق في فترة الحيض؟! أتراه عبثاً؟! لا وربي! فارأف بحالها..
وما سطّرتُ كلمات في الخيال أو أحلام يقظة! ولكنها أخلاق الرجال.. حين تدق طبول الحاجة وينادي داعي الاستقرار.. وتشرئب أعناق المودة والرحمة في خير دار.. أفلا تكون الكريم الذي يرعى.. والقلب الذي يحوي؟!