حلب في قلب أوكسفورد
ثلاث سنوات وأنا أتجنب السفر إلى مدينة أوكسفورد الإنكليزية, رغم أنها الأحب إلى قلبي في هذا البلد. عندما غصت منذ سبع سنوات في تفاصيل بحثي عن العلاقة بين أوكسفورد والعلوم العربية خلال فترة الثورة العلمية وجدت حلب في كل زاوية من زوايا أوكسفورد. حتى في حدائقها وجدت أشجار تين ودلب لا تزال تنمو وتثمر في أوكسفورد منذ أن جُلبت من حلب وزرعت فيها منذ ٣٥٠ سنة! مكتبتها العريقة (البودليان) تغص بآلاف المخطوطات التي وصلت من حلب, أعرق وأقدم كرسي لتدريس اللغة العربية في العالم أُسس في أوكسفورد في عام ١٦٣٦ ليحتله المستعرب إدوارد بوكوك بعد أن قضى سبع سنين من حياته في حلب يتعلم العربية في فيها ويكتب عن الثقافة العربية.
في أوراق مراسلات القرن السابع عشر بين العلماء والأدباء والسياسيين ورجال الدين التي درستها في مكاتب أوكسفورد كان اسم حلب كثير التكرار فيها, حتى أن الملك نفسه بعث رسالة إلى البعثة الإنكليزية في حلب يأمرهم فيها بأن لا يسمحوا لأي سفينة تجارية أن تغادر المشرق دون أن تكون محملة بالمخطوطات العربية. الحرير الذي يزين الألبسة في لوحات وجهاء اوكسفور كان يأتي من حلب..دورياتها العلمية كانت تذخر بالمقالات عن العلوم المهمة التي كان العلماء يتعلمونها من مدينة حلب مثل اللقاح ضد الجدري وطرق ووصفات التداوي من الأوبئة والامراض.
في متحف العلوم في اوكسفورد نفائس لا تقدر بثمن أتت من حلب...وكتب تتغنى بحلب كتبها المستشرقين الإنكليز الذين عاشو فيها.
غداً, سأضطر إلى السفر إلى أوكسفورد, بل إلى قلب مكتبة البودليان لأقوم بتصوير برنامج وثائقي عن مخطوطة فلكية نفيسة وضعها العالم عبد الرحمن الصوفي وأتت إلى أوكسفورد عن طريق حلب. سأضطر إلى نبش الجرح, ومواجهة حضارة حلب في قلب أوكسفورد.
لن أحاول أن أفهم كيف يمكن أن يقدس الغرب هذه المدينة إلى هذه الدرجة في حين يقوم بعض السوريين بتدميرها.
وسوم: العدد 841